مع تسارع وتيرة وصول اللاجئين والتأثر الكبير إزاء مصيرهم، لا سيما منذ انتشار صور صادمة لجثة الطفل السوري الملقاة على شاطئ تركي، تستعد أوروبا لإعادة حساباتها في مهمة حساسة تكمن في تحديد حد أقصى ثابت لتوزيع اللاجئين. فبعد أن طلبت المفوضية الأوروبية استقبال 40 ألف لاجئ، ها هي ذي تقترح، مجددا، على الدول الأعضاء استقبال 120 لاجئا آخر ممن يتواجدون في إيطاليا واليونان والمجر، كإجراء طارئ فرضه هول الأرقام غير المسبوقة للمهاجرين غير الشرعيين وغالبيتهم من السوريين الفارين من ويلات الحرب التي مزقت أشلاء بلادهم. وقد كشفت جل وسائل الإعلام الأوروبية عن حالة الطوارئ التي أعلنتها دول الاتحاد الأوروبي بعد وصول أكثر من 100 ألف لاجئ في الأيام الماضية، مشيرة إلى أن الزيادة الضخمة لعدد اللاجئين تسببت في فوضى عارمة لدى مكتب رعاية شؤون الأجانب المعني باستقبال ملفات اللاجئين، لا سيما في ضوء زيادة أعداد طالبي اللجوء خلال الأيام الماضية إلى ما يربو عن الألف فرد. وأمام هذا المعطى حذر رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك من أن "تدفق" اللاجئين إلى أوروبا سيكون طويل الأمد، إذ صرح، في كلمة في معهد بروغل للأبحاث في بروكسل، أن "موجة النزوح ليست حادثا منفردا، بل بداية حركة هجرة حقيقية، ما يعني أننا ملزمون بالتعامل مع هذه المشكلة طوال سنوات في المستقبل". وهو نفس الناقوس الذي دقه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الذي حث الاتحاد الأوروبي على القيام بأعمال "جريئة وحازمة" لمواجهة أسوأ أزمة هجرة في أوروبا منذ 1945، وذلك في خطاب ألقاه، يوم الأربعاء، أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ. وأوضح يونكر أن "الأرقام كبيرة"، مذكرا بأن حوالي 500 ألف لاجئ وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي منذ مطلع السنة "لكن الوقت ليس مناسبا للهلع" وإنما "يجب القيام بأعمال جريئة وحازمة للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ومؤسساته". واقترح يونكر توزيع حصص لاستقبال المهاجرين واللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي بحيث تكون لألمانياوفرنسا حصة الأسد منهم خلال السنتين المقبلتين. وحسب ما كشف مصدر أوروبي، فإن المفوضية ستقترح على ألمانياوفرنسا استقبال ثلاثين ألف لاجئ و24 ألف لاجئ على التوالي، للتخفيف عن الدول الثلاث التي تواجه في الصف الأول تسارع تدفق المهاجرين، وهي إيطاليا واليونان والمجر. وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي أبدت بلاده رفضها لأي فكرة "حصص" دائمة، أن فرنسا ستستقبل 24 ألف لاجئ في السنتين المقبلتين، إذ صرح، خلال مؤتمر صحافي، أن "الأزمة" التي نجمت عن تدفق اللاجئين إلى أبواب الاتحاد الأوروبي "يمكن السيطرة عليها". ويقضي الاقتراح الجديد بأن تستقبل ألمانيا 26,2 في المائة من هؤلاء اللاجئين، وفرنسا 20 في المائة، وإسبانيا 12,4 في المائة، أي 14 ألف و931 مهاجرا، وهي النسب الأعلى في توزيع هؤلاء المهاجرين. ومن جانبها، أعلنت ألمانيا، أنها ستخصص ستة مليارات أورو لمواجهة التدفق القياسي للاجئين. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "إن ما نعيشه هو أمر سيشغلنا في السنوات القادمة وسيغير بلادنا، ونريد أن يكون هذا التغيير إيجابيا، ونعتقد أن بوسعنا تحقيق ذلك". وفي هذا الصدد، كشفت عن برنامج يتضمن دفعتين من ثلاثة مليارات أورو كل منها عام 2016 لتحسين التكفل بالمهاجرين واستيعابهم، بينما اقترح هولاند، من جهته، عقد مؤتمر دولي في باريس حول أزمة المهاجرين التي تهز أوروبا، خصوصا أن دولا عدة ترفض فكرة حصص استقبال اللاجئين. وكرد فعل على هذا الرفض تسعى المفوضية إلى مطالبة الدول الممتنعة عن استقبال اللاجئين على أراضيها بتسديد تعويضات مالية. وأشارت إحصائيات حددتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم نهاية شهر يوليوز الفارط إلى وجود 98 ألف مهاجر في إيطاليا و124 ألف في اليونان، وهما أكثر البلدان الأوروبية استقبالا للمهاجرين، ويشكل السوريون أغلبية المهاجرين إذ وصلت نسبتهم إلى 34 في المائة، يليهم الإرتيريون (12 في المائة)، والأفغان (11 في المائة)، والنيجيريون (5 في المائة)، والصوماليون (4 في المائة). وبحسب المصدر ذاته فإن بداية العام الحالي، أيضا، شهدت غرق أو فقدان 2100 لاجئ في البحر المتوسط. *و.م.ع