الماص يقلب الطاولة على الوداد في البطولة الاحترافية    منتخب الكراطي يحصد 20 ميدالية في البطولة العربية    النيابة العامة تحيل سائقي "الطاكسيات" المعتقلين في الرباط على قاضي التحقيق    بعد لقاء الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني.. الرباط ونواكشوط يتجهان لإحياء اللجنة العليا المشتركة بينهما    إحداث 7912 مقاولة في جهة الرباط    بوتين يعتذر عن حادثة تحطم الطائرة الأذرية دون تحميل روسيا المسؤولية    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    وحدة خفر السواحل تواجه عطبا مفاجئا وتعلق بين الصخور    الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان تؤدي مهمتها على أكمل وجه    زياش يشترط على غلطة سراي مستحقاته كاملة لفسخ العقد    حيار: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة لا تتعدى حدود الشريعة الإسلامية    ليكيب: حكيمي والكعبي في التشكيلة المثالية لإفريقيا لعام 2024    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    خنيفرة تحتضن المهرجان الدولي للقصة القصيرة    كلميم..توقيف 394 مرشحا للهجرة غير النظامية    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    القضاء يدين محمد أوزال ب3 سنوات ونصف حبسا نافذا    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    تشديد المراقبة بمحيط سبتة ينقل المهاجرين إلى طنجة    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    الاحتفاء بالراحل العلامة محمد الفاسي في يوم اللغة العربية: إرث لغوي يتجدد    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    سطاد المغربي يهدد صدارة رجاء بني ملال    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الرئيس الموريتاني يجري تغييرات واسعة على قيادة الجيش والدرك والاستخبارات    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه معالم تحدد واقع ومستقبل كل شعوب المنطقة المغاربية
نشر في هسبريس يوم 28 - 07 - 2015

1 دروس تونس المتعددة
يصعب تحديد غاية واحدة لعملية إرهابية كما هو الحال في العملية التي استهدفت سوسة مؤخرا، والتي كان ضحيتها أغلبية أجنبية من جنسيات أوربية، لكن يبدو في نفس الوقت أن الرسالة مختلفة هذه المرة؛ فالإرهاب استعمل الحسابات الداخلية، ويعرف جيدا أن الوحدة التي مثلت قوة تونس هي العقبة الرئيسية أمامه، لذلك فالهدف الأول هو ضرب الوحدة التونسية بعد انتخابات رئاسية ناجحة.
الإرهاب يعلم جيدا أن البناء لا يقوم بالانتخابات وحدها، وأن الاقتصاد هو العمود الفقري للنهضة، وأن هذا الاقتصاد يرتكز على السياحة في جانب مهم منه، وضرب السياحة يعني بدأ التشكيك في كل المسار الذي قطعته تونس ديمقراطيا، وللأسف هناك تراجع حتى من بعض المحيطين بالسلطة يفترض أن مكافحة أقوى للإرهاب تعني تشرنق أكثر بدون ديمقراطية، وهذا أكبر خطأ يمكن أن تسقط فيه تونس.
لذلك أمام التونسيين فسح كبيرة لاستعادة المبادرة، أولا يجب أن يفهموا أن السياحة عامل مخادع لدعم التنمية وهو موسمي وظرفي وجبان، أي أنها مرهونة لعوامل نفسية متقلبة، وهو درس للمستقبل الاقتصادي التونسي.
ثم ثانيا لا يمكن أن نتعامل مع الإرهاب بخوف أكبر، هو يستعمل الهدم وهو أمر بسيط وسهل، والتونسيون يريدون البناء وهي عملية معقدة، إذا الالتفاف للخلف كثيرا سيعطي للأعداء فرص متجددة للفوز وهزيمة نموذج ديمقراطي ناشئ.
لا يجب أن نتساءل ماذا خسرت تونس، بل ماذا يمكن أن تربح أيضا؟ وهو سؤال مستفز في ظل وضع معقد يتسم بالتشكيك في النموذج الديمقراطي، لكنه سؤال ضروري لأن الذي يعتقد أن الإرهاب هو عمل مجموعات تهدف إلى الخلافة واهم، لقد أصبح صناعة قائمة ومتطورة ولها غايات استراتيجية، وهو للأسف، وهذا أمر بديهي، ليس له أي حدود أخلاقية بالمعنى العام للكلمة، وهذا يعني أن الذي يستهدف اليوم هو تونس ونظامها الجديد، والذي لا يجد سندا لا من قوى إقليمية ولا من قوى دولية، الكل يتربص من موقعه بهذه التجربة؛ هناك من يجزع من التنوع السياسي الكبير في تونس، ويعلم أن المياه الصافية ستجعل وجهه البشع ظاهرا للعيان، وهو يعلم أن ذلك يعني نهايته.
