الفرقة السياحية بطنجة تلقي القبض على مبحوث عنه في قضايا الاتجار بالمخدرات القوية    المغرب يعزز دعمه للأسر المقدسية والنازحين من غزة بمساعدات غذائية في رمضان    رام الله.. اتفاقية شراكة بين وكالة بيت مال القدس ووزارة الثقافة الفلسطينية والمكتبة الوطنية الفلسطينية    منظمة العفو تدعو للتحقيق بهجمات إسرائيلية على قطاع الصحة اللبناني بوصفها "جرائم حرب"    بوريطة يجدد التأكيد على الدعم الدائم لجلالة الملك لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة    وقفة احتجاجية وسط الرباط ترفض "تنصل إسرائيل" و"مقترح ترامب"    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم .. ليل يعود بتعادل ثمين من ميدان دورتموند    دياز: "لا أحب الحديث عن نفسي"    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. أرسنال يتفوق بنتيجة عريضة على إيندهوفن (7-1) ويضمن بنسبة كبيرة تأهله إلى الربع    دياز يقود ريال مدريد لهزم أتلتيكو مدريد ب 2-1 فى قمة مثيرة بدوري أبطال أوروبا    أوزين: "الهمزة" تتربص بالسياسة .. و"المغرب الأخضر" بلا نحر لن يُنسى    المغرب وإسبانيا يوقعان إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون القضائي استعدادا لكأس العالم 2030    إحداث أزيد من 95 ألف مقاولة بالمغرب عند متم 2024.. هيمنة القطاع التجاري والشركات ذات المسؤولية المحدودة    الرباط تشهد وقفة احتجاجية حاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي    دياز يقود ريال للفوز 2-1 على أتليتيكو في دوري الأبطال    انطلاق فعاليات المعرض الدولي للسياحة ببرلين بمشاركة المغرب    لقاء دبلوماسي بين المغرب ومصر    القمة العربية غير العادية تتبنى خطة شاملة لإعادة إعمار غزة    بوريطة: إعلان القاهرة يعكس موقفًا عربيًا قويًا في دعم لجنة القدس ويُبرز أهمية الدور الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس    نشطاء إسبان ينددون بالتجنيد العسكري لأطفال مخيمات تندوف    موقف واضح يعكس احترافية الكرة المغربية وتركيزها على الميدان بدل الجدل    أسعار اللحوم في رمضان: انخفاض في أزمور وارتفاع في باقي جماعات إقليم الجديدة    الاستئناف يرفع عقوبة آيت مهدي    من بينها الحسيمة.. تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    قرعة كأس العرش تفرز مباريات قوية    انطلاق فعاليات المعرض الدولي للسياحة ببرلين بمشاركة المغرب    لقاءات بوريطة على هامش القمة    خلال أسبوع.. 15 قتيلا و2897 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    النيابة العامة تكشف تفاصيل توقيف متهمين في قضية التشهير والابتزاز    تساقطات مطرية وثلجية في تنغير    بطمة تعود بحفل فني بالبيضاء    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    أخصائية حمية وتغذية تقدم نصائح لمرضى السكري لصيام صحي وآمن    المصادقة على عقد برنامج تنموي بقيمة 5.8 مليار درهم لتعزيز التنمية الجهوية بالشمال    في رمضان.. توقيف أربعة أشخاص بحوزتهم 2040 قرص مخدر وجرعات من الكوكايين    "شفت أمك بغا طول معنا".. جبرون: التلفزة تمرر عبارات وقيما مثيرة للاشمئزاز ولا تمثل أخلاق المغاربة    ارتفاع التحويلات النقدية للمغاربة المقيمين بالخارج خلال يناير    الذهب يواصل مكاسبه مع إقبال عليه بفضل الرسوم الجمركية الأمريكية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    دراسة: البدانة ستطال ستة من كل عشرة بالغين بحلول العام 2050    أحوال الطقس ليوم الأربعاء: برد وزخات مطرية في مناطق واسعة من البلاد    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتفاضة يناير 1984 بالناظور.. الأسباب والنتائج
نشر في هسبريس يوم 23 - 01 - 2011

كتب على الريف مرة أخرى أن يدخل في صراع غير متكافئ مع الجيش الملكي سنة 1984، بعد أن حدث ذلك أول مرة سنة 1959 حين نزل قرابة 20.000 جندي مغربي بمنطقة الحسيمة و دخلوا في مواجهات مع أبناء المنطقة الذين لم تكن تتوفر لديهم سوى بعض البندقيات المهترئة التي و رغم ذلك نجحت في اصطياد عدد مهم من الفرائس المخزنية .
لكن الغلبة في النهاية كانت للجيش الملكي الذي استعان بالطائرات الحربية التي وفرتها له القوات الأمريكية و الفرنسية المتواجدة بالمغرب حيث قنبل بها مختلف مداشر الريف مستخدما قنابل النبالم المحرقة، أما عن الجيش العرمرم فقد مارس أشنع ما يمكن أن يمارس من جرائم حرب في حق المواطنين العزل، اغتصاب للنساء أمام أهل بيتهن، بقر لبطون الحوامل، ذبح للمواطنين وهم أحياء، وضع القنابل اليدوية في جلابيب المواطنين، كل ذلك تم بحضرة الحسن الثاني و بأمر منه، و هو نفسه اعترف بذلك في الخطاب الذي ألقاه يوم الأحد 22 يناير 1984 حين قال :" و سكان الشمال يعرفون ولي العهد، و من الأحسن أن لا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب ".

أما المواجهة الثانية، فقد كانت في يناير 1984، و منطلقاتها اختلفت بشكل كبيرا عن منطلقات انتفاضة 1958-1959، و في هذا الموضوع سنحاول ما أمكن وضع القارئ في الإطار التاريخي لهذه الانتفاضة التي يطلق من بين ما يطلق عليها " انتفاضة الجوع " في إشارة واضحة إلى أن أهدافها اقتصادية بحتة على عكس انتفاضة 1985-1959 التي أطلق عليها " ثورة الجلاء " و التي رفعت مطالب سياسية شاملة أهمها جلاء القوات الفرنسية و الأسبانية و الأمريكية.

1. الأسباب المباشرة لقيام الانتفاضة:

