هل فعلا توقع تغيير الخارطة الانتخابية بعد انتخابات 2011 وحلول انتخابات 2015 كان توقعا معقولا؟ مقاربة جوابية تقتضي رصدا تحليليا لأهم معطيات الوضع الانتخابي والسياسي الراهن، والتي نجملها في التالي: فقدان المخزن الحاكم للثقة بأن ثمة هدوء انتفاضي شعبي قد استقر، وبالتالي فالاحتمال بانتفاضة الشارع وارد، والعمل على استمرار تهدئة مؤقتة إلى أجل معلوم مطلوب لديه؛ نخبة سياسية مشاركة غير مؤهلة مصداقيا وتاريخيا لخدمة المخزن ولتهدئة الشارع عدا الحزب المترأس للتدبير الحكومي الحالي؛ أن دستور 2011 أقر إجمالا ببعض صلاحيات رئيس الحكومة وفق تراتبية مضبوطة في التقرير في السياسة العامة للدولة وفي قراراتها الكبرى لصالح رئيس الدولة الملك، وتفصيلا بقوانين تنظيمية تقطع الشك باليقين من حيث ترجيح التأويل السلطوي لبعض الفصول الدستورية، وبالتالي فالمؤهل إلى القيام بدور رئيس الحكومة مرجح لهذا التأويل من حيث مشاريع القوانين المقترحة ومن حيث سلوكه السياسي واستعداده المتفاني لخدمة القصر، ولو على حساب تنازله على العديد من اختصاصاته، هو الحزب الذي يترأس التدبير الحكومي الراهن؛ انتخابات 04 شتنبر هي تكملة لهذا البناء الدستوري الذي ظاهره إجمالا هو صلاحيات واسعة للمؤسسات المنتخبة، لكن في التفصيل القانوني (القوانين التنظيمية) استمرار لتحكم المخزن الحاكم، ولترجيح الإرادة الملكية على الإرادة الشعبية في الصلاحيات الجوهرية لهذه المؤسسات؛ من هو إذن مؤهل للقيام بهذا الدور مع ضبطه بآليات تحالفية وقانونية؟ هو حزب رئيس التدبير الحكومي لأن أوراق الأحزاب الأخرى كلها محروقة مصداقيا أو في علاقتها غير الوثيقة مع المخزن الحاكم؛ وبالتالي لا نستغرب في كون هذا الحزب الذي تأهل لهذه المهمة وأعطى كل الضمانات لذلك بخطاباته وبسلوكه الحكومي المرضي بالنسبة للسلطات الحاكمة، لانستغرب منه أن ينقلب رأإسا على عقب فيما يخص مطلب إحداث لجنة إشراف مستقلة على الانتخابات وأن يدافع بشراسة على ان تتولى وزارة الداخلية عملية الإشراف الانتخابي، فهذه من تلك. إذن ما وقع كان متوقعا بالنظر إلى معطيات هذا الرصد التحليلي. بخلاصة الأمر لا يعدو أن يكون وفق خطاطة مقايضة ضمنية ملخصة في التالي: كلما قدمت لي ضمانات الثقة والولاء لي باعتباري سلطة حاكمة فعلية، كلما منحتك امتيازات انتخابية (منع الفيتو للترشح في جل الدوائر الانتخابية)، والتي أعرف من خلالها أن مصداقيتك وخلو ملفك التدبيري الجهوي والمحلي من فظاعات الفساد ستبوئك المراتب الأولى انتخابيا؛ وهاأنت قدمت لي ضمانات عملية من خلال سياساتك الحكومية التي تناغمت مع سياساتي العامة في البلاد، ومع علاقاتي الخارجية، ومع عدم المساس بصلاحياتي الدستورية المجملة والمفصلة بالقوانين التنظيمية، وهاأنا أفتح لك بابا واسعا للاكتساح الانتخابي، وللرفع من مصداقيتها بعدما قمت بالحث على المشاركة الانتخابية ومواجهة المقاطعين بلغة هجومية يستحقونها؛ إن الرهان عند المخزن الحاكم بالمغرب كان رهانا مزدوجا ولازال، 1-كيف يضمن استمراره بدون أن يكون لاستمراره كلفة توقد الغضب الشعبي؟ 2-ومن هو المؤهل "شعبيا" للقيام بهذا الدور نيابة عنه في هذه المؤسسات المنتخبة؟ وكما كسب الرهان في الانتخابات التشريعية التي أفرزت حزبا طيعا يقود الحكومة دون أن يحدث مشاكل مع النظام الحاكم، هاهو يكمل مشوار بناءه الدستوري المؤسساتي الخادم لحكمه في انتخابات 04 شتنبر التي ستفرز مؤسسات منتخبة لن تتنازع أغلبيتها مع والي الجهة أو عامل الإقليم في صلاحيتهما وفي فيتوهما على الميزانية وجل المقررات.