لذلك فالسؤال الذي يطرح هو إلى أي حد يمكن اعتبار حزمة قرارات الحكومة والرئاسة متناسبة مع حجم الضرر الذي سببته الأحداث في باردو وسوسة؟
إنها متناسبة إلى حد كبير، تحتاج تونس للحزم وتحتاج للحفاظ على الثقة أيضا، لذلك فالمعادلة ليست سهلة وكلما مالت نحو اتجاه معين كلما عنى ذلك أن الإرهاب انتصر، لأن الانتصار في الفهم الاستراتيجي للإرهاب قائم على خلق التشكيك وانعدام الثقة، ولا يصل إلى مستوى القدرة على التحكم في المسار السياسي العام التونسي، سيكون ذلك من باب العبث، فتونس تستعصي على الإرهاب لأنها ليست كيانا مفككا باعتبارها دولة، وهنا يجب أن نستعين برؤى نظرية، لأن الإرهاب قام على مبدأ أساسي عكسه حتى الجانب اللغوي، أي أنه يريد إقامة "دولة"، وهذا يعني أن الدولة بالمفهوم الحالي المؤسساتي هي غير ناضجة ولا مقبولة من طرف شريحة عريضة من "المواطنين" للأسف، وإقامة المؤسسات والاعتناء بالتنوع والحرية والتداول على السلطة هو الجواب الحقيقي على الإرهاب، وكلما تلاشت قدرة بناء الدولة والثقة بالمؤسسات سينتعش الإرهاب، وتونس مكان مثالي لبناء التحدي من الطرفين، لأن بناء الدولة، كما نشأت بداية مع الفهم الهيجيلي باعتبارها غاية، هو التحدي الرئيس، ويمكن آنذاك أن نستعين بالفهم الخلدوني، لأن البدائل في الثقافة الإسلامية تكون دائما من الهوامش، ولغاية الدفاع وإقامة الشريعة والدفاع عن شوكة الإسلام.
التونسيون يعرفون أن النموذج القائم للدولة على أساس مؤسسات وسيطة اجتماعيا وحقيقية سيكون ردا حاسما، لكنهم يسقطون في نوعين من المخاطر؛ الأول أن هناك قوى ردة كبيرة ولها حنين للماضي القريب ولا تريد أن ترى الديمقراطية والشفافية كأسس للتنظيم، والثاني هو النموذج المجتمعي، لأنه كما يمكن أن يكون التنوع عاملا للقوة يمكن أن يكون عاملا للمجابهة، والمشكل أن الثقافة الديكتاتورية تحتاج دائما لرأس حامي يتقوقع تحته الجميع، وفي تونس المؤسسات بما فيها الرئاسة لا تحوز هذه الرهبة الاجتماعية لأنها تعتبر مؤسسة ضعيفة وناشئة. لكن عموما يمكن أن يكون التحدي هو التوافق في ظل بناء تصور مجتمعي بعد بناء تصور سياسي ديمقراطي.
2- الجدران والإرهاب والأدوار المتجددة للحدود
هل بناء الجدران لحماية حدود تونس الشرقية مع ليبيا يمكنه أن يحد من هجمات إرهابية محتملة؟ وهل ذلك ممكن لباقي الجدران المتعددة في المنطقة المغاربية؟
لا أعتقد ذلك لعدة اعتبارات؛ لأن الجدار بالمفهوم الاستراتيجي يعتبر حاجزا أمام عدو خارجي بامتياز، والتطرف قيمة ثقافية، تقوم على الكمون وانعدام قدرة التحديد الدقيق لمصادر التهديد، لذلك سيبقى لهذا الجدار دور بسيط.
ثم إن الأعمال الإرهابية تطورت لما يمكن أن نسميه استراتيجيا "ما بعد حرب العصابات"، وهي معركة تقوم ضد أشخاص غير مهيكلين، ولا يجمعهم تواصل مباشر، وليست لهم أحيانا أي رؤية موحدة إلا ما يخص الغايات، وأيضا لكون التهديد لا يستقر في الحدود الشرقية لتونس مثلا.
