لم يتوان المغرب، على مدى السنوات العشر الأخيرة تحديدا، عن تكثيف الجهود لكسب رهان محو الأمية، من خلال وضع برنامج استشرافي طموح ينبني على ما تم تحقيقه من منجزات مشرفة، وإن كانت لا تخلو من تعثرات في مسار طويل وشاق ومكلف. ومن المؤكد أن إحداث الوكالة الوطنية لمحو الأمية، منذ عامين، يمثل أبلغ تجسيد لانتصار المغرب للقضايا المرتبطة بمحاربة الأمية، باعتبار التعلم حقا من حقوق الإنسان ورافعة أساسية لتعزيز كرامته ودعامة مركزية لبناء مجتمع متماسك ومتضامن قوامه تحقيق التنمية المستدامة. إن هذه الهيئة، التي باتت تحمل على عاتقها مشروع تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الأمية من خلال خارطة الطريق 2014-2020، غدت على حداثة سنها مطالبة بتنسيق الجهود المبذولة الرامية إلى تقليص نسبة الأمية إلى 20 في المائة في أفق 2016، تماشيا مع الأهداف الإنمائية للألفية. وبهذا الخصوص، أكد رئيس قسم التعاون الدولي وتنمية الشراكة بالوكالة، السيد عبد الله خالوب، أن المغرب حافظ، على الدوام، على حضوره الوازن في التظاهرات والمنتديات واللقاءات الدولية ذات الصلة بقضايا التعليم ومحاربة الأمية. وأضاف قائلا، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الأمية (8 شتنبر)، الذي يخلده العالم هذا العام تحت شعار "محو الأمية والمجتمعات المستدامة"، أن ما يؤكد هذا الحضور المتميز للمغرب هو منح منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ميزة الشرف لجائزة "كونفوشيوس" برسم سنة 2012 لمديرية محاربة الأمية التابعة لوزارة التربية الوطنية، اعترافا بما تم إنجازه على مستوى برامج محو الأمية وما بعد محو الأمية. وأبرز أن المغرب مشهود له بالتزامه ببرامج اليونسكو، وبانخراطه الفاعل والفعال في تتبع وتطبيق المقررات الأممية المرتبطة بمحو الأمية، وهو ما يفسر مساندة الاتحاد الأوروبي للاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية من خلال دعمه لمشروع خارطة الطريق 2014 - 2020. ولأن للتجربة الوطنية وزنها الخاص، يستطرد ذات المسؤول، فقد وجهت للمغرب هذه السنة الدعوة للمشاركة في اللقاء الدولي بفرنسا، يومي ثامن وتاسع شتنبر الجاري، للتطرق ضمن المحور الخامس لهذا اللقاء إلى الجوانب المتعلق بتمويل برامج محو الأمية، ولاسيما تلك المرتبطة بالتعلم مدى الحياة. وفي هذا السياق، شدد على أن نجاح برامج ما بعد محو الأمية والتعلم مدى الحياة يستدعي التكوين والتكوين المستمر والتأهيل، ومن ثمة ضرورة إيجاد مصادر تمويل مستدامة، مضيفا أن من أهم أسباب تعثر برنامج الوكالة الوطنية لمحو الأمية، منذ إحداثها في 5 نونبر 2013 (تاريخ انعقاد مجلسها الإداري)، هو "ضعف التمويل وارتباك الملف الذي تقاذفته قطاعات متعددة جعل سنة 2013 - 2014 تكاد تكون سنة بيضاء"، في غياب نتائج نوعية. ولهذا الاعتبار تحديدا، لم يفته التأكيد على أهمية انخراط كافة المعنيين، من قطاعات عمومية وفاعلين خواص وأكاديميين وهيئات المجتمع المدني، في مشروع محو