عرف المغرب في تلك الفترة أزمة خطيرة شملت مختلف الميادين، فعدد السكان قدر حينها بحوالي 21 مليون نسمة ، منها 3.300.000 نسمة - أي بنسبة 16% - تعيش في المدن بينما البقية أي 17.700.000 نسمة - أي بنسبة - 84%تعيش في البوادي حيث لا يتوفر لديها الحد الأدنى من الخدمات الصحية و التعليمية, و النسبة الباقية المتواجدة بالمدن فهي غارقة في البطالة حيث سجل آنذاك 120.000 حالة طالب جامعي معطل يبحث عن العمل، و من ضمن هذا العدد الإجمالي للسكان فإن 9.400.000 نسمة - أي بنسبة 45%- تعيش فقرا مدقعا، و مليونان من المغاربة يعيشون في البراريك القصديرية.
و سوء الوضع الاقتصادي الذي تميز بإفلاس المغرب الذي بلغت ديونه الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار أدى إليه سوء التدبير الذي أنتجته سياسة الحسن الثاني التبذيرية و التي تميزت بالإنفاق الضخم على التسليح لأجل حرب الصحراء حيث كلفت مليون دولار يوميا، و كذا انخفاض ثمن الفوسفات.
هذا الوضع المزري أدى بالمغرب للخضوع لتوجيهات صندوق النقد الدولي المتمثلة في تبني سياسة التقويم الهيكلي المرتكزة على سياسة التقشف و التي أدت إلى فرض مجموعة من الإجراءات التي أجهز من خلالها على مجموعة من المكتسبات في مجموعة من القطاعات من بينها التعليم و الصحة و الشغل.
و من ذلك عرفت أثمنة المواد الأساسية ارتفاعا كبيرا، حيث بلغت 18% بالنسبة للسكر و 67%بالنسبة للزبدة، أما بالنسبة للغاز و الوقود فقد ارتفعت أثمنتهما بنسبة .20% أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل، تمثلت في دفع 50 درهما بالنسبة للتلاميذ الراغبين في التسجيل بالبكالوريا، و 100 درهم بالنسبة للطلبة الجامعيين.
هذا ما ألم بالشعب المغربي برمته، إلى أن إقليم الناظور أضيفت إليه أزمة أخرى، فاقتصاد هذا الإقليم مرتبط أساسا بالتهريب الذي يمر عبر مليلية، و الذي تستفيد منه جل العائلات الريفية بالناظور، إلى أن النظام فرض في سنة 1983 على الراغبين في الدخول لمليلية دفع مبلغ 100درهم بالنسبة للراجلين و 500 درهم بالنسبة لأصحاب السيارات، ثم حدث تغيير سنة 1984حيث تم تعميم مبلغ 100 درهم، و هو ما أدى إلى تطور سوء الوضع الاقتصادي بالإقليم.
هذا الوضع هو الذي أدى في النهاية إلى تفجير الانتفاضة، بعد أن اتحد جميع المواطنين ضد هذه السياسة، حيث نزلت الجماهير الشعبية إلى الشوارع في مسيرات ألفية في مجموعة من أهم المدن منها الحسيمة و الناظور و تطوان و القصر الكبير و مراكش و وجدة.

2. تبريرات الحسن الثاني:

من المعروف أن الأنظمة الاستبدادية تسعى دائما لأن تبرر مختلف انتكاساتها بالعامل الخارجي ( ديون خارجية – مؤامرة خارجية -...)، و هو الأمر الذي فهمه الحسن الثاني فحاول أن يزيح عن نفسه هذه التهمة حين قال في خطابه:" إنني لست من رؤساء الدول الذين يقولون عندما تقع عندهم أية مشكلة أن الخارج هو المسؤول عنها، فهم يتسترون وراء الخارج، لا. فأنا سأعطيك مثالا، لما كنت سنة 1981 على أهبة السفر إلى نيروبي وقعت أحداث الدار البيضاء، فهل سمعتني أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ؟ و لكنني اليوم أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ".
تعددت الأطراف هنا و لكن في تصريحات الحسن الثاني فقط، بل الغريب أن هذه الأطراف التي يزعم وجدناها لأول مرة تلتقي حول هدف واحد، و هو إفشال المؤتمر الإسلامي الذي تم انعقاده حينها بالدارالبيضاء - حسب زعم الحسن الثاني - ، و ذلك رغم أن هذه الأطراف المتآمرة تعادي بعضها البعض، و قد حددها في ثلاث، و هي :
1. الماركسيين اللينينيين : و يقصد بهم " منظمة إلى الأمام " يرغبون في فشل المؤتمر لأن أفغانستان حاضرة، حيث ستشرح للمؤتمرين الحالة التي يوجد عليها " الحكم الغاصب في أفغانستان " كما قال الحسن الثاني في خطابه. و قد اتهمهما لأنها وزعت بمراكش يوم الجمعة 6 يناير 1984 على نطاق واسع منشورا مما جاء فيه :" ليكن في علمنا أن الوضعية الراهنة المريرة ليست نتيجة لحرب الصحراء التي يشنها النظام الملكي المهزوم على الشعب الصحراوي البطل، و التي ذهب ضحيتها الآلاف من أبنائنا، و ليست نتيجة الجفاف كما يدعي الحسن السفاك، بل راجع إلى نهب خيراتنا من طرف الأمريكان و الأعداء ".

