ما الذي يجعل المنتخبين يتهافتون على بلوغ رئاسة الجماعات الترابية والمجالس الجهوية، رغم أن منصب رئيس الجماعة الحضرية أو القروية، وحتى منصب رئيس الجهة، لا يُدرُّ مُرتّبا شهريّا كبيرا؟ بل ثمّة منتخبون كُثر يصرفون أموالا كثيرة للظفر بهذه المناصب. تهافُتُ المنتخبين على هذه المناصب، وبذْلهم الغالي والنفيس للفوز بها، له تفسير واحد لدى كثير من المواطنين: الرغبة في مراكمة الثروة. يقول المحجوب تعليقا على الموضوع في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "تعويضاتُ رؤساء الجهات والمجالس الإقليمية لا تتجاوز في أفضل الأحوال سبعة آلاف درهم، ومع ذلك يلهث الجميع لِكراسيها لنهب المال العام دون حسيب أو رقيب في غياب أي ربط للمسؤولية بالمحاسبة، وإلا كيف يعقل أن يخسر هؤلاء الملايين في الحملات الانتخابية وفي التحالفات؟ زَعْمَا لِخدمة الصالح العام !؟". 5000 درهم سعرُ صوْت واحد ويُعزّزُ قناعةَ المواطنين بأنّ الهدفَ الأسْمى للمنتخبين المتهافتين على رئاسة مجالس الجماعات والجهات، مَا يُرافقُ الحملات الانتخابيّة من استعمال المال لشراء أصوات الناخبين "الصغار"؛ واعترفَ رئيسُ الحكومة، عبد الإله بنكيران، في ندوة صحفية غداة الانتخابات الجماعيّة والجهويّة الأخيرة، أنَّ صوْت الناخبِ "بِيعَ" في مدينة أرفود ب 5000 درهم، أمّا أصوات الناخبين "الكبار" فيرُوجُ في الصحافة أنَّها "تُباعُ" بالملايين. فهلْ يُزكّي صرْفُ منتخبينَ أموالا طائلة من "مَالهم الخاصّ" دونَ الاكتفاء بالدّعم الذي تُقدّمه لهم الدولة، ما يعتقدُه المواطنون من أنَّ المنتخبينَ لا يرُومون من السعي إلى بلوغ منصب رئيس المجلس الجماعي أو رئيس مجلس الجهة خِدمة الصالح العامّ، بقدرِ سعْيهم إلى خدمة مصالحهم الخاصّة؟ بالنسبة لأستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال الرباط، عبد الرحيم المصلوحي، "لا يُمْكنُ وضعُ جميع المنتخبينَ في سُلّة واحدة". الزبونية الاقتصادية المحلية ويضيف المصلوحي أنَّ ثمّةَ أسبابا وراءَ "تهافُت" المنتخبين على الفوز برئاسة المجالس الجماعيّة والجهويّة، منها التحوُّل الحاصلُ في طبيعة اختصاصات هذه المجالس، وكَذا الأجندة الانتخابية للنّخب والأعيان المحليين. ويشرحُ المتحدّثُ أنّ الانتخابات الجماعيّة ليْست سوى حلقة من سلسلة أطماع المنتخبين، فالمنتخبُ الذي يستطيع الوصول إلى رئاسة الجماعة تزدادُ حظوظه للوصول إلى البرلمان، من خلال الشبكات الزبونية التي يُتيحها له منصبه تشكيلها. وبيْن طيّاتِ هذين السببين (الصلاحيات الجديدة للمجالس المنتخبة والسعي للوصول إلى البرلمان)، ثمّة سببٌ ثالث، وهُوَ أنَّ منصبَ رئيس المجلس الجماعي، يُتيحُ للمنتخب تحقيقَ مصالحَ شخصيّة، وإنْ بطريقة غيرِ مباشرة. ويوضّح المصلوحي أنَّ المنتخبَ الذي لديْه استثمارات، يربطُ مصالحه بمستثمرين آخرين، ما دامَ أنّه هو المُتحكّم في تفويت الصفقات العموميّة للجماعة، أو "الزبونية الاقتصادية المحليّة"، بحسب تعبير المصلوحي. تعويضات "هزيلة" ولا يتعدّى التعويض الشهريّ عن المهامّ والتمثيل الذي يتقاضاه رئيسُ الجهة 7000 درهم، حسب ما هُو منصوص عليه في المادّة الأولى من مرسوم رقم 2.04.753 الصادر بتاريخ 17 يناير 2005، أمّا رئيس الجماعة القروية فلا يتعدّى التعويض الذي يتقاضاه 1400 درهم في الشهر، في حين تُحدَّد تعويضات رؤساء الجماعات الحضرية حسب عدد سكّان كلّ جماعة، ويصلُ أقصاها إلى 6000 درهم، بالنسبة للجماعات التي يفوق عدد سكانها مليون نسمة. التعويضات "الهزيلةُ" التي يتقاضاها رؤساء المجالس الجماعية ورؤساء الجهات، تطرحُ أكثرَ من علامة استفهام حوْلَ مصدر الثروات التي يُراكمها هؤلاء. وقد تساءل أستاذ القانون الدستوري في كلّية الحقوق بالرباط، أحمد البوز، في ندوةٍ عقدها "مركز هسبريس للدراسات والإعلام" قبل الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة: "كيفَ يُمكن لمنتخبٍ أنْ يدخل إلى الجماعة وهوَ لا يملك ما يأكل، وبعدَ سِتّ سنواتٍ يخرج غنيّا؟" الحل: تطبيقُ القانون وتغيير العقليات ويرُدّ عبد الرحيم المصلوحي على سؤال: "هلْ جميعُ المنتخبين الذين يصلون إلى مناصب رئاسة الجماعات أو الجهات عن طريق المال يرْمُونَ إلى خدمة مصالحهم الخاصّة لا إلى خدمة المصلحة العامّة؟" (يرد) بالقول: "لا يُمكن توقع سلوكيات المنتخبين المحليين في هذا المجال، ولا يمكن وضع الجميع في سُلّة واحدة"، ويُضيفُ المتحدّث أنَّ ما ينبغي القيام به هو تفعيل الآليات المؤسساتية والقانونية التي وضعتها الدولة والمشرّعُ لردع مثل هذه السلوكيات. وعلى الرغم من وجود آليات قانونية ومؤسساتية، ووضع إجراءات من قبيل إلزامية التصريح بالممتلكات، إلّا أنّ المصلوحي يؤكّد أنَّ "هامش المناورة" بالنسبة للمنتخبين المسيِّرين للجماعات يبقى كبيرا، ويعزو ذلك إلى كوْن تجربة المغرب في هذا المجال "وليدة"، كمَا أنّ النّخبَ المحلية لم تتملّك النصوص التنظيمية الجديدة. ويُضيف المصلوحي سببا آخر، وهو أشدّ تأثيرا: "استشراء ثقافة يصعب تغييرها بالنصوص فقط"، ويشرحُ أكثر: "لابد من تغيير السلوكيات والعقليات التي تأخذ حيّزا زمنيا أطولَ من الذي يأخذه وضع النصوص القانونية".