وأعتقد جازما أن الحدود مع الجزائر لا تقل خطورة عن نظيرتها مع ليبيا، وأيضا لا يمكن إسقاط تجارب دول أخرى كالمغرب الذي بنا الجدار الأمني ضد جماعة البوليساريو واستطاع أن يحد من خطورتها العسكرية لأن الأمر كان يعكس في خلفيته رؤى استراتيجية لدول قائمة داعمة لهذا التنظيم آنذاك وعلى رأسها الجزائر وكوبا وليبيا في بداية الصراع، اليوم البناء الاستراتيجي يقوم على تفعيل دور الحدود بشكل إيجابي، لا ننسى أن الغايات التنموية تمر أساسا بإعطاء أدوار متجددة للحدود حتى في وقت الأزمات، لأن الغاية أخيرا هي الحد من عوامل استرزاق الإرهاب، والحصار لن يؤدي إلا إلى انفجارات متتالية غير متحكم فيها، تغذيها الأفكار لكن يسلحها الفقر والحاجة.
الحل هو مزيد من الثقة في الدولة وفي محيطها المندمج، والحال هذه أن الفضاء المغاربي سيكون أكبر رد على الإرهاب، إذا ما استطاعت الدول أن تفهم أن وجوده ذاته رهن بذلك، وإلا فلننتظر أن تتهيأ لمعارك طاحنة ضد الإرهاب، لقد كان أحد الباحثين المغمورين الألمان قد كتب إبان الأزمة الاقتصادية في عشرينيات القرن الماضي شيئا عجيبا وهو"إما اتحاد أوربي أو حرب عالمية ثانية"، واليوم ينطبق ذلك على مرحلة مشابهة في كل العالم الإسلامي والعرب، ومفاده أنه إما دول مستقرة ومندمجة ومحققة للازدهار أو كيانات ميتة ينخرها الإرهاب، وأتمنى أن يتم التقرير قبل فوات الأوان.
بدورها ليبيا تحتاج للانفتاح وليس للجدران، فمجلس ثوار ليبيا التابع لرئاسة أركان المؤتمر الوطني العام بليبيا لديه حسابات داخلية ورهان كبير على القدرة على المناورة في نفس الوقت الذي يجري فيه مفاوضات مع أهم الفصائل الأخرى وهو مجلس نواب طبرق، والرهان الذي يعد أساسيا بالنسبة له هو القدرة على الخروج من الانعزال السياسي في مقابل قوى إقليمية ودولية، وإصرار تونس في نفس الوقت على بناء جدار أمني يعني عدم قدرته على التأثير في الأحداث من جهة وحصاره استراتيجيا من ناحية منافذه من جهة أخرى. لذلك كان رد فعله قويا اتجاه الجدار، واعتبر أن تونس تلعب بورقة الإرهاب لتعزيز أطراف في النزاع الليبي وهو أمر إلى حد ما صحيح، وخطير لأن تونس ليست في حاجة لتبني مواقف مجانية لصالح أطراف سياسية في ليبيا، وعليها أن تحافظ على مسافة واحدة من أطراف النزاع.
3- ليبيا وإشكالاتها
هل “اتفاق الصخيرات” يمكنه أن يرأب الصدع بين الفرقاء السياسيين، خصوصا المحسوبين على برلمان طرابلس؟
لقد وقع اتفاق بالصخيرات بالمغرب بيت الفرقاء الليبيين لكن المشكلة هي القدرة على إقناع القواعد خاصة فيما يخص التشكيلات المؤسساتية وبقاء القوى العسكرية تحت سيطرة البرلمان الذي ليس سوى برلمان طبرق، والخروج من المدن بما فيها طرابلس، وهذا يعد انتحارا استراتيجيا، سيكون من الصعب قبوله، لذلك التبعات على تونس ستكون قريبة، لأنه لا يمكن لمجلس الثوار أن يتبنى الدفاع على أعمال تمس السيادة التونسية لكن يمكن أن يكون ذلك الطريقة الوحيدة لإرسال رسالة للقوى الضاغطة دوليا، وسيكون ذلك كارثيا لأن المنطقة هي كتلة واحدة لا تحتاج للانتقال المادي لتنفيذ عمليات إرهابية بالقدر الذي تحتاج فيه لانتقال فكري وثقافي يعطي الانطباع بالاعتداء على الشريعة وقمعها بليبيا، والتي تماهت مع قوى سياسية على الأرض.
