مرت عقود وعقود على شعوبنا العربية وهي في سبات شتوي بارد تجمدت فيه العروق والأوصال عن النبض والخفقان حتى خيل لكثير من الغيورين أنه ليس بعد هذا السبات من حياة، ثم ما لبثت الطبيعة الحية تنفض عنها غبار السنين وتشق براعم الكرامة صلابة الأرض لمعانقة ضوء الحرية في ربيع الشعوب المزهر بدماء الشهداء العطر في تونس ومصر. إنه ربيع الشعوب حقا، ربيع يحمل معه الدفء والأمل في قيمة الإنسان الذي تحول عندنا إلى وجود بلا معنى بفعل الطبيعة السيئة للاستبداد والاستبلاد الخانق للأنفاس. لقد أطل ربيع الشعوب بشعاعه ليولد فينا حرارة السؤال عمن يسرقون خبز الفقراء وأمنهم ويولد فينا إحساسا جديدا بالمسؤولية عن عبوديتنا واستخذائنا، هذا بعدما أطبق على الأمة ليل القهر الذي ساد فيه حفنة من النكرات والشواذ يعطون الحق لأنفسهم أن يَسألوا الناس وهم لا يُسألون. لقد أتى على شعوبنا حين من الدهر تحكم فيه الغلمان وأشباه الرجال ممن تأصل فيهم حب الرئاسة والسيادة على الناس بغير وجه حق فأذلوا الناس بالقوة والقهر والسلب والنهب حتى جعلوهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم كأنما خلقوا لأجل خدمتهم لا نصيب لهم من الدنيا إلا الحياة في دائرة الرقيق بدون كرامة ولا حرية. لقد حرصت الأنظمة العربية الهشة على أن تبقى لماعة بديمقراطية مقنعة مغشوشة خادعة تفرز على الدوام غلبة للرئيس ولحزب الرئيس بنسبة مائة بالمائة لا يصدقها إلا الفرعون وسحرته، فما لبثت أن اهتزت الصورة فتيتا عند أول صدمة لتظهر شعبية الأقزام وعورة الأزلام. أقزام وحكام سماسرة هم اليوم مصرون على أن يخلدوا أسماءهم في سماء التاريخ بإضرام النيران في شعوبهم على يد كلابهم المسعورة مثلما فعل هيروسترات اليوناني الخامل الذكر الذي فكر يوما في أن يخلد اسمه في التاريخ بإشعال النار في معبد ديانا، وقد كان له ذلك، ولكن اسمه خلد مع كراهية ومقت شديدين. لقد جاء ربيع الشعوب ليكشف وضاعة الحكام وتفاهتهم وانقطاعهم عن شعوبهم وغربتهم في بلدانهم، فهم أولى بالرحيل والمغادرة، لأنهم متجردون من كل اعتبار تجردهم من كل فضيلة أدبية وأخلاقية. http://makboul.over-blog.com