سعيد بن جبلي، متخصص في الإعلام الرقمي..إعلامياتي، صحفي، كاتب رأي، ومدون من المغرب. من مواليد 1979 بقرية أولاد افرح، إقليمالجديدة، حاصل على الثانوية العامة في الهندسة الكيميائية والإجازة في الدراسات الإسلامية، اعتقل وحكم لفترة خمسة أشهر وتعرض للطرد من كلية الشريعة والقانون بفاس، بسبب مواقفه النقابية ونشاطه الطلابي حيث كان ممثلا للطلاب وقاد الاحتجاجات ضد النظام التعليمي الذي كان يهدف للتخلي عن مجانية التعليم. ولج تجربة التدوين سنة 2005، وساهم في تأسيس اتحاد المدونين العرب، ثم اتحاد المدونين المغاربة الذي انتخب رئيسا له بعدما تحول الاسم إلى جمعية المدونين المغاربة. في هذا الحوار،يتحدث لهسبريس عن التجربة التدوينية بالمغرب،وعن أهم العراقيل التي تقف أمامها،كما يوضح موقفه الشخصي من حركة 20 فبراير التي أثارت الكثير من الجدل في المغرب مؤخرا نظرا لحجم المطالب التي تطالب بها. بداية،نريد ان نعرف منك كيف ولجت عالم التدوين الالكتروني بالمغرب،علما انك كنت من أوائل المغاربة بهذا المجال؟؟ انخراطي الجاد في التدوين بدأ في 2006 مع ظهور مدونات مكتوب، بعد تجارب متعثرة على منصات تدوينية أخرى، وحينها كان عدد من المدونين المغاربة قد بصموا فضاء التدوين المغربي بأسمائهم، غالبيتهم من الناطقين بالفرنسية. كانت مدونات مكتوب حينها أفضل منصة لاستضافة المدونات العربية، وساهمت في ربط جسور التواصل والحوار بين المدونين المغاربة باللغة العربية وبين المدونين العرب بصفة عامة، وبعد مداومتي على التدوين الجاد لفترة قصيرة، احتلت مدونتي المرتبة الأولى بين مدونات مكتوب المغربية كما عرفت بعض تدويناتي طريقها إلى منابر إعلامية مهنية. غير أن نقطة التحول في مسيرتي التدوينية كانت حين وجهت نداء مفتوحا للمدونين العرب للم شملهم وتوحيد جهودهم، وهو النداء الذي كان حافزا لإنشاء اتحاد المدونين العرب الذي كنت من مؤسسيه ومسؤوله الإعلامي، ثم سعينا فيما بعد إلى تأسيس فرع للاتحاد بالمغرب، فقمت بفتح النقاش وتوجيه الدعوة للمئات من أشهر المدونين المغاربة حينها، وتوجت هذه المناقشات الافتراضية بأول لقاء تشاوري على أرض الواقع استضافه المدون سعد البورقادي في بيته بالرباط يوم 10 مارس 2007 وحضره عشرة مدونين فقط، ولاعتبارات عديدة قررنا إنشاء اتحاد مستقل للمدونين المغاربة عوض فرع لاتحاد المدونين العرب واستمرت المشاورات وتم تشكيل لجنة تحضيرية لتأسيس اتحاد المدونين المغاربة الذي سمي فيما بعد جمعية المدونين المغاربة التي انتخبت رئيسا لها. طيب،نريد ان نعرف منك بصفتك رئيس هذا التجمع المسمى بجمعية المدونين المغاربة،أهم المنجزات التي قمتم بها منذ التأسيس الى حد الساعة؟؟ ساهمنا في حماية المدونين والدفاع عنهم وتعزيز التضامن والتآزر فيما بينهم، وفي جميع قضايا التضييق على المدونين كنا حاضرين وعملنا على حشد الدعم والتأييد اللازم لها عبر المدونات والشبكات الاجتماعية، وكذا عبر وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية مشكورة. كما أننا نقوم بإعداد وتأطير برامج تكوين في تقنيات الإعلام الجديد وصحافة المواطن، وتأطير أوراش ودورات تكوينية يستفيد منها المدونون ومستعملو الانترنت، فبخلاف الصحفي الذي تعطيه رغبته في تطوير مهنته حافزا للتكوين والبحث والإنتاج، لا تتوفر للمدون أية حوافز من شأنها دفعه للاستمرار و تجشم عناء التكوين والتأطير، ولذلك نجد في عالم التدوين ظواهر سلبية ترجع جلها إلى الجهل بأبجديات العمل الصحفي وأخلاقياته، تنتج عنها مشاكل يكون المدونون سببا فيها وضحية لها، وبالإمكان تجاوزها لو توفر الوعي الجماعي لدى المدونين وترسخت بينهم أعراف للتدوين الحر والمسؤول ، والمدونين يسعدون جدا حين يلتقون بأصدقائهم من العالم الافتراضي، ونحن نوفر لهم ومعهم فضاءات للالتقاء والتعارف، ومنتديات للحوار والتواصل، ومحاضن للإبداع وتلاقح التجارب والأفكار، ومحطات لتوثيق عرى الصداقة والأخوة. جمعيتنا تستكشف وسائل لدعم المدونين ومساعدتهم، وأساليب لتطوير التدوين وتأهيله وتسخيره لخدمة أهداف سامية في جميع مناحي النشاط الإنساني بدءا بالأدب والفن ومرورا بالتنمية والاقتصاد والتربية والتكوين ووصولا دون انتهاء إلى دمقرطة الحياة السياسية وترسيخ مبادئ العدالة والحرية وحقوق الإنسان. والأهم أن الجمعية ألهمت المدونين عبر العالم العربي وأعطت مثالا ناجحا لإمكانية التعايش بين جميع الحساسيات والخلفيات في إطار مدني من أجل أهداف وغايات مشتركة وحيوية، وبدفاعها عن حرية التعبير والحق في الاختلاف في جو من الاحترام المتبادل والحوار الصريح والبناء فإن عددا مهما من المدونين ينخرط بفعالية في أنشطة الجمعية ويدعم مبادراتها، كما أن فئة واسعة من هيئات المجتمع المدني تستفيد من تجاربنا وخبراتنا لتحسين إلمامها بالتقنيات الحديثة للإعلام والتواصل وكيفية استثمارها للتواصل والتعبئة والتعارف. ما هي أهم الخروقات التي وقفتم عليها أثناء تغطيتكم لحرية الإعلام والتدوين بالمغرب؟؟ بالإضافة لانتهاكات حرية التعبير والصحافة التي يعرفها الرأي العام ، تجاوزت حالات اعتقال المدونين وزجهم في السجون في المغرب سبع حالات، كما تنوعت أشكال المضايقات التي تطال المدونين بدءا بمحاولة تجنيدهم لصالح المخابرات بالترغيب والترهيب ومرورا بالتضييق عليهم في وظائفهم وأعمالهم وانتهاء بتجميد ملف القانوني للجمعية بدون أي مبررات وفي خرق واضح لجميع القوانين. ولأجل هذا كانت الجمعية قد أعلنت أسبوع حداد على حرية التعبير نهاية العام 2009، ألبست فيه المدونات السواد معلنة للرأي العام مطالبها بضرورة التوقف عن استخدام للتضييق على حرية التعبير والزج بالمدونين والصحفيين بالسجون، وهي الخطوة التي لقيت نجاحا بفضل تجاوب المدونين ومستعملي وسائل الإعلام. ولماذا في رأيكم لا زالت الجهات المعنية تتهرب من إعطاء الجمعية وصلها القانوني؟؟ هذا سؤال الذي لم نتلق عليه جوابا، فالجمعية احترمت جميع القوانين وقامت بجميع الإجراءات اللازمة وزيادة، لكن السلطات المغربية دأبت على محاصرة أي جمعية لا تروقها وحرمانها من وصلها القانوني، وبالإضافة إلى أن المسؤولين متخوفين من التدوين وتأثيره بسبب استعصائه على المراقبة والتوجيه، من الراجح أن السلطة لا تتقبل وجود أي جمعية مستقلة تضم جميع أطياف المجتمع بما فيها تلك المعارضة أو المغضوب عليها مثل اليسار الراديكالي والعدل والإحسان. فالسلطة مستعدة لخرق جميع القوانين لمحاصرة معارضيها، لكننا غير مستعدين لخرق مبادئ الديمقراطية لإرضاء السلطة، والجمعية ستبقى مفتوحة لجميع التيارات بدون إقصاء أو تهميش لأي منها مع الحيلولة دون سيطرة أي تيار على الجمعية أو استخدامها لأغراض حزبية أو إديولوجية. سؤال آخر ما موقفكم من حركة 20 فبراير التي ظهرت مؤخرا عبر الفايسبوك والتي تدعو إلى التغيير الشامل في المغرب؟؟ حركة 20 فبراير أقرب إلى الإصلاح المتكامل منه إلى التغيير الشامل، وجمعية المدونين المغاربة تتحاشى السياسة وحتى حين نخوض في أمور لها علاقة بالسياسة يكون ذلك من منطلق حقوقي أو مدني أو إعلامي، ومن الخطأ أن نقحم جمعية مدنية تضم جميع أطياف المجتمع في صراعات سياسية، لذلك فليس لنا موقف رسمي من حركة 20 فبراير رغم أن نسبة هامة من أعضاء الجمعية يدعمون تلك التحركات كأفراد، ولا دخل للجمعية في الأمر، وإذا ما حظيت حركة 20 فبراير بإقبال الشعب المغربي وتحولت إلى ائتلاف وطني تلتحق به هيئات واسعة من المجتمع المدني فستكون الجمعية من بينهم. وأنت،شخصيا سيد بن جبلي،ما هو موقفك من هذه الحركة ومن مطالبها؟ أعتقد أن للشعب مطالب عادلة لا يسعني إلا دعمها والترافع عنها بجميع الوسائل، من أبرزها مكافحة الفساد وتوفير فرص الشغل وتحقيق تنمية شاملة ودعم القدرة على المعيشة عبر رفع الأجور وتخفيض الضرائب على الفئات الفقيرة، وهذا كله لن يتحقق إلا في ظل حكومة منتخبة انتخابا ديمقراطيا شفافا حرا، في إطار دستور ديمقراطي تعاقدي بين جميع أطياف المجتمع، يعكس تطلعات المغاربة لدولة الحق والقانون والمواطنة ويقر بالحقوق والحريات الأساسية في التنظيم والعمل الجمعوي والسياسي وينص على استقلالية القضاء واعتباره سلطة قائمة الذات. هذه المطالب ليست محل خلاف عكس الموقف من الملكية، حيث يتنامي مطلب الانتقال لملكية ديمقراطية يكون للملك فيها دورا رمزيا، بينما يمارس الحكم شخص منتخب من قبل المواطنين، خاضع لرقابة ممثلي الشعب في البرلمان، وأنا شخصيا من مؤيدي هذا الطرح، لأنني أفضل أن يكون الملك بعيدا عن المساءلة وعن غضب الجماهير. ففي ظل ملكية برلمانية وحكومة منتخبة ينضاف التقدم إلى الاستقرار ويسهل تجاوز الأزمات عبر صناديق الاقتراع أو حتى عبر إجراء انتخابات مبكرة، بينما يستحيل ذلك في ظل نظام ملكي مطلق. لكن،هل تعتقد ان حركة 20 فبراير ستنجح في المغرب في ظل الاكراهات التي تعيشها حرية التعبير بالمغرب؟ ثم هل ترى ان الحركات الشعبية الشبابية بالمغرب بقادرة على تخطي خلافاتها الاديولوجية من اجل توحيد المطالب والسير نحو الأمام؟؟ نحن في العصر الرقمي بحيث يستحيل على أي نظام مستبد مهما كان مستقرا أن يستمر بنفس الأساليب العتيقة في تغييب الإرادة الشعبية عبر القمع والتضييق على الحريات وتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي، إن الجيل الحالي جيل واع ومتنور بفضل اطلاعه على معلومات كانت محجوبة عن آبائه وبفضل تواصله مع مجتمعات متقدمة تشكل عامل إلهام، وبالتالي فزمن التغيير قادم سواء في القريب العاجل أو على المدى المتوسط، وقد تنجح حركة 20 فبراير أو تفشل، لكنها ستحقق تراكما لأي تغيير أو ثورة قادمة. العقبة الوحيدة التي قد تؤدي إلى فشل حركة 20 فبراير هو بروز الخلافات الإيديولوجية بين الفاعلين الأساسيين، وقد آن للقوى الوطنية الحية والحرة أن تبين عن رشدها وتتجاوز خلفياتها الإديولوجية معطية الأولوية لصوت الشعب ومطالبه الأساسية، فالشعب ليس في حاجة لمن يثقفه إديولوجيا لأنه قادر على التعلم بنفسه، لكنه في حاجة لمن يعطي الأولوية للدفاع عن مطالبه الأساسية في الديمقراطية والحرية والعدالة ومناخ العيش الكريم. البيان التأسيسي للحركة دعا الى جملة من التغييرات من بينها الملكية البرلمانية،لكن هناك تخوفات من ان يستثمر بعض المحسوبين على هذه الحركة هذه المطالب الى الدعوة لإسقاط النظام كما حدث في تونس،ألا تتخوف من هذا السيناريو؟؟ يقينا لن يبتغي المغاربة عن الملكية بديلا إذا واكبت التطور، بحيث يتم اعتبار أفراد الشعب مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وإقرار مبدأ المحاسبة والشفافية في جميع الممارسات ذات الشأن العام بما فيها مسؤولية إدارة الحكم، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا بأحد أمرين اثنين: أولا: أن يستمر الملك اللاعب الأساسي بشرط الانتقال إلى ملكية عصرية شفافة تتخلص كل مظاهر التقديس والتميز عن بقية المواطنين وتقبل الخضوع لمراقبة البرلمان مراقبة كاملة واحترام إرادة الشعب. ثانيا: أن يحتفظ الملك بدور رمزي معبرا عن ضمير الشعب متعاليا عن جميع الحسابات السياسية، مع تمكين حكومة منتخبة انتخابا حرا ديمقراطيا من جميع صلاحيات إدارة البلاد، بحيث إذا فشلت تم التخلص منها دون أن تتضرر صورة الملك ومكانته. لن يبتغي المغاربة عن الملكية بديلا إلا إذا تم تجاهل طموحاتهم في الديمقراطية والحرية والكرامة والعدل ومواجهتهم بالقمع والتخوين والسجون، وخصوصا إذا كان هذا التجاهل وهاته الممانعة لمطالبهم باسم الملكية، فحينها فقط سيفقد المغاربة ثقتهم في النظام الملكي بحيث يستحيل استعادتها إلى الأبد. سؤال أخر بدأت المخابرات المغربية حملة من التضييق على عدد من المشاركين في هذه الحركة، هل يعد هذا استمرارا لسياسة القمع والترهيب التي تمارسها السلطة ضد حرية الإعلام؟؟ حملة التضييق لا تطال حرية الإعلام فقط، ولكنها تشمل حرية التعبير وحرية العمل الجمعوي والسياسي والنقابي، وحرية الاحتجاج وجميع الحريات الأساسية والفردية، إلا أن المسؤولية ليست على أجهزة الأمن وحدها، فهي تنفذ فقط ما تتعلمه وما تؤمر به، العقلية الأمنية متجذرة في بنية الدولة وعقول المسؤولين ولن تتغير بسهولة، ولن تتغير إلا في إطار إصلاح متكامل أو تغيير شامل. أخيرا،هل من رسالة خاصة تريد ان تبلغها لأشخاص معنيين؟؟ جميع المغاربة الذين يحبون وطنهم، أهديهم حبي ومقولة المفكر الانجليزي توماس بين: "من واجب كل وطني حماية وطنه من حكومته".