في الوقت الذي يتساقط فيه الزعماء العرب الواحد تلو الآخر كأوراق الخريف يظل الوضع في المغرب إلى حدما مستقرا.فكيف استطاعت السلطة في المغرب كبح وامتصاص غضب الشارع؟ هل المغرب اسثناء في العالم العربي؟ كما هو الحال عليه في جل الدول العربية خرج العديد من المتظاهرين المغاربة في مستهل الربيع العربي إلى ساحات الدارالبيضاء والعاصمة الرباط مطالبين بالحرية والديمقراطية وحق المشاركة في المسار السياسي للبلد.سرعان ما انتشرت المظاهرات في جميع بقاع البلد بفضل التواصل عبر الشبكات الاجتماعية مثل الفايسبوك و التويتر.حالة التوتر والاستنفار كانت شبيهة إلى حدما بميدان التحرير في مصر وشوارع تونس.لكن رد فعل الملك محمد السادس أو بالأحرى المؤسسة الملكية في المغرب كان سريعا وذكيا كما يعتبرة العديد من الخبراء في العالم العربي. فعوض توجيه المدفعيات والبنادق إلى أوجه المتظاهرين قامت المؤسسة الملكية بالموافقة على تعديل الدستور من خلال إصلاحات تتجاوب نسبيا مع مطالب الشارع المغربي.هذا ما يؤكده محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الدارالبيضاء. "عوض الرد بالعنف على المظاهرات مثل ما أقدم عليه بن علي في تونس أومبارك في مصر، أو الحرب المفتوحة التي أعلنها القدافي ضد شعبه أوما يجري الآن في سوريا، كانت المؤسسة الملكية في المغرب أكثر استجابة وتجاوبا مع مطالب الشعب". رسالة ملكية توحي بالتغيير في مطلع شهر يوليو/تموز الماضي صوت المغاربة بأكثر من 98% لصالح الإصلاحات الدستورية الملكية التي تحد نسبيا من سلطة الملك. لكن الجدير بالذكر في هذا الصدد هو أنه لم يتم استدعاء مراقبين دوليين لمتابعة الاستفتاء واللجنة المشرفة على الدستور تم تعيينها من طرف الملك. من أهم بنود هذه الإصلاحات هو إعطاء صلاحيات أكبر للوزير الأول والبرلمان وتكريس استقلالية القضاء في الدستور و تعزيز دور الأحزاب، حيث أن الحزب الذي يحصل على أكثر عدد من الأصوات يكلف بتشكيل الحكومة. ليس الملك من يعين الحكومة بل الوزير الأول هو من له حسب التعديلات الدستورية الجديدة حق تعيين الحكومة و إقالتها.ومن بين أهم الإصلاحات أيضا الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية. لكن هناك من يقول أن سلسلة الإصلاحات بدأت في المغرب منذ تسعيننات القرن الماضي. هذا ما يؤكده أيضا محمد ضريف حيث يرى أن الملك مند توليه العرش سنة 1999كان يتحدث دائما عن إنشاء دولة الحق والقانون وتكريس المسار الديمقراطي وتعزير حقوق الشعب. حيث عمد الملك محمد السادس مند توليه السلطة على اتخاد العديد من التدابير السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أجل النهوض بالمغرب. من بين أهم هذه التدابير إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة من أجل رد الاعتبار للمعتقليين السياسين خلال فترة ما يسمى بسنوات الرصاص، وكذلك السماح للعديد من المنفيين في عهد الحسن الثاني بالرجوع إلى التراب المغربي.أما في المجال الاجتماعي فتم تعديل مدونة الأسرة وإعطاء المرأة في المغرب حقوقا أكبر، كما تم إطلاق العديد من المشاريع في إطار ما يسمى بالتنمية البشرية للنهوض بالقرى والمناطق المهمشة في المغرب. كما استطاعت المؤسسة الملكية من خلال إدماج اللهجات الأمازيغية في الميدان الإعلامي وكذلك في المدارس الحكومية تجنب توترات عرقية مثل ماهو الحال عليه في الجزائر. كما يضيف محمد ضريف أن:" المغرب كان دائما يتمتع بهامش من الديمقراطية وحرية التعبير، المجتمع المدني كان دائما حاضرا، حيث كانت هناك دائما أحزاب سياسية تتنافس وتتحالف مع بعضها البعض رغم الانتقادات الموجهة للأحزاب. كما كانت هناك أيضا منظمات حقوقية معترف بها دوليا، والتي كانت أيضا تتمتع بحرية انتقاد السلطة." لكن انتقاد الملك أوبالأحرى الأسرة الملكية وكذلك قضية النزاع حول الصحراء كانت ولازالت من التابوهات و القضايا المقدسة في المغرب. في المجال الاقتصادي حقق الملك العديد من النجاحات، فمند توليه العرش قبل أكثر من عشر سنوات عرف الاقتصاد المغربي نموا ملحوظا بمعدل ما يفوق أكثر من 4% سنويا،حيث جعل الملك من المغرب ورش بناء كبيرة ومفتوحة لاستثمارات كبرى في مجالات البنية التحتية،حيث تم تمديد شبكة الطرق السيارة و تطوير وتحديث الموانئ والمطارات وكذلك السكك الحديدية.كما يسعى المغرب كأول دولة إفريقية وعربية إلى غاية 2015 جلب قطارات ذات سرعة فائقة.هكذا حاولت المؤسسة الملكية رسم معالم التغيير والتجديد في البلد.