الاتفاق الذي لا تكون معه ضمانات حقيقية للأطراف لن يرى النور عمليا، وسيكون بمثابة إعلان نوايا لا يرقى إلى اتفاق حقيقي، سيعيد الواقع على الأرض الأطراف مرارا وتكرارا إلى مائدة المفاوضات، لأنها ليست عملية بروتوكولية أو احتفالية بل هي مسار يجب أن يحوز قبولا واسعا وبضمانات قوية من أطراف إقليمية ودولية، لا ننسى أن جل المحيط الاستراتيجي الليبي معاد لفكرة إقامة نظام ديمقراطي، وللأسف تونس من الوهن الذي يجعل تحكمها في المسار ضعيفا، ولا تريد خلق عداوات مع قوى إقليمية هي مصر والجزائر التي لا ترى في الأزمة الليبية سوى حل واحد هو إقصاء طرف رئيس في النزال، وهو أمر مدعوم بفوبيا الغرب من الإسلاميين، وسيكون من الصعب على ليبيا الخروج من عنق الزجاجة في ظل هذا الوضع.
لكن لماذا تم الاتفاق في المغرب فيما لم يتم في الجزائر؟ خصوصا بعدما أعلنت الأمم المتحدة عما أسمته الدور المهم جدا الذي اضطلع به المغرب في الدعم السياسي لإنجاز الاتفاق الأولي بين الفرقاء الليبيين، وإشادة الاتحاد الأوروبي بدور المغرب في تسهيل المحادثات بين المفاوضين.
هل كان هناك تفاوض في الجزائر أصلا؟ فهي اعتبرت أن استئثار المغرب بهذه الرعاية سيحرمها من دور أساسي هي أولى به باعتبارها معنية مباشرة بالأزمة، لأنه للأسف ليست هناك رؤى واحدة في المنطقة لحل الأزمة الليبية، وهو أمر كان سيجعل منها منطلقا لبناء فضاء متناغم استراتيجيا على الأقل في أفق بناء اندماج اقتصادي، عموما الجزائر لم تفشل في مسار الحوار وكان لها دور في الوصول إلى تفاهم، لكن المشكلة هي الأدوار اللاحقة وليست السابقة على الاتفاق، بحيث أن بناء مجتمع متسامح واقتصاد فعال ومتناغم والقدرة على نجاح المؤسسات السياسية والأمنية سيكون رهانا أكبر وهو الذي سيحدد دور كل طرف في ليبيا المستقبل.
4- المغرب النموذج في مواجهة أولوية الأمن
المغرب استطاع أن يجد تصورا وبناء استراتيجيا أمنيا فعالا، وهو إن تعرض للإرهاب فلن يكون بنفس الحدة التي تعرفها دول أخرى، وعموما نتمنى ألا يحدث ذلك قط، لكن السؤال هو ماذا أعد المغرب أيضا؟ لأن الإرهاب لا يتغذى فقط على الفقر بل على التهميش وانعدام العدالة بكل تجلياتها.
وهو أمر بدأ يطرح نفسه لأن البدائل السياسية التي جاء بها دستور 2011 يمكن ألا تصمد طويلا إذا تعرضت لتلف في البنية التقدمية التي جاءت بها، وإذا ما بدأت تتراجع أمام عودة الحرس السياسي القديم الذي يبنى على الاعتماد على ما يسمى بالديمقراطيات الانتخابية فيجب دق ناقوس الخطر بشدة؛ أي الظاهرة الانتخابية باعتبارها ظاهرة فرجوية وليست مجالا للاختيار الحقيقي، والتي تستعمل محددي الأعيان والمال للتهديد وبجود قوة غير مرئية تتحكم في مصائر العباد بعيدا عن المؤسسات.
وأنا أعتقد أن هذا الافتراض ليس خيارا لرأس هرم السلطة بالقدر ما هو تعبير عن محاولة انبعاث الشكل القديم للتوزيع السلطوي للقيم القائم على المزايا المباشرة وانعدام المحاسبة، والخطير هو أن ذلك يباعد الفجوة بين المؤسسات والقواعد الاجتماعية، وهنا يكون الخطر في التواصل السياسي الذي لن يقوم على أدوات تقليدية حائزة على المشروعية بما فيها الأحزاب السياسية، وإذاك سيختل الميزان لصالح نمط شبه فوضوي.