2.المخابرات الصهيونية : أرادت إفشال المؤتمر تخوفا من القوة التي يمكن أن تكون للدول الإسلامية المؤتمرة بعد انضمام مصر إليها.

3. إيران : لأنها قاطعت المؤتمر الإسلامي و ترغب في فشله، و قد صرح الخميني إبانها قائلا :" في هذه الأيام المصيرية التي يمر بها العالم الإسلامي حيث يعيش مخاضا صعبا يجتمع أناس يدعون تمثيل الشعوب الإسلامية و يطلقون على جمعهم هذا المؤتمر الإسلامي، و الأجدر أن يسمى قمة التآمر و الجهل، هؤلاء هم الحكام المتسلطون على رقاب شعوبنا الإسلامية، و الذين لا يكاد ينجوا واحد منهم من ارتباطه بعمالته لأحد الشيطانين الأكبرين أمريكا و روسيا ".

و قد اتهم الحسن الثاني هذه الأطراف، ليس إيمانا منه بأنها هي المتسبب الحقيقي في الانتفاضة، و لكن لكي يقدم تبريرا للدول المشاركة في المؤتمر الإسلامي و باقي دول العالم، لأن الانتفاضة تم تفجيرها و هو في قاعة المؤتمر، و قد قام في خطابه بالتصريح بما يناقض تبريره هذا و ذلك حين قال :" الزيادات لن تكون " و من ثم فالحسن الثاني أوقف الزيادات لأنها كانت فعلا هي المشكلة.

3. قمع النظام للانتفاضة:

البداية كانت عبارة عن احتجاجات تلاميذية داخل أسوار الثانويات بالحسيمة لكن هجوم السلطات على هذه المؤسسات أدى بالمواطنين لأن يتضامنوا معها فانتقلت إلى الشارع و تطور شكلها من مجرد احتجاجات تلاميذية على الزيادات في رسوم التسجيل إلى مظاهرات ألفية ضد سياسة التقويم الهيكلي برمته شاركت فيها مختلف فئات المجتمع.
و هذا ما أدى بتلاميذ ثانويات الناظور لأن يتظاهروا هم كذلك داخل مؤسساتهم منذ يوم17 يناير إلى غاية يوم الخميس 19 يناير ، و ذلك تضامنا مع ما تعرض له أبناء الحسيمة من قمع مخزني، إلى أن انتقلت المظاهرات إلى الشوارع حيث شارك فيها التلاميذ و الشغيلة عرفت مشاركة ما يقارب 12.000 مواطن .
لكن حدث فجأة ما عكر جو هذه الاحتجاجات في الناظور ، و ذلك حين انخرط فيها بعض الفوضويون من أبناء المنطقة الذين أخذوا يحرقون السيارات و يسرقون المحلات التجارية و البنوك و يعتدون على أملاك الغير .
و قد حدد رئيس الوزراء في التصريح الرسمي ليوم الأربعاء 25 يناير 1984، الخسائر المادية على المستوى الوطني كما يلي:
في الناظور : أحرقت 7 وسائل نقل خاصة و شاحنة واحدة للأمن الوطني و أصيبت بعطب 20 وسيلة نقل أخرى، و 11 بناية أحرقت عن كاملها و 6 مدارس و محلات تعرضت لخسائر مادية.
في تطوان: تحطمت 7 وسائل نقل خاصة و 3 رسمية، و أحرقت 6 مقرات إدارية منها مقر الهلال الأحمر المغربي، و مكتب البريد.
في الحسيمة: أحرقت 7 وسائل نقل خاصة و أصيبت بعطب 3 عمومية محلية.
بعد ذلك و في نفس يوم هذه المظاهرة حدث إنزال عسكري قوي بالمنطقة دبابات و مروحيات و مظليين، حينها بدأ القصف بشكل كثيف و عشوائي تجاه المواطنين من دون تمييز بين الكبير و الصغير، و المرأة و الرجل، كان يكفي أن يخرج المواطن من أي مقر لكي تتلقفه إحدى بندقيات الجيش أو الشرطة، بل وصل الأمر إلى أن شاركت في هذه العمليات حتى المروحيات التي بدأت تطلق الرصاص على المواطنين من الجو (الجريدة الأسبانية El País، بتاريخ 23 يناير 1984، و الجريدة الأسبانية El Telegrama de Melilla، بتاريخ 24 يناير 1984 معززة بصور لمروحية تقوم بذلك).
لكن هل هذا فعلا ما استدعى تدخلا للدولة من ذلك النوع الذي شهدته المنطقة أم أن هناك أسبابا أقوى أدت إلى تبني ذلك؟

