طقس الأحد: استمرار الأجواء الباردة مصحوبة بصقيع وجليد    ترامب: أبلغت نتنياهو بأن الحرب على قطاع غزة يجب أن تنتهي وعدم الالتزام بذلك قد يؤدي إلى "انفجار الجحيم"    اتحاد تواركة يكتسح السوالم بثلاثية    باحثون يدعون إلى تقوية الحماية القانونية لحراس الأمن الخاص في المغرب    توقيف شابين بطنجة بعد استعراضات خطيرة في الشارع العام    أحرار الحسيمة يحتفلون بالسنة الأمازيغية الجديدة    الأبواب المفتوحة لتعريف الأطفال برياضة القوارب الشراعية بخليج طنجة    إيقاف 3 أشخاص بشبهة التورط في السياقة بطريقة استعراضية وتعريض مستعملي الطريق للخطر    الجزائر.. فيروس ينتشر ويملأ مستشفيات البلاد بالمرضى    بحضور مضيان.. حزب الاستقلال الحسيمة يحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة    مسؤول ألماني يؤكد أن المغرب "شريك مهم" لألمانيا والاتحاد الأوروبي    البطولة... اتحاد تواركة يعود لسكة الانتصارات من بوابة شباب السوالم    بركة يدشن التسخينات الانتخابية بالشمال وميزان تطوان في دينامية مستمرة    إسرائيل تحتفظ ب"حق استئناف الحرب"    إنريكي يكشف سبب غياب أشرف حكيمي ضد لانس    توقيف شخص وحجز مواد محظورة بدوار "لبوير" نواحي تطوان    زياش يطالب غلطة سراي بمستحقاته المالية    "تنصيب ترامب" يتأثر بالبرد القارس    "بنك المغرب" يكشف تقلبات الدرهم    بنيعيش: الاحترام يوحد المغرب وإسبانيا    ائتلاف هيئات حقوق الإنسان يدعو للمشاركة في مسيرة الأحد ضد "قانون الإضراب"    إفران: مصالح وزارة التجهيز تتعبأ لإزاحة الثلوج عن المحاور الطرقية    من سيحكم غزة بعد العدوان الإسرائيلي المدمّر؟    الموت يفجع النجمة المصرية ياسمين عبد العزيز    بنواحي: صنداونز يلعب تحت الضغط    الوزير نزار بركة يطلق مشاريع تنموية استراتيجية بإقليم العرائش    استئناف بطولة الهواة مطلع فبراير المقبل    حزب "العدالة والتنمية" يجدد مطالبه بالإفراج عن النقيب زيان ونشطاء حراك الريف    بنكيران: الحكومة لا تبالي بالشعب وأخنوش اعتدى على الأرامل عندما حرمهن من الدعم    انقلاب شاحنة يكشف عن مخطط تهريب 15 طناً من الحشيش    اغتيال قاضيين بالمحكمة العليا الإيرانية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    المغرب يشيد باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويدعو الطرفين لإحلال السلام    باعتراف المنتدى الاقتصادي العالمي.. مصنع صيني بطنجة يصنف الأول بإفريقيا يحقق إنجازًا صناعيًا رائدًا في إنتاج قطع غيار السيارات    إسبانيا تُخصص 2.6 مليون أورو لترميم المستشفى الإسباني في طنجة    نقابة الصحافيين بتطوان تنظم بشفشاون "الملتقى الأول للإعلام والقضايا الوطنية"    إقليم صفرو يشجع إقبال الاستثمار    كيف تصل التمور الجزائرية الممنوعة إلى الأسواق المغربية؟ ولماذا لا يتم حظرها رغم الخطر الصحي؟    الرئيس اللبناني يطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب بحلول 26 يناير    المغرب يُعزز ريادته الأمنية في إفريقيا .. ومبادرة الدرون تفضح تخبط الجزائر    شياومي المغرب تطلق سلسلة هواتف Redmi Note 14 الجديدة    وفاة لاعب مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن 84 عاما    مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث مغربي يرصد "موجات الهلع الأخلاقي" في المملكة
نشر في هسبريس يوم 02 - 08 - 2015

يتناول هذا المقال بعض الأحداث التي شهدها المغرب مؤخرا، والتي أثارت الكثير من النقاش على صفحات الجرائد، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول مقاربتها انطلاقا من مفهوم الهلع الأخلاقي، والمفاهيم المرتبطة به كآلية للتحليل، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التاريخية والسياقية لهذه الأحداث.
