أثارت ثورة الياسمين في تونس الخضراء ضد الظلم والطغيان الذي مارسه النظام الاستبدادي لزين العابدين بن علي الكثير من الجدل الإعلامي والسياسي في الوطن العربي، وتساءل الجميع عن توقيت انتقال شرارة الثورة إلى باقي الشعوب العربية والمغاربية، واعتبر المراقبون للوضع الإقليمي أن الدول المرشحة للإصابة بعدوى هذه الثورة هي الجزائر وليبيا ومصر، بحكم الفوارق الاجتماعية الكبيرة وسيطرة الحزب الوحيد وغياب الديمقراطية وهيمنة الجيش، في الوقت الذي بدا أن المغرب بعيد كل البعد عن هذا الجدل أو عن أي عملية للمقارنة بين ما جرى ويجري نظرا للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي طرأت على المملكة المغربية منذ تولي جلالة الملك محمد السادس مقاليد الحكم عام 1999 والتي برزت تجلياتها على كل المستويات والأصعدة ومست الحياة اليومية للمواطنين المغاربة، وعبر هؤلاء المواطنين عن وفاء وولاء للعاهل المغربي يقل نظيره في الوطن العربي بين الحاكمين والمحكومين. وفي الوقت الذي عبر المغرب عن دعمه لإرادة الشعب التونسي في التغيير وأكد على ضرورة عودة الهدوء والاستقرار إلى هذا البلد المغاربي الذي مازال يبحث عن بوصلة القيادة الحقيقية التي يمكن أن ترسم معالم خارطة طريق جديدة للبلد، في هذا الوقت تبرز بعض الأصوات الخرساء المعروفة بماضيها الإعلامي الفاشل لٌتعطي دروسا في الديمقراطية والتغيير وتٌحرض على الثورة وتدعي وجود قواسم مشتركة بين النظامين المغربي والتونسي، متناسية أن المملكة المغربية الضاربة جذورها في التاريخ منذ عشرات القرون والتي تأسست على نظام ملكي دستوري ديمقراطي لا تعترف بالاستبداد والديكتاتورية وترفض أي حيف ضد المواطنين وتفتح المجال الواسع أمام جميع فعاليات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والصحافة بمختلف مشاربها ومرجعياتها لانتقاد الحكومة والسلطة في أجواء تطبعها الحرية والديمقراطية، ومن ضمن ذلك توجد تجربة مجلة "لوجورنال إيبدومادير" التي كانت تمثل منبرا لانتقاد ممارسات السلطة وظلت لعدة سنوات تمارس هذا الدور بتوجيه من جهات معروفة المقاصد والأهداف إلى أن ترك مؤسسها أبوبكر الجامعي المغرب وأغلق المجلة بسبب عدم التزامه بتسديد ديون المؤسسة وعدم أدائه للضرائب ولمتأخرات صندوق الضمان الاجتماعي في خرق سافر لحقوق الصحفيين الذين يتطوع للدفاع عنهم ويدعي أنه يحميهم، والذي تطوع للإدلاء بحوار لمجلة "لونوفيل أوبسرفاتور" يٌجانب الحقيقة ويٌجسد مستوى الفشل الذي بلغه الجامعي بسبب عجزه عن الوفاء بالتزاماته ومحاولة إيجاد تبريرات واهية أحيانا ذات طبيعة حقوقية وأحيانا أخرى ذات طبيعة سياسية. وسيرا على شعار"رب ضارة نافعة" فقد وجد أبو بكر الجامعي أن فشله في تدبير مجلة "لوجورنال إيبدومادير" يعد فرصة سانحة لاستغلال الموضوع والادعاء بوجود مضايقات على حرية الصحافة والتعبير وبالتالي الاستفادة من دعم الجهات المعادية لاستقرار المغرب في أوروبا والولاياتالمتحدة للحصول على الامتيازات الكافية لإثارة القلاقل والتحريض على زعزعة الاستقرار والهدوء الذي ينعم به المغرب. السؤال المطروح من الذي يمنع أبوبكر الجامعي من التعبير عن هذه الأفكار "الثورية" الوهمية في الصحافة المغربية؟ لماذا اللجوء إلى الخارج والارتماء في أحضان الأجنبي؟ وهل هناك مؤامرة حقيقة ينخرط فيها أبو بكر الجامعي رفقة مسانده مولاي هشام اللذان يحلمان بأفكار الثورة الفرنسية وتٌعشش في دماغهما أوهام الانتفاضة الشعبية، بينما واقع الحال يؤكد أن مولاي هشام فضل أن يطلق مشاريع استثمارية بمليارات الدولار في الولاياتالمتحدة وآسيا ودول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا، بدل أن يستثمرها في بلده المغرب من أجل المساهمة في التنمية وخلق فرص للعمل لفائدة الشبان الذين يدعي الغيرة على مستقبلهم ويدعي أنه يفكر لأجلهم في حين أن عددا من العاملين في مزارعه في الجنوب المغربي يعانون من الظلم والقهر ويتعرضون للتشريد والطرد في أكثر الأمثلة تجسيدا للتناقض بين القول والفعل، وبين النظريات السياسية ونقذ الأنظمة الملكية، وبين الدفاع عن المحرومين وصون كرامتهم وحماية مصالحهم. والحق يٌقال أن مولاي هشام الذي استغرق وقتا طويلا في التحركات الخارجية في إطار رسمي أو أكاديمي أو شخصي، واكتفى في المغرب بتمويل بعض المنابر الإعلامية المعروفة بإثارة الشغب وزرع الفتنة وخلق الصراعات بين التيارات الفكرية والسياسية، لم يٌسجل عليه قيامه بأي مبادرة إنسانية أو اجتماعية أو اقتصادية تؤكد فعلا إيمانه بنظريات التغيير والديمقراطية، ولم يختر التعبير عن آرائه بكل حرية داخل بلده حيث تعبر الأحزاب السياسية عن أفكارها بكل حرية، ذلك أن المغرب ينعم بوجود حراك سياسي وحقوقي يٌتيح الفرصة لجميع الفرقاء التعبير عن آرائهم بكل حرية في أجواء الاستقرار والهدوء بعيدا عن لغة العنف والترهيب والتحريض. إن الاختيار الذي رسمه مولاي هشام لنفسه بعد المقال الذي نشره في مجلة "لونوفيل أوبسرفاتور" تحت حوار صديقه أبو بكر الجامعي يؤكد أن مولاي هشام حكم على نفسه بالخروج عن الإجماع الوطني والتغريد خارج سرب الديمقراطية والحرية والارتماء في أحضان الأجنبي للاستقواء واستدرار العطف والتشويش على الاختيارات الديمقراطية السليمة للشعب المغربي، ولكن سيرا على درب المثل القائل "الطيور على أشكالها تقع" فإن مولاي هشام حدد اختياره باصطفافه إلى جانب أبو بكر الجامعي ضد مستقبل وإرادة واختيارات الشعب المغربي، ولكن فليطمئنا لأن هذه البلاد مثل الجبال ما يهزها ريح. [email protected]