أثْنى الرئيسُ التونسيُّ السابق المنصف المرزوقي على نهج الملك محمد السادس في التعاطي معَ رياح "الربيع العربي" إبّانَ هبوبها مع مطلع سنة 2011، ووصولها إلى المملكة في شهر فبراير من السنة ذاتها ببروز حَراك اجتماعي في شوارع أكثر من خمسين مدينة مغربية بزعامة شباب تنسيقيات "حركة 20 فبراير".. وقال المرزوقي إن المغربَ هو البلد الوحيد من ضمن بلدان المنطقة الذي التقط اللحظة التاريخية بسرعة. الرئيس التونسي السابق، الذي كان يتحدّث في لقاءٍ مساء اليوم بالرباط حول موضوع "مستقبل العالم العربي"، نظمه منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، أضاف أنَّ "تعاطي المغرب بإيجاب مع الربيع العربي تمّ بفضل الذكاء السياسي الذي تعاملَ به الملك محمد السادس مع الوضع، وهو ما لم يترك للبركان فرصة الانفجار" وفق تعبيره. وفي الوقْت الذي يرى كثير من المتتبّعينَ أنَّ الثورات الشعبية التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ماضية إلى الأفول، في مقابلِ تنامي "الثورات المُضادّة" التي تقودها القوى المُناهضة للتغيير، اعتبر المنصف المرزوقي أنَّ هناكَ "براكينَ وزلازلَ ستنفجرُ في المستقبل، وستُزلزلُ أركانَ الأنظمة العربية التي لا تقومُ بإصلاحاتٍ سياسية"، وتابعَ: "رأينا أنظمة، كنا نحسب أنّها لن تنهارَ أبدا، تنهارُ كالورق المقوّى، وعلى الأنظمة التي تعتقد أنها قوية أن تنتظرَ نفس المصير مستقبلا". وقدَّم المرزوقي تشخيصا متشائما لواقع منطقة MENA في الوقت الراهن، وقالَ إنّ بلدانها تشهد مرحلة لم تعرفها على مرّ تاريخها المعاصر، وتعيش وضعا غيرَ مسبوق منذ نيْل استقلالها، متنبّئا بعدم استقرار الأوضاع في عدد من البلدان التي تشهد نزاعات مسلّحة بقوله: "أشكُّ في إمكانية عودة العراقوسوريا في إمكانية عودتها إلى سابق عهدها". النظرة التشاؤمية للرئيس التونسيّ السابق جعلتْهُ يقول إنّ "الربيع العربي الذي كانَ الأملُ معقودا على ثوراته بأنْ تُفضيَ إلى دول ديمقراطية، تحوَّل إلى كابوس في سوريا واليمن وليبيا"، وبخصوص الوضع في مصر قالَ المرزوقي إنّ أرض الفراعنة "تشهد ثورة مضادة وشرسة"، وأنها "ماضية إلى نوع من الحرب الأهلية، وبوادرها ما يحدث في سيناء"، وأضاف أنّ "النظامَ المصري الحالي، بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، يسير نحوَ الفاشية والعودة إلى عهد الاستبداد وما قبْل الاستبداد" على حد قول المرزوقي. وعزا المنصف ما آلَ إليه الوضع بشمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى وجودِ "أزمة قيم ومفاهيم" لدى شعوب المنطقة، بُنيت عليها منذ أزيد من خمسين سنة مخططاتهم، موضحا: "تمسكنا بهذه المفاهيم تمسّك الغريق بالقش، وفي كل مرة نجرب مفهوما ما فنكتشف أنّ تعقيدات الواقع أكبر من مفاهيمنا، وهذا جعل كل الآليات الفكرية التي حاولنا بها فهم المجتمع، والتغلب على مشاكله، تصطدم بصعوبة الواقع الذي كانَ في كلّ مرّة يُسفّه أحلامنا"، وأضاف: "نحن في أزمة فكرية حقيقية". واعتبرَ المتحدّث أنَّ الأزمة الكُبرى التي تعوق تقدّم ذات الفضاء الجغرافي ليست سياسية أو اقتصادية، بل هي أزمة أخلاقيّة.. مشيرا إلى أنّ البُلدان المتقدمة التي حققتْ تقدما اقتصاديا بُنيت على منظومة أخلاقية صلبة، "بينما نحن نعيش بين الانتحار والاندحار" وفق قول المرزوقي الذي أشار إلى أنّ "أيّ ثورة لا يُمكن أن تنجحَ إذا لمْ تكن مسبوقة بثورة أخلاقيّة أولا". وبخصوص الوضع الراهن للاتحاد المغاربي أبْدى الرئيس التونسيّ السابقُ نوعا من اليأس تجاه نظرته لمستقبله، فبعْد أنّ قالَ إنّ "الاتحاد المغاربي يوجدُ في غرفة الإنعاش ولا يزوره أحد"، أضاف: "كان حلما انتهى".. وضربَ المنصف مثلا بوضع الاتحاد المغاربي للاستدلال على أنَّ "الوحدة العربية تبقى بعيدة المنال" وأضاف: "نواجه في العالم العربي انهيارا كاملا للتكتّلات الإقليمية، ونواجه انهياراتٍ بالجملة، وإذا كنا قد عجزنا عن تحقيق الوحدة المغاربيّة فكيف سنحقّق الوحدة العربية الشاملة" على حد تعبيره.