لكن كل هذه المشاريع لاتخلو من الانتقادات حيث أن شرائح كبيرة من المجتمع لم تستفد من هذا النمو والازدهار. إصلاحات غير كافية مايعتبره العديد من المغاربة إصلاحات تاريخية ، هو بالنسبة لمغاربة آخرين مجرد مناورة للسلطة والتفاف حول المطالب الحقيقية للشعب. بالنسبة لوداد ملحاف العضوة المنسقة في حركة 20 فبراير بالرباط فإن السلطة لم تلبي مطالب وتطلعات الشعب. حركة 20 فبراير نسبة إلى اليوم الأول لاندلاع المظاهرات في المغرب تتكون من أعضاء لهم خلفيات إيديولوجية وسياسية مختلفة، تضم فصائل وتيارات من اليسار المتطرف حتى فصائل إسلامية من أعضاء جماعة العدل والإحسان، أكبر التنظيمات الإسلامية في المغرب. حركة 20 فبراير لازالت مواظبة على التظاهر كل يوم أحد ولم تخفص سقف مطالبها. وبعد مقاطعتها للتصويت على الإصلاحات الدستورية قبل أربعة أشهر تنادي حركة 20 فبراير بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها قبل الأوان في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من هذه السنة. بالنسبة لوداد هناك العديد من الأسباب التي تدفع الحركة لمقاطعة الانتخابات." الإصلاحات الدستورية تمت بشكل غير ديمقراطي، لم يتم حل الحكومة والبرلمان والانتخابات لازالت تشرف عليها وزارة الداخلية المعروفة بتاريخها الأسود". حركة 20 فبراير تسعى من خلال الضغط على السلطة تحقيق تغييرات جذرية كما تطالب بالقضاء على الرشوة والمحسوبية والسماح للشعب بالمشاركة في القرار السياسي.كل هذا بالنسبة لوداد ملحاف لايتأتى إلا "من خلال ملكية برلمانية حقيقية يسود فيها الملك ولايحكم". فتيل التوترات لازال مشتعلا رغم الإصلاحات الدستورية لازال الملك يتمتع بسلطات عديدة ومهمة حيث احتفظ بمنصبه كرئيس لأركان الحرب وإمارة المؤمنين وهكذا تبقى له الكلمة الأخيرة في الشؤون الدينية والقضائية وباستطاعته أيضا حل البرلمان في أي وقت. بالرغم من كل هذه الصلاحيات والامتيازات فليس هناك في المغرب فئة عريضة تطالب بإسقاط النظام، فالمتظاهرون ومن بينهم أيضا حركة 20 فبراير يطالبون بالأحرى بإسقاط الفساد.لكن بالنسبة لوداد فإن التوترات لازالت قائمة وغضب الشارع لازال كبيرا، فالمغرب بالنسبة لها ليس استثناءا في العالم العربي كما يزعم البعض، "هذه نظرية خاطئة ومتجاوزة،فالمظاهرات في المغرب تم مواجهتها بشكل عنيف أيضا ونظام المخزن لايكف عن تعنيف ومضايقة المتظاهرين". محمد ضريف يرى أيضا أن التوترات لازالت قائمة، كما أنه يخشى أن نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة يمكن لها أن تشعل فتيل التوترات مرة أخرى" إذا ما تمت هناك تجاوزات أو تزوير في الانتخابات، مما قد يؤدي إلى غضب الشارع وإحباط للمواطنين"، ما قد يؤدي أيضا إلى فقدان الثقة للأبد.محمد ضريف لايتنبأ بحدوث تغيير كبير في الصورة السياسية في المغرب "لأنه لم يحدث هناك تغيير كبير على الساحة الحزبية، ليست هناك أحزاب جديدة ذات مصداقية كبيرة يمكن لها التجاوب بكل موضوعية مع مطالب وتطلعات المتظاهرين". وسائل إعلام جديدة من أجل تحقيق الديمقراطية المنشودة لكن الشباب المغربي يحاول بطرق كثيرة الضغظ على النظام لتحقيق مكاسب أكبر تدفع بالبلاد إلى التقدم والازدهار وتحقيق العدالة الاجتماعية. طارق نشناش مهندس في ميدان البرامج المعلوماتية يرى أن احتمال وقوع توترات بعد الانتخابات هو أحد السيناريوهات المحتملة التي يجب التعامل معها بشكل جدي. هذا ما دفع طارق بتعاون مع منظمة حقوق الإنسان المغربية إلى تصميم موقع على الإنترنيت من أجل مراقبة ومتابعة الانتخابات البرلمانية في المغرب. " موقع www.marsad.ma يعطي للمواطنين الفرصة لمتابعة الانتخابات عن كثب والكشف عن حالات التزوير والخروقات التي يمكن أن تعرفها الانتخابات، وذلك عن طريق وسائل الإعلام الجديدة مثل الرسالات القصيرة عبر الهاتف أو عن طريق الشبكات الاجتماعية مثل فايسبوك والتويتر. هكذا يريد طارق المساهمة في توفير انتخابات تسودها النزاهة والشفافية.فعلاوة على تخويف أصحاب النوايا السيئة والمتلاعبين بأصوات الناخبين يريد طارق أيضا من خلال هذا الموقع تشجيع المواطنين وخاصة الشباب منهم على المشاركة الفعالة في العمل السياسي. وهذه ليست هي المرة الأولى التي يقوم فيها طارق بإطلاق موقع إلكتروني للمساهمة في عجلة التغيير وتحقيق الشفافية. فمن خلال موقع www.reform.ma سبق له أن تابع عملية التصويت أو الاستفتاء حول الإصلاحات الدستورية، حيث ساعد الموقع على إعطاء المواطنين الفرصة لفهم وإبداء رأيهم حول مختلف بنود وفقرات الدستور المغربي. وقد لقي هذا الموقع اهتماما ونجاحا كبيرا. أمين بنضريف