أدلى كريم مولاي، الضابط السابق في المخابرات الجزائرية، بدلوه في نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية التي جرت بالمغرب في الرابع من شتنبر الجاري، حيث أغدق المديح للمؤسسة الملكية التي قال إن لها الفضل في نجاح تجربة الإصلاح والثورة الهادئة في المغرب". وأفاد مولاي، ضمن مقال ورد إلى هسبريس، أن المؤسسة الملكية بالمغرب تتمتع بقدرة سياسية فائقة في التجاوب مع مطالب الناس وتلبيتها، وعدم المغامرة بتعريض البلاد لثورات غير آمنة، مبرزا أن الفائز في الانتخابات الأخيرة هي البلاد، لكونها حققت استقرارا سياسيا وأمنيا واقتصاديا". وفيما يلي نص مقال كريم مولاي، كما وصل إلى الجريدة: أسدل المغرب الستار الأسبوع الماضي عن الانتخابات المحلية والجهوية، مستفتحا بذلك مشهدا سياسيا مختلفا عما كان سائدا في الماضي. أعرق حزبين وهما الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المغرب لم يفلحا في تحقيق رغبتهما باكتساح البلديات والمجالس الجهوية، ولم ينجحا في دفع الناخبين لعدم التصويت على حزب العدالة والتنمية الإسلامي. ومع أن حزب الأصالة والمعاصرة الليبرالي التوجه، قد استطاع اكتساح الانتخابات المحلية وتحقيق نتائج مهمة، إلا أن ذلك لم يغير كثيرا في تقدم الإسلاميين واستمرار حكمهم على الرغم من التراجعات التي شهدتها تجارب الإسلاميين في دول الربيع العربي. كثير من المتابعين يعيدون نجاح تجربة الإصلاح والثورة الهادئة في المغرب، إلى الخصوصية التي يتمتع بها المغرب، لجهة المؤسسة الملكية التي تقوده والتي تتمتع بقدرة سياسية فائقة في التجاوب مع مطالب الناس وتلبيتها وعدم المغامرة بتعريض البلاد لمواجهات غير مأمونة كما حصل في دول الربيع العربي، وهو تحليل يجد صدقية كبيرة في التجربة المغربية، التي استطاعت أن تتجاوز بنجاح باهر رياحا شعبية عصفت بأنظمة عريقة في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية، لا بل إنها رسمت نموذجا سياسيا مغايرا في الديمقراطية التدرجية. وأيا كانت طبيعة النتائج المحلية والمنافسات الحزبية، فإن الفائز في نهاية المطاف هو المغرب، الذي حقق وفق التقارير الدولية استقرارا سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وأثبت بالدليل الملموس أن المنطقة العربية والإفريقية ليست أرضا بورا لا تصلح للنبتة الديمقراطية، بل هي تربة خصبة لانتقال ديمقراطي متى ما توفرت الإرادة الجادة من صناع القرار. كثير من أصحاب نظريا المؤامرة، شككوا في التوجهات المغربية التي تم الإعلان عنها في آذار (مارس) 2011 مطلع ثورات الربيع العربي وأسابيع قليلة بعد انطلاق حركة 20 فبراير في المغرب، لكن حصاد السنوات الأربع الماضية أثبت بالدليل أن الواقع أصدق أنباء من كتب المنجمين، وأن الحرية المسؤولة يمكنها أن تصنع وطنا وقيادات مسؤولة تستطيع تقسم ما هو موجود من خبز على أهل البلاد كافة. وإذا كان المغاربة قد قالوا كلمتهم في الانتخابات سواء بالتصويت والاختيار أو بالمقاطعة، وكلاهما كان محفوظا، فإن الرسالة الأهم لجوار المغرب من الدول المغاربية والإفيرقية، بأنه متى ما صدقت نية الحاكم في مصارحة شعبه والتجاوب مع تطلعاته، يمكن للشعب أن يحقق المعجزات، ويحتكم لأدوات التداول السلمي على السلطة. لم يلجأ لا حزب الاستقلال ولا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى العسكر والأمن لينقلب على نتائج الاقتراع، ولم تغلق المؤسسات الإعلامية ولا الرسمية أبوابها في وجه الفائزين في الانتخابات، بل ازدهرت سوق التحالفات السياسية، وبدأ المشهد السياسي في تشكيل نموذج ربيعي يصلح أن يكون هدية للمغاربة والعرب والأفارقة والمسلمين. أقول هذه الانطباعات عن الانتخابات المغربية، وفي ذهني صور مريعة بعضها نقلته وسائل الإعلام العالمية لأهل سورية واليمن والعراق وليبيا، وبعضها جرى في جنح الظلام يوم كان ممنوعا على الإعلام أن يكتب شيئا عما يجري من مخططات دموية لمنع الشعوب من تقرير مصيرها وقول كلمتها، لا بل إن صناديق الاقتراع في دول كثيرة تحولت إلى مدخل لسفك الدماء وقتل الأرواح البشرية الآمنة. بهذا المعنى تكون المغرب النقطة المضيئة في ظلام عربي دامس، تأبى سيوف الاستبداد أن تتنازل فيه عن كبريائها لصالح شعوب بدأت تشعر بأن من حقها أن تختار من يحكمها ويعالج قضاياها بيد نظيفة، وشعارات صادقة لا زيف فيها.