جاءَ التقسيم الجهويُّ الجديد، الذي قلّصَ عدَدَ جهاتِ المملكة من 16 إلى 12 جهة، ليَقْضمَ جُزءًا من جهة سوس ماسة درعة، وفْقَ التقسيم السابق، وهوَ درعة، وصارتِ الحدودُ الجغرافيّة للجهة مقتصرة على سوس- ماسة. وأُلْحقَ إقليمُ طاطا بجهة سوس-ماسة، فيما فقدتِ الجهة ورزازات، التي ألحقتْ بجهة درعة تافيلالت. وتضمُّ جهة سوس-ماسّة كُتْلة انتخابيّة مُهمّة، إذْ يصلُ عدد سُكانها إلى مليونيْن و 475 ألفَ نسمة. وتعتبر جهة سوس ماسة، التي تضمّ ستَّ عمالات، هي أكادير-إداوتنان؛ إنزكان أيت ملول؛ اشتوكة أيت بها؛ تارودانت، طاطا، تيزنيت، من الجهات التي تعرفُ تنافسا انتخابيَّا محمومًا، خصوصاً وأنّها تضمُّ عائلاتٍ معروفةً بثقلها في ميزان التنافس الانتخابي، سواء في الانتخابات التشريعية أو المحلّية، وتجْعلُ أفرادَها قادرينَ على كسْبِ الانتخابات، بغضّ النظرِ عن الهيئة الحزبيّة التي ترشّحوا باسمها. صراعُ "الحيتان الكبيرة" وتشهدُ الحملة الانتخابيّة للانتخابات الجماعية والجهوية بجهة سوس ماسة، صراعاً قويّا بيْنَ المرشحين التقليديّين، أو "الحيتان الكبيرة"، سواء المنتمين إلى الأغلبية الحكومية أو المعارضة. ويضعُ عددٌ من المرشّحين نُصْبَ أعينهم الظفرَ برئاسة جهة سوس ماسة، التي يرأسها حاليا إبراهيم حافيدي، المنتمي إلى حزب التجمّع الوطني للأحرار، خاصّة في ظلِّ المكانة البارزة التي تحتّلها الجهة بين جهات المملكة الاثنتيْ عشر. ويبْدُو أنَّ الحملة الانتخابيّة في سوس، على غرار باقي جهات المملكة، أصبحتْ تتخلّص من طابعها التقليدي، المبني أساسا على التواصل مع الناخبين المفترضين بشكل مباشر، داخلَ المُدن والمداشر، لتكتسيَ حُلّة "حداثيّة" إذْ لجأَ عدد من المرشحين إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية بحْثا عن أصوات الناخبين، خاصّة في صفوف الشباب، ولا يتوانوْنَ عن التواصل مع الناخبين والردّ على أسئلتهم. وبخصوص الانتخابات الجماعيّة، يبْقى أهمُّ مستجدٍّ على الساحة خلالَ الانتخابات الجماعية الأولى من نوعها بعد دستور 2011، هُوَ تخلُّصُ رئيسِ المجلس البلدي لمدينة أكادير الحالي، طارق القباج، من جُبّة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعْد استقالته من الحزب، والتحضير، رفقة قياديين آخرين في حزب الوردة حزبا جديدا، يحمل اسم "البديل الديمقراطي"، وهوَ ما جعل القباج يترشح بلائحة مستقلّة للحفاظ على مكانه على رأس بلدية أكادير، التي كانتْ طيلة سنواتٍ "قلعة اتحاديّة"، في انتظار نتائج الانتخابات المقبلة، والتي ستحْسمُ في ما إنْ كان حزب "الوردة" سيحافظ على قلعته أم سيفقدها. حملة انتخابية هادئة أربعةٌ منْ أكبرِ الأحزاب السياسية المغربيّة، اثنان من المعارضة وآخران من الأغلبيّة. ويُعتبرُ الاستقلالي عبد الصمد قيوح، الذي شغلَ منصبَ وزير الصناعة التقليدية في النسخة الأولى من حكومة عبد الإله بن كيران، وعبد اللطيف وهبي، النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، من أكبر مرشحي المعارضة على رئاسة جهة سوس ماسة. وفي الطرف الآخر، يُعتبرُ إبراهيم الحافيدي، وهوَ الرئيسُ الحالي لجهة سوس ماسة، وينتمي إلى حزب التجمّع الوطني للأحرار، المشارك في الحكومة، إلى جانبِ عبد الله أوباري، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية المتزعم للائتلاف الحكومي، منْ أبرز المرشحين، ضمنَ أحزابِ الأغلبيّة الحكومية، للتنافُس على منصبِ رئاسة جهة سوس ماسة. وعلى الرّغْم من أنَّ الحملات الانتخابية بجهة سوس ماسّة كانتْ تتّسمُ بالتنافس الحادّ، والصراع القويِّ بيْن الأحزاب السياسية الكبيرة، إلّا أنَّ المتتبّعين يروْن أنَّ الحملة الانتخابية الجاريّة تتّسمُ بنوع من "الهُدوء"، بعْدَ مُضيِّ أسبوع على انطلاقها، في انتظارِ دخُول الحملة مرحلة "السرعة النهائيّة" والتي قدْ ترفعُ من درجة حرارة التنافُس بيْن المرشحّين. ويعْزو الشرقي الخطري، وهوَ أستاذ باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس الرباط وأستاذ زائر بجامعة ابن زهر أكادير، سبَبَ "هدوء" الحملة الانتخابيّة إلى استعانة الأحزاب المتنافسة بوسائل جديدة للتواصل مع الناخبين، حيثُ عَمَد عدد من المرشحين إلى تصوير مقاطع فيديو، يشرحون فيها برامجهم الانتخابيّة، وبثّوها على شبكة الانترنت. توقعات لعلَّ السؤالَ الأبرزَ الذي يطرحُه المتتبّعون للشأن الانتخابي بجهة سوس ماسّة، بعْد التقسيم الجهوي الجديد، الذي "قَضَم" من الجهة ورزازات، التي التحقت بجهة درعة تافيلالت، وألْحقَ بها طاطا، هوَ ما إنْ كانتِ خريطة التحالفات الحزبيّة سيطالُها تغيير أمْ أنَّ الجهة ستحافظ على التحالُفات نفْسها التي دأبتْ على تسييرها خلال الولايات السابقة؟ وهلْ هُناكَ احتمالٌ بإمكانيّةِ نيْلٍ حزبٍ معيّنٍ الأغلبيّة بما يُخوّله تسيير الجهة لوحده؟ يقول الشرقي الخطري إنَّ جميع الأحزاب الكبيرة المتنافسة في جهة سوس ماسة لها تقريبا الحظوظ نفسُها ، وإنْ كانتْ تختلفُ من جهة إلى أخرى، غيْرَ أنّ الباحث في العلوم السياسية يُؤكّد على أهمّية مُعطى نتائج انتخابات الغرف المهنيّة الأخيرة، فعلى الرغم من أنَّ هناك من يقول إنّ لا علاقة لها بنتائج الانتخابات الجماعية والهوية، إلا أنَّ المتحدث يرى أنّها مؤشّر على التحالفات الممكن أن تفرزها الانتخابات الجماعية والجهويّة. ويسْتبعدُ أستاذ باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس الرباط، إمكانيّة حُصولِ أيّ حزبٍ من الأحزاب المتنافسة بجهة سوس ماسّة درعة على الأغلبيّة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى المرشحين الذين سيخوضون غمارَ الانتخابات بلوائح مستقلّة، وأبرزهم عُمدة مدينة أكادير الحالي طارق القباج، وهوَ ما يعني أنَّ النتيجة النهائية للانتخابات الجماعية والجهوية التي ستُجرى يوم الجمعة المقبل ستعرفُ تقارُباً بيْن جميع الأحزاب المتنافسة، أما التحالفات، فأحزاب الأغلبيّة الحكوميّة ستتحالفُ في ما بيْنها، حسبَ توقُّع الشرقي الخرطي. مُحدّدات تحْكُم انتخابات سوس في جهة سوس ماسة، ثمّة ثلاثة مُحدّداتٍ أساسية تحكُم العملية الانتخابية بالجهة، فإذا كانتْ أكاديرُ تُعتبرُ قلْعة اتحاديّة، يحظى فيها حزب الاتحاد الاشتراكي بحظوظ كبيرة للفوز، فقدْ برزت، في المقابل، أحزاب جديدة على مستوى سوس ماسة، "أبانت من خلال الحملات الانتخابية أنّ لديها قواعد مهمة، سواء بالنسبة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، أو العدالة والتنمية"، يقول المتحدث، بيْنما يُهيْمنُ حزب الاستقلال في إقليمتارودانت وكذلك مدينة طاطا، الوافدُ الجديد على جهة سوس ماسة. المُحدُّد الثاني الذي يحْكمُ الانتخابات بالجهة –يُردف الخطري- هو وُجودُ تحالفٍ "أبان عن علوّ كعبه" بين حزبيْ التقدم والاشتراكية وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتيزنيت، والتي يرأس مجلسها البلدي عبد اللطيف أوعمو عن حزب التقدم والاشتراكية، مكّن من تجانس العمل بيْن الأغلبية والمعارضة بالمدينة، وكانَ عنصرا أسياسيا ساهمَ في خدمة "مدنية الفضّة" بغض النظر عن برنامج الأغلبية أو