ويهدف المقال إلى وضع موجات الهلع الأخلاقي التي اجتاحت المغرب في إطار الحوار المجتمعي العام، والصراع الإيديولوجي حول السلطة، وإلى إبراز دور وسائل الإعلام الجماهيري ووسائل الإعلام الاجتماعي في تغذية هذا الحوار، وأحيانا تأجيج الصراع.
يتم الحديث عن "الهلع الأخلاقي" moral panic عندما يُناقش موضوع ما بحساسية مفرطة، ويثير جدلا يؤدي إلى توثر اجتماعي، ويكون أحيانا التوافق غير ممكن خصوصا إذا كان الموضوع يُعتبر من الطابوهات.
يُبين ستانلي كوهنStanley Cohen أن الهلع الأخلاقي يحدث في المجتمعات عندما تظهر ظروف أو أحداث أو مجموعة من الأشخاص تشكل تهديدا للقيم أو المصالح المجتمعية. وقد مر المغرب فعلا بعدة فترات من الهلع الأخلاقي حول مواضيع نذكر منها ظهور عبدة الشيطان، اغتصاب الأطفال، الأكل جهارا في رمضان، و غيرها كثير.
وكانت وسائل الإعلام تلعب دورا محوريا إما في إثارة الموضوع و قيادة الحملة ضد التهديد المحتمل لقيم المجتمع أو تغذية النقاش و تأجيجه. غير أن الدور قد يتغير بعض الشيء خصوصا عندما يكون الموضوع إشكاليا و لا يحظى بإجماع المجتمع، فيكشف الهلع الأخلاقي – وبالتحديد عندما يمثل الهلع خوف فئة اجتماعية أو كتلة إيديولوجية من فئة أو فئات أخرى - عن استقطاب ايديولوجي حاد بين تيارين يوجدان في موقف عداء مستمر في السياق المغربي، وفي معظم الدول العربية، وأعني بهما التيار المحافظ المتشبث بالتقليد والتعاليم الدينية، والتيار العلماني الذي يسعى إلى فصل الشأن الديني عن الحياة العامة والسياسة عموما، ودعم الحريات والحقوق الفردية.
تتميز فترات الهلع الأخلاقي عموما بظهور قلق عام داخل المجتمع، وانتشار خطاب عدائي ضد من يتسببون في إثارة القلق والخوف في المجتمع بسلوك غير مقبول من طرف الأغلبية، وغالبا ما يكون هناك إجماع حول خطورة الموضوع و كونه يشكل تهديدا لقيم ومصالح المجتمع.
لكن في المقابل، يمكن أن تكون هذه الخطورة مبالغ فيها و تم تضخيمها من طرف ما يمكن تسميتهم ب "مقاولي الأخلاق" الذين يبذلون كل الجهد لشيطنة الأفراد أو السلوكيات التي لا تتوافق مع القيم التي يحاولون حمايتها. وغالبا ما يتم تسمية الأفراد الذين تتم شيطنتهم ب "شياطين الإنس".
الملاحظة الأخيرة حول هذه الفترات من الهلع الأخلاقي هي كون هذه الأخيرة سريعة الزوال، أي أنها تدوم لفترة زمنية محدودة و تختفي أو تتوارى في مخزون المواضيع التي تغذي الحوار الاجتماعي.
عرف المغرب في الشهرين الماضيين فترات متلاحقة، و مازالت مستمرة، من الهلع الأخلاقي حول مواضيع تهم جسد المرأة و لباسها و تمثيل الانحراف الجنسي والخلقي في الإبداع، والتعامل مع الآخر الغير المتماثل مع القيم السائدة.
غير أنه تجب الإشارة إلى أن فترات الهلع الأخلاقي تكشف في الحقيقة عن صراع خفي و كامن بين تيارين أساسين في الثقافة والسياسة في المغرب، وتحديدا التيار المحافظ الذي يؤمن بقيم التقليد و بسمو قيم الجماعة على القيم الفردية و على ضرورة التماثل الاجتماعي، و تيار يؤمن أكثر بالقيم والحريات الفردية وبضرورة فصل الدين عن الدولة و الحياة العامة على اعتباره مسألة شخصية.
بدأت الموجة الأولى من الهلع الأخلاقي بعد أن تم نشر مقاطع من فيلم "الزين اللي فيك " لنبيل عيوش، تُصور جزءا من عالم الدعارة و القوادة بمدينة مراكش. انتشرت المقاطع المُسربة كالنار في الهشيم و توالت التعليقات المستنكرة لهذه الواقعية الفجة التي لا تمت بصلة، حسب معارضي الفيلم، للإبداع و للفن السينمائي.
