بات من الصّعب بمكان التعبير بسلاسة على ما يخالج الصدور، فتجربة الدكتور بافلوف على الكلب و تساقط لعابه كلما سمع الجرس، أو ما يسمى بالإشتراط الكلاسيكي ، هي أحسن تعبير عن حال الذين تحمرّ عيونهم و تتضخّم آذانهم كلما سمعوا شيئا يمتّ للإسلام السياسي بصلة. يحلو للكثيرين ذكر عبارة معروفة عن رئيس وزراء تركيا، حينما سُؤل عن سبب تحوّل خزينة الدولة من عجز إلى فائض ؟ فقال ببساطة : "أنا لا أسرق". و بالفعل، يقول أردوغان : صنعنا أول دبّابة و فرقاطة و طائرة، و أول قمر إصطناعي عسكري، و زرعنا 2 مليار و 770 مليون شجرة، و نقلنا تركيا من الرتبة 111 إلى 16 عالميا بالقوة الإقتصادية، و أنهينا ديوننا، و نقلنا تركيا من صادرات 23 مليار إلى 153 مليار، و نخطّط لتفريغ 300 ألف عالم للبحث العلمي في غضون 10 سنوات. جميل ! و الأجمل من كل ذلك، أن حكومته ضاعفت الدخل الفردي خمس مرات. لكن ما سبب ذلك ! ألأن أردوغان "لا يسرق" ؟ أظن أن السيد رجب طيب أردوغان، يفرّق جيدا بين "رجب و شعبان و رمضان" الدولة و إدارتها، فلو فرضناه كان في حقبة "الرجل المريض" أي ما قبل 1924، أو كان في إمارة من إمارات الخليج العربي، لكان يكتفي بصلاة الإستسقاء بدل غرس قرابة 3 مليار فسيلة. هذا يدعونا طبعا للتساؤل علميا : ما سبب القفزة النوعية التي عرفتها تركيا ؟ و من أين جاء زعيمها الحالي ؟ بدل إضفاء الصّبغة الأخلاقية (عدم السرقة) على ظاهرة تحتاج التحليل دون شعبوية. فلو كان عقل أردوغان لا يزال في حقبة أبي فرْناس، ما صنعت تركيا أول طائرة. و لو اكتفى الأتراك بالصبر و الزهد، كما كان يفهمه الأسلاف، ما احتاجوا إلى ذخل فردي و لا إلى مضاعفته خمسة أضعاف. لو كان الأتراك يفكّرون بمنطق "الله وحده أعلم"، ما جنّد الرئيس جحافل من الباحثين في العلوم، كل العلوم. لو تربّى أردوغان في حُُضْن بيئة، أقوامها لا زالت تختلف حول مطالع الهلال الواحد، تراقب بِشَغف ما جادت به قريحة الأعلام من إعجاز قالوا : إنه في القرآن ! لما صنع الأتراك أول قمر إصطناعي، و ل0كْتَفواْ بصَقْل الطائرات على ما بنَتِ الأسْياد من بنيان. حقيقٌ أن أردوغان لبِنةٌ وضعها من قبلُ أرْبكان ! لكن لم تكن تركيا حديثا في هذا الزمان، لو لم يضع "أبُ الأتراك" كل شيء في مكان. و بذلك فإنه لا تكفي أخلاق رجل السياسة و لا عقيدته التي تعنيه وحده، بل لا بد من مؤسسات قوية و مستقلة. و من تمة يأتي البناء القوي بعد التراكمات الصحيحة و الواضحة، تراكمات لم تفرضها حالة ارتباك أو خروج من "قاعة انتظار" إلى حكومات الربيع و رابعة العربية التي يبدو أنها ارتدّت خريفا في كل مكان. أضف إلى ذلك، أن اليمين الفرنسي مثلا، عندما يهاجم اليسارفي فرنسا، يدعوه في تحدّي، إلى خلق الثروة أولا قبل التفكير في حسن توزيعها. و عليه، بمفهوم آخر: يجب التفكير في المدرسة و التراكمات التي هيّأت لهذه الإنجازات في تركيا، قبل إضفاء الطابع الأخلاقي على موجد ثروتها.د.