المعارضة، من خلال إشراك جميع الفاعلين في اتخاذ القرار؛ "بالنسبة إلي، تيزنيت نموذج في الجهة على مستوى التدبير"، يُعلّق أستاذ باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس الرباط. أمّا العاملُ الثالث، الذي يرَى الخطري أنَّه سيكون من محدّدات الانتخابات الجهوية والجماعية المقبلة بجهة سوس، فهو النتائج التي أفرزتها انتخابات الغرف المهنية، ويَرى أنَّ هناك حظوظا قوية لحزب الأصالة والمعاصرة للفوز بأكبر عدد من المقاعد بإقليم اشتوكة أيت بها، الذي يرأسُ المجلس البلدي لحاضرتها، مدينة بيوكرى الحسين الفارسي، المنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، إضافة إلى حزب الاستقلال. وتوقّعَ أستاذ باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس الرباط، أنْ تسفر الانتخابات الجماعية المقبلة عنْ تغيُّرٍ على مستوى الأشخاص الذين ستولّون تسيير لتسيير المحلي، وحضور أشخاص جدد، وذلك بفضل الحضور القوي للقواعد الشبابية على مستوى اللوائح، وحضور مجموعة من شرائح المجتمع، خاصة الطبقة المتوسطة، كالمحامين، والأساتذة الجامعيين... وتتميّزُ الانتخابات الجماعية والجهوية المرتقب إجراؤها يوم 4 شتنبر المقبل بجهة سوس ماسة –يُردف الخطري- بحضور قويّ للعنصر النسوي، ووجودِ تجانُسٍ على مستوى عدد من اللوائح، إذْ عمَدت الأحزاب إلى ترشح أطرٍ شابّة، كمَا تتميّز بانخراط العديد من الطلبة على مستوى اللوائح، "وهذا في حد ذاته يؤكد أن مسألة العزوف السياسي غير حاضرة بقوة"، يقول الأستاذ الزائر بجامعة ابن زهر. هل سيفقدُ الاتحادُ قلْعته؟ يُولي حزبُ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أهمّية كبيرة لمدينة أكادير، ويضعُها نُضب عيْنيه مع كلّ استحقاق انتخابي، باعتبار أنّ حزب الوردة" "يعتبر مدينة الانبعاث "قلعة اتحاديّة"، وما يؤكّدُ ذلك هو أنّ الكاتب الأوّلَ للحزب إدريس لشكر أعْطى انطلاقة الحملة الانتخابية لحزبه من مدينة أكادير، غيْرَ أنَّ استقالة عُمدة مدينة أكادير الحالي، طارق القباج، من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيّة يطرحُ أكثر من سؤال حوْل ما إنْ كانَ رفاق لشكر سيُحافظون على "قلعتهم"، أمْ سيفقدونها. ويقول المتحدث ذاته إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيّة له قواعدُ متجذّرة في أكادير، والساكنة المحليّة مرتبطة بشيء اسمه "الوردة". ، ويُوضح أنّ الاتحاد الاشتراكي له أسلوب تنظيمي فريد في أكادير، إلّا أنّه أكّد أنّ ذلك لا يعني أنَّ الطريقَ ممهّدة أمامه للإبقاء على كرسيّ رئاسة مجلس مدينة أكادير بيده. استنتاجات لجهة سوس ماسّة مكانة بارزة على مستوى الاقتصاد الوطني، نظرا إلى ما تتوفر عليه من مؤهّلات على جميع المستويات، ويقول الأستاذ الباحث، إنَّ ذلك يُحتّم على الأحزاب السياسية التي ستفوز خلال الانتخابات سواء الجهوية أو الجماعية، أنْ تكونَ نموذجا على مستوى التدبير المحلّي، وأنْ تعمل على تطبيق التدبير التشاركي، بما يضمن النهوض بالجهة، وجعلها واجهة للإقلاع الاقتصادي على الصعيد الوطني. "تتوفر جهة سوس ماسة على كلّ المميزات التي تجعل قادرة على تنمية الاقتصاد الوطني، فهي جهة سياحية، وبحرية، وفلاحية، وصناعية"، يُفيد الخطري، مؤكّدا على أنّ النخب التي ستفرزها الانتخابات عليها أن" تتحمّل مسؤوليتها لخدمة ساكنة الجهة، انطلاقا ممّا جاء به دستور 2011"، وتابع: "هذا يقتضي تجاوز تلك الحساسيّة القائمة بين الأحزاب السياسية على مستوى التدبير، والمبنية على المحسوبية والزبونية".