وتمت شيطنة جميع الممثلين الذين تعرضوا لمضايقات عدة، كما أن وزير الإعلام تدخل ومنع عرض الفيلم في المغرب على أساس أنه يسيء للمغرب و للمرأة. دافع نبيل عيوش عن فيلمه لكن قدر الشيطنة كان قد حسم الأمر لصالح التيار المحافظ الذي لم ير في الفيلم سوى إساءة للثقافة المغربية و للمرأة و لصورة المغرب.
أثارت هذه الموجة من الهلع الأخلاقي نقاشا حول موضوع تَمثُّل الواقع في الإبداع، و تحديدا تمثيل الانحراف والشذوذ في الأفلام على أساس أنها جزء من الواقع. وتبيَّن بعد فترة بأن كل فريق بقي متمسكا بموقفه تُجاه هذا الموضوع. غير أنه تجدر الإشارة إلى أن التيار المحافظ حسم المسألة، وأصبح عيوش وفريقه من شياطين الإنس.
الموجة الثانية من الهلع الأخلاقي تلت مباشرة بعد منع الفيلم و ذلك بعرض الحفل الغنائي لجنيفر لوبيز على شاشة القناة الثانية دوزيم، حيث أثار هذا العرض استنكارا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الصحف، بدعوى أن لباس المغنية وفريقها ورقصاتهم مخلة بالآداب بسبب العري الواضح وللإيحاء الجنسي الذي ميز العرض.
وقد قام الفريق المدافع عن قيم الحشمة و الأخلاق بمهاجمة قناة دوزيم ومهرجان موازين والمطالبة بإلغاء المهرجان، ومساءلة دوزيم عن طريق الهاكا. وترأس الفريقَ المحافظ رئيسُ الحكومة ووزيرُ الإعلام، وقاموا بمراسلة الهاكا في شأن التجاوز الذي قامت به دوزيم.
وصدر قرار للهاكا يقضي بعدم قبول شكاية رئيس الحكومة لأن الشكاية معيبة من حيث الشكل و لا يحق للهاكا إصدار قرار في الموضوع. تأويل هذا القرار لم يتأخر و رُبط قرار الهاكا المتحدي لرئيس الحكومة بأهمية مهرجان موازين بالنسبة للدولة التي تدعمه بكل الوسائل و بوضعية دوزيم من الناحية السياسية من حيث أنها تمثل التيار المعارض للتيار التقليدي و لها من يحميها في كواليس القرار السياسي.
بعد أن بدأت موجتا الهلع الأخلاقي تتواريان و تفقدان ذلك الزخم الإعلامي الذي كان لهما في البداية، ظهرت أحداث أخرى متفرقة قادها مجموعة من الناس ضد فتاتين بانزكان كانا يلبسان لباسا قصيرا [تنورة].
تجمّع الناس حول الفتاتين و تدخل البوليس وتمت إحالتهما على العدالة في حالة سراح. من الواضح أن من تجمهر ضد الفتاتين ناس يعتبرون أنفسهم مسئولين عن النهي عن المنكر بالمفهوم الديني، وأنهم بذلك يقومون بواجب المحافظة على قيم الحشمة التي يجب أن تلتزم بها المرأة في الشارع العام.
لكن هذا الأمر لم يحظ بالإجماع، حيث خرج المناهضون لهذا التدخل في حرية الأفراد للاحتجاج ضد متابعة الفتاتين و ضد التجمهر ضدهما أصلا. واحتد النقاش في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة، كل فريق يقدم حججه ويدافع عن آرائه. فالفريق المدافع عن قيم الحشمة ينتقد المحتجين ضد قرار المتابعة و يفضح نفاقهم الاجتماعي و انتهازيتهم السياسية بإبراز الطبيعة الانتقائية للقضايا التي يدافعون عنها.
ففي الوقت الذي يدافعون فيه عن حرية لباس تنورة، فإنهم يتجاهلون قضايا أكثر أهمية كالعري الإجباري للفقراء والبؤس الذي يعيشون فيه واغتصاب الفتيات، وخصوصا المعاقات[قضية فوزية]. كما قام الفريق المدافع عن الحرية الفردية في اللباس بنشر صور لنساء من النخبة الحاكمة يلبسون التنورة كحجة ضد قرار المتابعة ولإدانة التدخل في الحرية الفردية.
