لم تعكس نتائج انتخابات رؤساء الجهات التي جرت أمس الاثنين، عدد المقاعد التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية عقب اقتراع الرابع من شتنبر، وجعلته يتبؤ الصدارة في الانتخابات الجهوية، في حين أنه لم يظفر سوى بجهتين، من أصل 12 جهة في المملكة. نتيجة يرى عدد من المراقبين، أنها كانت بسبب التحالفات الحكومية "الهشة" التي عول عليها العدالة والتنمية، من أجل الظفر برئاسة جهات كبرى كجهة طنجة- تطوان، والدار البيضاء- سطات، اللتين آلتا في الأخير لخصمه السياسي، الأصالة والمعاصرة، بعد تصويت منتخبين من حزبي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، لصالح مرشح المعارضة. وبعد هذه التطورات، ومباشرة بعد "خذلان" الحلفاء الحكوميين، اجتمعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، لكنها لم تتخذ أي قرار، واختارت التريث إلى نهاية الاستحقاقات الانتخابية، خلال الأسبوع الحالي، من أجل النظر في تحديد موقفها خاصة أن الحزب كان قد اتفق مع بقية مكونات الحكومة على التصويت لمرشحي الأغلبية، مما جعل "البيجيدي" يتنازل عن رئاسة جهتي سوس- ماسة التي كانت له فيها الصدارة، بالإضافة إلى جهة فاس- مكناس، التي "أهداها" للأمين العام للحركة الشعبية، أمحند العنصر. حزب التقدم والاشتراكية دخل هو الآخر على خط التحالفات التي قام بها التجمع والحركة، وعقد مكتبه السياسي اجتماعا عاجلا ليلة الاثنين، خرج فيه بموقف إدانة لما أسماه "عودة إرادة التحكم في قرارات الأحزاب"، وأكد بعده أمينه العام، نبيل بن عبد الله، أنه سيبقى وفيا لتحالفه مع العدالة والتنمية. امتداد التحالف وفي تعليقه على المفاجآت التي حملها انتخاب رؤساء الجهات، أكد محمد الهاشمي، الباحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الإنسانية وأستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادير، أن ما حصل ليس إلا امتدادا للطريقة التي تم بها تدبير دخول حزب التجمع الوطني للأحرار للحكومة بعد خروج حزب الاستقلال، معتبرا بأن هذا الحزب لم يكن صاحب قرار دخوله في التحالف الحكومي مع العدالة والتنمية. وأوضح الهاشمي في تصريح لجريدة "هسبريس"، أن دخول الأحزاب السياسية في تحالف بالبرلمان والحكومة، يجب أن يكون له امتداد في الجهات والجماعات الترابية، "لكن الوضع الراهن يطرح عددا من الأسئلة حول مدى قوة التحالف". وشدد المتحدث ذاته على مسألة استقلالية القرار السياسي "الذي تفتقده هذه الأحزاب"، على حد تعبيره، ذلك أن القرارات التي تصدرها مرتبطة بتاريخها وطريقة نشأتها، بالإضافة إلى علاقتها ببعض دوائر القرار. هذه الوضعية، توضح، بحسب الهاشمي، كيفية "الاحتواء الناعم" لاكتساح العدالة والتنمية لانتخابات المدن والجهات، من خلال تجريده من رئاسة عدد من الجهات، عبر تحالفات مضادة ساهم فيها حلفاؤه الحكوميين. وجهان لعملة واحدة وأكد عبد الرحيم العلام، الباحث في العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، ليسا حزبان مختلفان، بل "إنهما حزبان انشطرا إلى قسمين منهجيا، فالأول في الحكومة والثاني يمارس المعارضة"، على حد تعبير العلام. وشدد العلام على أن رفاق صلاح الدين مزوار لم يدخلوا في أي وقت من الأوقات في صراع مع الأصالة والمعاصرة، مضيفا بأن تجربة 2011، عرفت تراجعا نسبيا ل"البام"، لصالح التجمع الوطني للأحرار، حيث ذهب عدد من المرشحين الذين كان ينتمون "للجرار"، إلى التقدم للانتخابات التشريعية باسم التجمع. وتابع المتحدث ذاته بأن مناضلي حزب العدالة والتنمية واعون بذلك، و"لهذا فقد كانوا ينتقدون الحزبين معا"، مردفا القول إن "البيجيدي" كان ضحية تحالفه مع "الشطر الثاني لحزب الأصالة والمعاصرة"، بعد أن كان تصويت التجمع الوطني للأحرار لصالح "البام" متوقعا. هامش ضيق وحول هامش المناورة لدى الحزب الإسلامي، أكد محمد الهاشمي، أن هذا الهامش يبقى ضيقا، ذلك أنه محكوم بعدد من الإكراهات، أبرزها بعث رسائل لعدد من الفاعلين، بأنه لا يسعى للهيمنة على الحقل السياسي المغربي، كما أن الأحزاب التي يمكن أن يتحالف معها تبقى معدودة. بالرغم من هذا الوضع، يؤكد الهامشي، فإن ذلك قد يكون له أثر إيجابي، على حزب العدالة والتنمية، من خلال العودة إلى "خطاب المظلومية" الذي كان يسوقه قبل بروز حركة 20 فبراير، وصعوده لتسيير دفة الحكومة، وبأنه لم تتح له الفرصة الكاملة في التسيير وتدبير الشأن العام. مستقبل التحالف وخرج العلام بخلاصة مفادها أن التطورات التي حصلت خلال انتخاب رؤساء الجهات، لن تؤثر على التحالف الحكومي خلال سنته الأخيرة، معللا ذلك ب"أنها تبقى قصيرة في عمر العمل الحكومي للاستعداد للانتخابات التشريعية خلال العام القادم". وانتهى الباحث في العلوم السياسية إلى أن تحالفات تشريعيات 2015، ستحكمها نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية التي جرت في الرابع من شتنبر الجاري.