كانت الإشارة الملكية واضحة، في الخطاب الذي وجهه أخيرا العاهل المغربي بمناسبة الذكرى 62 لثورة الملك والشعب، حيث كانت الدعوة موجهة للمغاربة بمن فيهم الشباب، للتصويت في الانتخابات الجماعية والجهوية القادمة، لاعتباره "أمانة ثقيلة"، في وقت سجل فيه محمد السادس ارتياحه من تزايد عدد الناخبين "الذين قاموا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، لأول مرة رغم أنهم كانوا لا يشاركون في الانتخابات". ورغم ذلك، تبقى التكهنات حاضرة ومتوجسة من حجم مشاركة الشباب المغربي، الذين ما يزال يعبر عن سخطه من أداء المجالس الجماعية الحالية والسابقة، ومن تراجع المنتخبين من السياسيين عن الوفاء بوعودهم الانتخابية، وهو التخوف الذي يتحول إلى إعلان مقاطعة التصويت في انتخابات توصف غالبا ب"المسرحية" و"المهزلة الانتخابية"، وفق تعبيرهم. هذا الواقع، لم يفت العاهل المغربي ضمن خطابه الأخير، وهو يعلق على الفئة التي سجلت أسماءها في اللوائح الانتخابية، بقوله "كانوا لا يشاركون في الانتخابات، بسبب عدم رضاهم على عمل المجالس المنتخبة"، مضيفا أيضا "لكنهم اليوم يريدون ممارسة حقهم وواجبهم الوطني. إلا أن أغلبهم يتساءلون، لمن يعطون أصواتهم، وفي من يضعون ثقتهم". ضعف إقبال المغاربة عموما والشباب خاصة، على التسجيل في اللوائح الانتخابية ضمن الآجال المحددة لذلك مطلع العام الجاري، دفع وزارة الداخلية إلى فتح آجال جديدة انتهت ليلة 19 غشت الجاري، حيث أشارت الأرقام الرسمية إلى تجاوز عدد المقيدين الجدد لرقم مليون و100 ألف شخص، فيما تشير الأرقام العامة إلى أن العدد الإجمالي للمسجلين المغاربة، بمن فيهم حوالي 12 مليون من المقيدين منذ آخر استحقاق انتخابي للعام 2011، وصلت لحدود 15 مليون شخص. وسبق التعبير عن هذا السياق ضمن استطلاع رأي قامت به جريدة هسبريس الالكترونية، حول "هل سيشارك المغاربة في الانتخابات الجماعية والجهوية القادمة"، حيث عبر قرابة نصف المشاركين في الاستطلاع، ممن بلغ عددهم قرابة 80 ألفا من الأفراد، عن رفضهم التصويت ضمن محطة الانتخابات الجماعية المنتظر تنظيمها، وفق برمجة وزارة الدّاخلية، فيما عبر 49% من المشاركين عن نيتهم الامتناع عن التوجه صوب مكاتب التصويت، أبدَى 41% نيتهم التصويت، فيما البقية أوردت أنّها لم تحسم بعد في المشاركة من عدمها. بودن: الأحزاب تمارس جناية سياسية في حق الشباب في قراءة للأرقام والمعطيات المقدمة حول مشاركة الشباب في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، يعتقد محمد بودن، رئيس المركز الدولي لتحليل المؤشرات العامة، أنه ثمة متطلبات يضعها الشباب للمشاركة السياسية في الانتخابات القادمة، من بينها "إعادة الاعتبار للعمل الحزبي، واضطلاع الحزب في المغرب بتوفير تكوين سياسي للشباب وتعزيز انخراطه في الحياة العامة، وتحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام". ويضيف بودن، في تصريح لهسبريس، أن كثيرا من الشباب يتمنى أن يتضمن سياق التنافس والتدافع بين الأحزاب "حكمة حزبية قائمة على مرتكزات من قبيل التداول على المسؤوليات وتدبير الاختلافات، وإنتاج خطاب سياسي ناجع، وتحويل البنيات الحزبية الموازية إلى قوة اقتراحية مؤثرة في صناعة القرار الحزبي"، مشددا على ارتكاب بعض الأحزاب لما وصفه "جنايات سياسية" بالمفهوم الأخلاقي، "لما تتغاضى عن طموح الشاب المناضل في الترشح، وتأتي بماكينات انتخابية تسطو على مكتسبات مسار نضالي لأجيال طموحة". ووضع المحلل السياسي تصنيفا شاملا في تعاطي الشباب مع السياسة والانتخابات، بقوله إن هناك "فئة غير مبالية بالأحزاب ومهتمة بالسياسة" وصنف "يفضل ترجمة اهتمامه بمعطيات الشأن العام من خلال العمل بجمعيات المجتمع المدني، أو مراكز الأبحاث بدرجة أقل"، وفئة "تسائل الأحزاب عبر الفواعل التكنولوجية" وأخرى "قليلة اختارت العمل من داخل التنظيمات الحزبية الموازية"، وفئة صامتة "قد تتأثر ببعض الأفكار الظلامية"، إلى جانب فئة أخرى "تنشط بشكل موسمي في فصائل طلابية بالجامعات". وعلاقة بالانتخابات، فيلاحظ بودن أن معظم الأحزاب تلجأ لشباب مقابل أجور يومية أو بعض المتطوعين، في الحملات الانتخابية، باستثناء حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وبدرجة أقل حزب الإستقلال، وفق تعبيره، "ما ينم عن عجز الأحزاب على تنظيم حملاتها الانتخابية اعتمادا على شبيباتها"، أما على مستوى المشاركة، فيلاحظ المتحدث عزوفا كبيرا للشباب خصوصا في المدن الكبرى والمتوسطة، "هنا تكمن مسؤولية الأحزاب التي تنتهج مقاربات تواصلية رمادية موسمية وغير جذابة.. بحيث أن معظم مقرات الأحزاب مغلقة، ومعظم المواقع الإلكترونية للأحزاب تقليدية و غير محينة". إلى ذلك، يخلص المحلل السياسي إلى أنه بين الأسباب المشوشة على الصورة العامة للانتخابات والأحزاب، يبقى "اهتزاز منسوب الديمقراطية داخل بعض الاحزاب، وعسر دوران النخبة وتشبيب الهياكل"، و"تكريس الصورة النمطية والكاريكاتورية التي تم تكوينها حول بعض الفاعلين الحزبيين"، إلى جانب "ضعف حصيلة وأداء بعض الاحزاب، وعدم اضطلاعها بالاختصاصات المسندة إليها"، مع "هيمنة آليات الوجاهة و الماكينات الانتخابية على المشهد الانتخابي"، يشير بودن.