كما عرفت هذه القضية تضخيما إعلاميا و تعبئة سياسية و قانونية حيث ناب عن الفتاتين عدد كبير من المحامين[ 100 محام، في الوقت الذي لم ينب سوى محام واحد عن الفتاة المعاقة المغتصبة]، ونظمت العديد من الوقفات الاحتجاجية في مدن أخرى كالرباط من طرف جمعيات عدة تدافع عن الحريات الفردية و خصوصا حقوق المرأة، كما وُقعت عرائض استنكار على الانترنت تطالب باحترام الحريات الفردية.
لم تتدخل الدولة في الموضوع لأن المجتمع منقسم على نفسه في هذه النقطة بالذات، و يبقى الهلع الأخلاقي فئويا يهم فريقا دون آخر. وجاء حكم البراءة في هذه القضية ليضع حدا لهذا الجدل منتصرا للجهة الداعية إلى احترام الحريات الفردية.
غير أن الحملة التي قامت بها جمعية من الدارالبيضاء لجمع تبرعات على مواقع التواصل الاجتماعي لفائدة الفتاة المعاقة، فوزية من مولاي عبد الله نواحي الجديدة، ضحية الاغتصاب وزنا المحارم، وذلك لمساعدة أسرتها على شراء شقة و ضمان مورد قار للرزق حققت نجاحا غير متوقع و إجماعا اجتماعيا حول مساعدة هذه الطفلة المعاقة.
وقد تم تحقيق ذلك فعلا، وحصلت أسرتها على شقة مجهزة مجانا و 200 ألف درهما- قيمة التبرعات- كرأسمال لتأسيس مشروع مدر للدخل يضمن للفتاة وأسرتها العيش الكريم.
خاتمة هذه الأحداث هو ما وقع في فاس حيث تم التنكيل بشاذ جنسي من طرف مجموعة من الأفراد. انقلبت الأمور هذه المرة و أصبح مقاولو الأخلاق هم الخطر الذي يهدد الحريات الفردية. ورغم تشبث البعض بإدانة الشواذ، فأغلبية التعليقات و التدخلات على مواقع التواصل الاجتماعي و في الصحافة أكدت أن الإجماع هو لصالح احترام الحريات الفردية. و تدخل مسئولون حكوميون لتأكيد أن الدولة تحمي الأفراد، ولا حق لأي كان أن يعترض طريق الناس ليفرض رأيه عليهم.
بعد استعراض هذه الأحداث وما أحدثته من هلع أخلاقي يتضح أنها تكشف في الحقيقة عن صراع أساسي كامن في المجتمع المغربي بين تيارين متنافسين و لهما مرجعيتين مختلفتين، و أن هذا الصراع يبرز حالما يقع حدث يمس قيم تيار معين.
غير أن الملاحظ هو أن الفضاء السياسي و الثقافي أصبح مستقطبا بين هاذين التيارين، لكن يبقى الإجماع حول القضايا المثارة هو الذي يحسم النقاش، ويدعم بذلك القيم التي تم تهديدها كما وقع بالفعل في قضية الطفلة المعاقة المغتصبة. يمكن أن نعتبر مثل هذه الحالات من الهلع الأخلاقي ايجابية لأنها تساند و تدعم قيما إنسانية.
لكن إذا ما تأملنا الحالات الأخرى نلاحظ استقطابا حادا للرأي لأن القضايا المثارة هي قضايا خلافية و لها خلفيات إيديولوجية و سياسية، لذلك لا يتحقق نفس الإجماع الذي تحقق في قضية الاغتصاب. فلباس المرأة موضوع يختلف حوله الإسلاميون، و المحافظون عموما، و العلمانيون و المدافعون عن مسألة الحقوق الفردية.
غير أنه تجب الإشارة إلى أن المحافظين، الذين يعتقدون أنهم يمثلون أغلبية ، لا يقومون بأي حراك سياسي في الشارع العام للدفاع عن القيم التي يؤمنون بها و بصلاحية تطبيقها ودعمها في المجتمع المغربي، في حين أن المدافعين عن الحقوق الفردية هم أكثر تعبئة و ينظمون وقفات احتجاجية متكررة للدفاع عن موقفهم، وذلك لإحساسهم بان قضيتهم تحتاج لحراك سياسي مستمر لأن البنيات المتحكمة في الثقافة هي محافظة و تستمد بعض شرعيتها من الدين والتقاليد ولها سلطة اجتماعية.