منذ تلك الفترة و لحد الآن فإننا نجد جوابين فقط عن هذا السؤال، و هما:

أولا: لا توجد أسباب أخرى.
ثانيا: حسب مجموعة من الشهادات فإن المنصوري بنعلي قدم للحسن الثاني تقريرا مما جاء فيه، أن هؤلاء المحتجون قاموا بإحراق العلم المغربي و رفعوا شعارات انفصالية و شعارات ضد النظام، و بأنها ستتحول لحركة مسلحة، و إذا ما ترك الأمر بدون تدخل رادع فإن الأمور ستنفلت إلى وضع محرج للدولة.
و ما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن الدولة تخوفت حينها من أن تكون هناك إمدادات من السلاح للمواطنين من مليلية، و قد ثبت بالفعل من خلال شهود عيان أن السلطات باشرت منذ اليوم الأول بحثها عن هذه الأسلحة خاصة في الغابات، و هو ما يقوي الاحتمال الثاني، أي أن المنصور بنعلي قد بعث بتقرير تحريضي للحسن الثاني، لكن ذلك لا يجعلنا نحسم.

فقط وجبت الإشارة إلى أن ما قيل عن المنصوري بنعلي قد صدر ليس عن مواطنين عاديين بل صدر عن شخصيات مقربة من المخزن و من بينها المحجوبي أحرضان الذي اتهم المنصوري بنعلي بتسببه في قمع المنطقة بذلك الشكل، لكن المنصوري بنعلي بدوره برأ أو حاول أن يبرأ ساحته حينما حضر بصفته رئيسا للمجلس الإقليمي للقاء الذي جمع السلطة بأعيان المنطقة بمقر عمالة إقليم الناظور أيام الانتفاضة، حيث ألقى كلمة تبرء فيها من مرتكبي هذه الأفعال الذين اعتبرهم مجرد لصوص و مهربين جاؤوا من خارج الإقيلم، مؤكدا على أن أبناء عبد الكرم الخطابي لا يمكن أن يفعلوا ذلك.

4. الخسائر البشرية:

إذا كان وقوع قتلى و جرحى في هذا القمع الدموي أمرا واقعا باعتراف الدولة نفسها، فإن العدد الحقيقي لهؤلاء الضحايا ظل دوما مستحيل التحديد، و ذلك لسببين اثنين، أولهما، لأنه أثناء القمع لم تبقى جثث القتلى ملقاة لمدة تكفي لحسابها كافة من قبل أطراف منتمية للمحتجين أو أية جهة أخرى مستقلة عن الدولة، هذا و لم تعلن أي جهة كانت - غير الدولة - أنها تملك العدد الحقيقي للقتلى أو حتى تقديرا له، ثانيهما، كان في تلك الفترة كل من يذهب إلى المستشفى للعلاج من الجروح يتم اعتقاله من داخل المستشفى لو تم الاشتباه في تورطه في الاحتجاجات و لهذا فإن عددا كبيرا من المصابين اجتنبوا الذهاب إلى المستشفى، و من ثم يستحيل معرفة العدد الحقيقي للجرحى.
و من خلاله فإن الجهة الوحيدة التي أعلنت عن أرقام تهم عدد الضحايا هي الدولة، حيث جاء في تصريح لرئيس الوزراء ليوم الأربعاء 25 يناير 1984، محددا عدد القتلى على المستوى الوطني في 29 و عدد الجرحى في 114، و ذلك كما يلي:
في الناظور : 16 قتيلا، و 37 جريحا من بينهم 5 من رجال الأمن.
في تطوان : بلغ عدد الضحايا 9 قتلى، و 72 جريحا من بينهم 20 من رجال الأمن.
في الحسيمة: 4 قتلى، و 4 جرحى من بينهم رجل أمن واحد.
لكن هذا لم يمنع الجرائد الأسبانية من الاجتهاد في تقدير العدد من خلال مصادرها، و من ذلك ما أوردته جريدة " El Telegrama de Melilla" في عددها الصادر يوم 21 يناير 1984من أن " عدد القتلى بالناظور يمكن أن يتجاوز 40 "، و أوردت جريدة "El periódico de Catalunya " في عددها الصادر يوم 26 يناير 1984، أن الحصيلة على المستوى الوطني يمكن أن تبلغ 400 قتيل، تعددت التقديرات و تباعدت في الجرائد الأسبانية، و لكن ما هو مؤكد لحد الآن هو أنه في تلك الفترة قد توفر النصاب الضروري لدفن الجثث في مقبرة جماعية و هو الأمر الذي يؤكده العديد من الشهود و يحددون تواجدها بالضبط في الثكنة العسكرية لتاويمة بالناظور، و هو ما يعني أن عدد القتلى بالتأكيد يتجاوز 16 قتيل على عكس ما صرحت به السلطات.

5 الاعتقالات:

بعد القمع الذي تعرضت له المنطقة فرضت السلطات حضرا للتجوال على المواطنين، حيث كان يصعب على أي مواطن أن يخرج من مقر سكناه و إلا كان مصيره القتل، بقي الوضع على هذا الحال منذ انطلاق الانتفاضة إلى غاية 2 فبراير حيث قلت حدة الحضر إلى أن ارتفعت تدريجيا عن المنطقة.
و فيما بين هاتين المدتين، قامت السلطات باعتقلات واسعة في صفوف المواطنين تميزت بالعشوائية أحيانا و بالانتقائية أحيانا أخرى، حيث كانت تقتاد هؤلاء إلى القيادات و مخافر الدرك و مخافر الشرطة حيث يمارس عليهم مختلف أصناف التعذيب الجسدي و النفسي، و منهم من تجاوزت مدة احتجازه في هذه المراكز عدة شهور، و ذلك قبل نقل جزء منهم إلى المحاكمة ثم إلى السجن المدني بالناظور فإلى السجن المدني بتازة، و مجموعات أخرى تم نقلها من تلك المراكز إلى الثكنة العسكرية بتاويمة حيث تلقت هناك حصصا أخرى من التعذيب قبل أن يتم نقلها إلى المحاكمة ثم إلى السجن المدني بالناظور ثم إلى السجن المدني بتازة.

هذا نوع من الخروقات، و هناك نوع آخر قاده مجموعة من المسؤولون بالمنطقة، حيث كانت بعض العناصر منهم تتصل بأحد البرجوازيين و تطلب منه أن يدفع مبلغا معينا و إلا تم اقتياد ابنه أو أحد أفراد عائلته إلى المخفر بتهمة المشاركة في الاحتجاجات، و قد كانت لهذه العملية مداخيل مالية هامة.
أما فيما يتعلق بالمحاكمات فقد تميزت بتوجيهيها من طرف النظام، حيث حوكمت مجموعة كبيرة من المتهمين بمدة وصلت إلى عشر سنوات نافذا، و ما تجب الإشارة إليه هو أنها طالت كذلك طفلا لم يتجاوز عمره حينها 15 سنة.

* مقال كان قد نُشر للحقوقي المعتقل شكيب الخياري عام 2005


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.