الأمية، الذي يبقى، بالأساس، مشروعا مجتمعيا تضطلع فيه الوكالة الوطنية بدور التنسيق والتتبع، انسجاما مع مهامها التي تجعل منها "مرصدا وطنيا لمحو الأمية". وأوضح أن أهم ما اعتمدته استراتيجية الوكالة هو إحداثها للجنة عمل تعنى بالبحث في أسباب بطء الوتيرة التي يسير بها تطبيق برنامج محو الأمية، مؤكدا ضرورة إعطاء الوكالة مكانتها اللائقة ومدها بما يلزم من إمكانيات مادية وبشرية حتى يكون دورها أكثر فعالية. وبعد أن ذكر السيد خالوب بأن عدد المستفيدين من برامج محو الأمية يتراوح سنويا ما بين 600 ألف و750 ألف مستفيد (80 في المائة منهم إناث)، أشار إلى أن بلوغ رهان محو الأمية في سنة 2024 يبقى رهينا باستفادة مليوني شخص سنويا، وهو ما يتطلب توفير ألف درهم سنويا للشخص الواحد، أي 2 مليار درهم على مدى 10 سنوات، "ما يستدعي إشراك كافة الفاعلين والمتدخلين، لاسيما القطاع الخاص". واستطرد أنه لابد من تعزيز قدرات المتحررين والمتحررات من الأمية بغية تمكينهم من الإدماج الاقتصادي والاجتماعي حتى لا يرتدوا إلى الأمية، وذلك من خلال ربط عمليات محو الأمية بالمشاريع المدرة للدخل ومحاربة الفقر، عبر تكثيف التنسيق مع الجهات المعنية بالبرامج التنموية وكذا البحث عن موارد لتمويل البرامج وتطوير التعاون الدولي الثنائي ومتعدد الأطراف. واعتبر أنه بات لزاما، في الوضع الراهن، إدماج برامج جديدة خاصة بمحو الأمية تعتمد التكنولوجيا الحديثة خاصة تلك الموجهة لفئة الشباب، ملحا على أهمية "بلورة شراكات جديدة مع مختلف الجمعيات الوسيطة لأنها أثبتت فاعليتها في هذا المجال". ويفيد تقرير للوكالة الوطنية لمحو الأمية، خصص لحصيلة برامج محاربة الأمية للموسم القرائي 2014 - 2015، بأن عدد الجمعيات الشريكة للوكالة عرف تطورا ملحوظا خلال موسم 2014 - 2015، إذ انتقل العدد من 940 شراكة سنة 2010 - 2011 إلى 1436 في 2014 - 2015، فيما انتقل عدد المستفيدين بموجب هذه الشراكات من 339 ألف و564 إلى 379 ألف و934. وتكشف الحصيلة الكمية، إلى غاية ثالث غشت الماضي، أن الموسم الدراسي الحالي عرف تسجيل 672 ألف و591 مستفيد من برامج محو الأمية، فيما تفيد مؤشرات التتبع والتقييم بأن نسبة المردودية ناهزت خلال الموسم القرائي الحالي 64.19 في المائة، بينما بلغت نسبة التسرب 27 في المائة، في حين بلغت نسبة النجاح 88 في المائة. وتبرز ذات المعطيات أن البرنامج يعرف هيمنة واضحة للعنصر النسوي من حيث عدد التسجيلات، بحيث تشكل النساء 89 في المائة من مجموع المستفيدين، أي ما يعادل 598 ألف و757 مستفيدة، من ضمنهن 299 ألف و580 مسجلة بالعالم القروي. جدير بالذكر أن اليونسكو، التي أقرت، منذ نونبر 1966، الثامن من شتنبر يوما عالميا لمحو الأمية، سجلت هذه السنة إحراز "تقدم في مجال محو الأمية في كل أنحاء العالم منذ عام 2000، ولكن ما تزال هناك تحديات شديدة التعقيد"، مضيفة أن "اليوم، ما يزال نحو 757 مليون من الكبار، ثلثاهم من النساء، يفتقرون إلى مهارات القراءة الأساسية". * و.م.ع