ينتابنا الشعور بالغبن في كل مرّة نقرأ على صفحات الجرائد أن إدارة معينة قد اتخذت قرارها بتعيين أحد موظفيها بالجنوب الشرقي الممتدّ من فكيك إلى طاطا مرورا بدرعة-تافيلالت ردّا على خطأ جسيم يرتكبه أو تأديبا له على سلوكات قد لا ترضي رؤساءه، فقد أصبحنا ومن فرط التكرار نشعر أن منطقتنا سجن حقيقي ولو بدون أسوار، تأوي سجناء من نوع خاص لتسيير وتدبير شؤون مواطنين من نوع خاص أيضا. لا يهمّنا في هذا المقام إن كان الانتقال التأديبي اجراء غير قانوني مطبوعا بالشطط أم قرارا تشريعيا سليما تتخذ الادارة في حق الموظف الذي يرتكب خطأ جسيما، ما يهمنا نحن هو ربط هذه الاجراء الاداري بالجنوب الشرقي في الكثير من الادارات المغربية، فهو لم يعد الأمر مجرد إجراء إداري روتيني، بل اعتراف شبه صريح من الدولة المغربية في شخص أجهزتها أن الجنوب الشرقي ليس كمثله شيء في تهميشه وإقصاءه، وهي صورة جلية ومظهر من مظاهر التحقير التي تتعامل به الإدارة المغربية مع مناطق الجنوب الشرقي، ويسكت عنه منتخبونا وممثلونا في إطار من الانبطاح الذي لا يخرج عن دائرة اللامسؤولية وخيانة العهد. إن الادارة المغربية مدعوة إلى احترام مواطني الجنوب الشرقي في مشاعرهم وهي تصرح وعلانية أن من يأتون ليسيروا شؤونهم من ذوي التجاوزات والتأديبات، مدعوة إلى إعمال المواطنة كاعتبار وحيد في تعاملها مع الساكنة والمناطق، في المركز كما في الهامش، في الشمال كما في الجنوب. إن مثل هذه السلوكات تجعل مواطني الجنوب الشرقي يشعرون أنهم يعيشون في مناطق تأديبية جزاء لهم بما قاوموا المستعمر وأذاقوه الويلات. قد يتساءل المواطن في هذه الربوع، أليس له نصيب من الموظفين المتفانين في عملهم، الحريصين على احترام واجباتهم ويحفظ للمواطن حقه في إدارة مواطنة تنتصر للكرامة؟؟ كيف يا ترى ستكون نظرة الموظف الى مثل هذه المنطقة وهي التي يعتبرها سجنا يقضي فيه عقوبته؟؟ وكيف ستكون نفسيته كلما فتح عينيه على الساكنة التي تبقى في نظره حراس سجن مرعب؟؟ وكيف ننتظر من مثل هؤلاء أن ينصفوا الوطن قبل المواطن؟؟ وخصوصا، ماذا ذنب الجنوب الشرقي حتى يكون قبلة الشواذ من المسؤولين الذين ينتقمون لا محالة من السكان الأبرياء من خلال كل أشكال التجبر والتكبر والابتزاز؟؟ إنه الفهم القديم والتنزيل الجديد لفكرة المغرب غير النافع، وتكريس لتقسيم المغرب الى مغربين بسرعتين تنمويتين متباعدتين، ممّا يجعل المواطن في مغرب الهامش يغادر الى "الوطن" الذي يوفر له الكرامة عبر توفير الخدمات واحترام المواطنة. إنها في الأخير، دعوة ونداء إلى كل الادارات المغربية الى الكف عن معاقبتنا كمواطنين من الجنوب الشرقي على أخطاء لم نرتكبها، فمنطقتنا التي تعاني تبعات التهميش والإقصاء منذ فجر الاستقلال، في أمسّ الحاجة الى مسؤولين مجدّين يقومون بأكثر من واجبهم، يستطيعون تنميتها والرقي بها لتلحق بغيرها من الجهات في بنياتها التحتية وخدماتها العمومية.