لكن لحسن الحظ هذا مجرد افتراض، ويبقى الافتراض الثاني هو السعي نحو إنجاح المسار الديمقراطي المغربي، والحفاظ على القدرة على استيعاب الحاجة الروحية، لأننا لا يجب أن ننسى أن الإرهاب يجعل من دائرة مطالبه السعي لحماية الشريعة.
5- غرداية: احذروا التنوع بلا بدائل عادلة
الحقيقة أن هناك إشكال رئيسي في المنظومة السياسية العربية على الأقل، لأنها تنهل من المنظومة الثقافية السياسية الإسلامية، ومفادها أن هناك خلل حقيقي على القدرة على تدبير الاختلاف؛ فالديمقراطية استطاعت أن توجد قبولا عاما يقوم على تهذيب الصراع، لكن الثقافة الإسلامية، وليس الإسلام، أوجد نوعا من التشنج اتجاه العقيدة والمذهب والطائفة والحزب وغيرها، وهو أمر يسهل معه صناعة الفتنة، لكن ما هو سبب الصراع في غرداية، ولماذا هذه المنطقة؟
لأن الأمر فيه أبعاد كثيرة، من جهة هناك من يفتعل ذلك من منظومة الجزائر الداخلية، وهو يعرف جيدا أن الحاجة إلى الفوضى ترهن وجوده أصلا، وعموما أنا لا أريد أن أفصل في البنية السياسية الجزائرية في هذا المقام، وليس هناك دليل على امتداد الصراع إلى مستويات ثقافية وجودية، لأن المتصارعين ينطلقون من منطلقات غير عقلانية ويعتبرون أن الوجود مرهون بعدمية مقابلة، ويمكن أن تكون المحددات محلية صرفة، قائمة على مفهوم التوزيع الذي ذكرناه سابقا.
ويبقى الأمر الأكيد هو أن هناك استعداد كبير لرفع سقف الفتنة في المنطقة المغاربية، والمسألة الأمازيغية مرشحة بقوة للدخول في معترك الفوضى والعبث، لأن الكبت موجود من منطلقات عديدة ولا يمكن قمعه حتى يستنفذ غاياته التخريبية، وللأسف في مثل هذه الأحوال لا تنفع الديمقراطية لأنها بنية تقوم على قبول التنوع والاختلاف، ونحن أنشأنا ثقافة المطلق الذي لا يعترف بذلك.
وارتباطا بغرداية دائما، للأسف كل قرارات القادة الجزائريين قائمة على فهم أمني صرف، وهو ليس كله خطأ، لكنه لن يكون كافيا خاصة أنها مجرد غشاء يغطي على القدرة على المتابعة الإعلامية، وهو ليس المشكل لأنه يرتكز على تفعيل آليات حقيقية لتكريس الوجود الثقافي المتنوع داخل بنية الدولة، وإلا على الدولة أن تستقيل.
وللأسف البديل الوحيد كارثي وعدمي يقوم على خطى الإرهاب المتربص بكل المنطقة، لذلك أين هي سياسات الدولة منذ الاستقلال؟ لماذا لم تستطع دولة ضحى كل أبنائها بكل تلاوينيهم أن تنتج بنى اجتماعية وسياسية عادلة؟
ولم تصر الجزائر على تكريس الانفصال كما هو الحال بالنسبة للمغرب وتسعى للملمة كل تنوعها في بنية سياسية واحدة، ربما ستصل الجزائر إلى الحائط المسدود وربما قد تكون قد فعلت لكنها لن تستطيع العودة للوراء وسيكون الأمر بنتائج وخيمة غير مقدرة ولا قابلة للتعويض، لذا يمكن للجزائر وكل الدول العربية أن تخرج كل احتياطييها من العسكر وتلقي بقبضتها على مجتمعاتها لكنها لن تكون إذاك سوى عملية بدون جدوى وبدون نتائج سوى تقريب النهاية المحتمة لأننا للأسف لا نملك بدائل لا نظرية ولا عملية.
* أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمّد الأول بوجدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.