إذا ما حاولنا تقييم هذه الموجات من الهلع الأخلاقي في السياق التاريخي، لا نجد فعلا أي دلالة غير عادية مادام المغرب يمر باستمرار بفترات من هذا النوع من النقاش المتوتر والمفرط في الحساسية و تعتبر فعلا وسيلة للصراع الإيديولوجي والحوار المجتمعي، لكن الأمر الذي يلفت الانتباه هو هذا الاستقطاب الواضح بين تيار إسلامي متعدد الأطياف، معتدل، متشدد وجهادي داعشي يلوح في الأفق، وتيار علماني مكون غاليا من اليسار والحركات الحقوقية.
لقد كان للربيع العربي دورا محوريا في بروز هذا النوع من الاستقطاب الايديولوجي. ففي الوقت الذي كان يعيش فيه العالم العربي بما فيه المغرب انتكاسة حقيقية لحركات الإسلام السياسي، وارتفعت فيه أصوات شبابية وحقوقية للمطالبة بالحرية و الكرامة الإنسانية.
جاء الربيع العربي كمرحلة لما بعد الإسلام السياسي، أو على الأقل هذا ما كان متوقعا في العالم العربي وفي الغرب، لكن الحركات الإسلامية استفادت من مجهودات التنظيم و التعبئة التي كانت تقوم بها لعقود وهيمنت على المشهد السياسي. بسبب ذلك قامت ثورة مضادة في مصر و دخلت دول أخرى حروبا أهلية، وبقي المغرب استثناء حيث صعد الإسلاميون المعتدلون للسلطة و تقوى الإسلام السياسي عموما.
في المقابل وقع انكماش واسع في اليسار الذي فقد تدريجيا شعبيته. مع اقتراب الانتخابات المحلية وبروز الظاهرة الداعشية كتطور سياسي لإجهاض الربيع العربي، أصبح التوتر سيد الموقف و أصبح كل فريق يحاول دعم موقفه الإيديولوجي و ترويجه في الفضاء العام. فالتيار المحافظ يحاول تثبيت صورته كمدافع عن الدين وعن القيم والأخلاق، وكمحارب للفساد الأخلاقي، في حين أن التيار الحقوقي و اليسار يحاول تخويف الناس من مشروع الإسلام السياسي و ربطه في أذهان الناس بالتشدد و أحيانا بالداعشية، ويسعى إلى الدفاع عن الحقوق الفردية و الحريات التي يقيدها الدين على الخصوص.
إذا كان هذا الاستقطاب ناتجا عن طبيعة المواضيع المثارة، والذي لا يحظى أي موقف تجاهها بالإجماع لكونها مواضيع خلافية، فإنه يعبر كذلك عن خوف متبادل بين تيارين يخترقان المجتمع المغربي بعمق ويعيشان مرحلة حاسمة في تاريخهما بعد الغموض الذي أصبح يلف الوضع السياسي في العالم العربي، فالإسلاميون ينتظرون ما ستؤول إليه الأوضاع في مصر وغيرها من الدول العربية، مع الإحساس بحرج تجاه التشدد الداعشي، و يتأهبون لدخول الانتخابات المحلية على أمل أن يحققوا نتائج مرضية رغم ضعف منجزات الحكومة و نظرا لغياب بديل حقيقي.
أما اليسار فمازال يراوح مكانه، بدون ايديولوجية و بدون قيادات قوية، و أصبح يميل أكثر لاستعمال الأعيان لتحقيق بعض النتائج في الانتخابات، كما تزيد المشاكل الداخلية التي يعيشها اليسار من تدني شعبيته. اقتران الاستقطاب بالخوف يشير إلى وجود أزمة حقيقة في المشهد السياسي بالمغرب، وجب التعامل معها بحذر و بُعد نظر.
إن التوفيق بين التيارين المتعارضين هو رهان مستقبلي للطبقة الحاكمة وطبقة المفكرين والمثقفين، ويبقى التشدد سواء في التيار الديني المحافظ أو العلماني مرفوضا، و يبقى التوافق ممكننا إذا ما تمت مناقشة القضايا الأساسية في هدوء تام وبعيدا عن حالات الهلع الأخلاقي المبالغ فيها والتي لا تفيد المجتمع في شيء. يجب أن تتم المحافظة على بعض القيم الجماعية الإيجابية بالموازاة مع دعم مجتمعي لحريات فردية مسئولة.
*أستاذ باحث بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.