تابعنا جميعا هذه الأيام كيف كان مبارك يُخرج كل مرة من كيسه السحري سحرا جديدا، وهو الكيس الذي وفر له طيلة سنوات حكمه المديدة أشكالا مختلفة من السحر الذي أذهب به أبصار وعقول الناس المكبلة بالخوف والفقر.. أول سحر أخرجه مبارك بُعيد الثورة التونسية، كان هو سحر "التكذيب"، وجاء على لسان رئيس برلمانه فتحي سرور، حين سئل عن إمكانية تكرار الثورة التونسية في مصر، فأجاب مستنكرا: "هذا كلام فارغ". لكن قليلا من "الفاسوخ الفايسبوكي" الذي خرج يوم 25 يناير إلى الشارع كان كافيا ليبطل "التكذيب"، لكن مبارك لم يهتم ولم يفهم أن الأجواء غير الأجواء التي ألِفها ..فدخل المسكين في لعبة كسر العظام مع شعبه الذي أراد الحياة، فَعرّضَ عن غير قصد كل أوراقه لنار الغضب، غضب شعب أرادَ.. أهان الرئيس نفسه حين جعلها عرضة لشتم الغاضبين من النساء والرجال وشعارات الأطفال الساخرين من غباءه أمام أعين العالم. لكن أغرب ما صدمني هو أسطورته التي سحر به أعين الناس لعقود، وِهي أسطورة الإرهاب، والخلايا الإرهابية والقاعدة والمتفجرات والانتحاريين، شريط طويل من الأوهام والخيالات نجح الرجل في زرعها داخل أذهاننا، ومدها بكل المغذيات المرئية والمسموعة لكي تنمو ويشتد عودها. وبالتالي لايستطيع أحد مقاومتها. واستطاع مبارك أيضا أن يجعل من أسطورة الإرهاب منتوجا يبيعه في أوربا وأمريكا وإسرائيل، ليملأ جيوبه وجيوب المحيطين به من مصاصي ثروات البلاد، ملايير الدولارات التي تذهب إلى حساباتهم السويسرية آمنة مطمئنة.. لكننا نكتشف الآن أن أسطورتي الإرهاب وخلايا الإرهابيين ليستا سوى سحرا أبطله "فاسوخ الفايسبوك"، كما أبطل طلاسم كثيرة حكم بها مبارك الشعب المصري المقهور لسنوات طويلة، مثل: القوة والاستقرار والديمقراطية والحرية .. والآن يحق للجميع أن يتساءل: أين هم هؤلاء الإرهابيون الذين شغلنا بهم النظام المصري لسنوات؟ أين هي الخلايا والأسلحة والمتفجرات والقنابل..؟ أين هو الإرهابي الذي صوره لنا عادل الإمام في فيلمه المشهور "الإرهاب والكباب" ؟ أين هي تلك الجماعات التي قالوا عنها أنها تختبئ في الجحور المظلمة، وتخرج بين الفينة والأخرى لتصطاد الأبرياء ؟ بربكم أليس الوضع في مصر الآن مثاليا جدا لكي تنفذ هذه الخلايا عملياتها ضد أعداءها من شرطة وسياح وأقباط وأمريكيين، خاصة أن مصر الآن لاتزال تحضن داخلها عشرات الآلاف من الأمريكيين فقط ، كما أن الكثير من الدبلوماسيين الغربيين لازالوا يقيمون في القاهرة.. أليس الفراغ الأمني والفوضى الحاصلة الآن مجالا خصبا للتفجير والانتحار والانتقام والقتل، أم أن الإرهابيين يشترطون ظروفا مريحة للعمل وتنفيذ المهمات الصعبة !؟ هذه هي الصورة وهذه عقولنا، أجيبونا رحمكم الله !!! الإرهاب الوحيد الذي أرعبني وروع أسرتي هو ما رأيته يوم الأربعاء وسط العاصمة المصرية، وتابعه الناس جميعا من كل أطراف الدنيا، إرهاب خلايا مبارك السرية العلنية الذي نفذته بواسطة الجمال والبغال والحمير في واضحة النهار، وللتذكير هو إرهاب أصولي على "حقو وطريقو"، حاول مبارك أن يكون فيه منسجما مع ذاته وقناعاته التي طال ما كررها على مسامع العالم، حين كان يحذر من الإرهاب الأصولي، ويعتبره خطرا على الجميع، فجاء ليعرضه أمام الناس علانية بلا خوف أو وجل، إرهابيون على جمال وبغال يقتحمون جموع المتظاهرين المسالمين..إرهاب بالأصول، وبدرجتنا "إرهاب بَلْدي". لقد أبطل "فاسوخ الفايسبوك" سحر مبارك فظهر المستبد عاريا أمام الناس، وظل طيلة يوم الخميس، يوم الغرق، يلَوِّحُ أمام الشعب بسحر "الهذيان والاستجداء" لعلهم يرحموه، لن يرحموه لأنهم لم يصدقوه، علمهم طيلة 32 عاما الماضية أن لايصدقوه، فكيف يصدقوه في ساعات، هيهات هيهات.. *صحفي مغربي في جريدة "العرب" القطرية