جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر        منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    'دير لاين' و'بوريل' يؤكدان التزام الاتحاد الأوروبي بعلاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها انسجاما مع مبدأ 'العقد شريعة المتعاقدين'    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه معالم تحدد واقع ومستقبل كل شعوب المنطقة المغاربية
نشر في هسبريس يوم 28 - 07 - 2015

1 دروس تونس المتعددة
يصعب تحديد غاية واحدة لعملية إرهابية كما هو الحال في العملية التي استهدفت سوسة مؤخرا، والتي كان ضحيتها أغلبية أجنبية من جنسيات أوربية، لكن يبدو في نفس الوقت أن الرسالة مختلفة هذه المرة؛ فالإرهاب استعمل الحسابات الداخلية، ويعرف جيدا أن الوحدة التي مثلت قوة تونس هي العقبة الرئيسية أمامه، لذلك فالهدف الأول هو ضرب الوحدة التونسية بعد انتخابات رئاسية ناجحة.
الإرهاب يعلم جيدا أن البناء لا يقوم بالانتخابات وحدها، وأن الاقتصاد هو العمود الفقري للنهضة، وأن هذا الاقتصاد يرتكز على السياحة في جانب مهم منه، وضرب السياحة يعني بدأ التشكيك في كل المسار الذي قطعته تونس ديمقراطيا، وللأسف هناك تراجع حتى من بعض المحيطين بالسلطة يفترض أن مكافحة أقوى للإرهاب تعني تشرنق أكثر بدون ديمقراطية، وهذا أكبر خطأ يمكن أن تسقط فيه تونس.
لذلك أمام التونسيين فسح كبيرة لاستعادة المبادرة، أولا يجب أن يفهموا أن السياحة عامل مخادع لدعم التنمية وهو موسمي وظرفي وجبان، أي أنها مرهونة لعوامل نفسية متقلبة، وهو درس للمستقبل الاقتصادي التونسي.
ثم ثانيا لا يمكن أن نتعامل مع الإرهاب بخوف أكبر، هو يستعمل الهدم وهو أمر بسيط وسهل، والتونسيون يريدون البناء وهي عملية معقدة، إذا الالتفاف للخلف كثيرا سيعطي للأعداء فرص متجددة للفوز وهزيمة نموذج ديمقراطي ناشئ.
لا يجب أن نتساءل ماذا خسرت تونس، بل ماذا يمكن أن تربح أيضا؟ وهو سؤال مستفز في ظل وضع معقد يتسم بالتشكيك في النموذج الديمقراطي، لكنه سؤال ضروري لأن الذي يعتقد أن الإرهاب هو عمل مجموعات تهدف إلى الخلافة واهم، لقد أصبح صناعة قائمة ومتطورة ولها غايات استراتيجية، وهو للأسف، وهذا أمر بديهي، ليس له أي حدود أخلاقية بالمعنى العام للكلمة، وهذا يعني أن الذي يستهدف اليوم هو تونس ونظامها الجديد، والذي لا يجد سندا لا من قوى إقليمية ولا من قوى دولية، الكل يتربص من موقعه بهذه التجربة؛ هناك من يجزع من التنوع السياسي الكبير في تونس، ويعلم أن المياه الصافية ستجعل وجهه البشع ظاهرا للعيان، وهو يعلم أن ذلك يعني نهايته.
لذلك فالسؤال الذي يطرح هو إلى أي حد يمكن اعتبار حزمة قرارات الحكومة والرئاسة متناسبة مع حجم الضرر الذي سببته الأحداث في باردو وسوسة؟
إنها متناسبة إلى حد كبير، تحتاج تونس للحزم وتحتاج للحفاظ على الثقة أيضا، لذلك فالمعادلة ليست سهلة وكلما مالت نحو اتجاه معين كلما عنى ذلك أن الإرهاب انتصر، لأن الانتصار في الفهم الاستراتيجي للإرهاب قائم على خلق التشكيك وانعدام الثقة، ولا يصل إلى مستوى القدرة على التحكم في المسار السياسي العام التونسي، سيكون ذلك من باب العبث، فتونس تستعصي على الإرهاب لأنها ليست كيانا مفككا باعتبارها دولة، وهنا يجب أن نستعين برؤى نظرية، لأن الإرهاب قام على مبدأ أساسي عكسه حتى الجانب اللغوي، أي أنه يريد إقامة "دولة"، وهذا يعني أن الدولة بالمفهوم الحالي المؤسساتي هي غير ناضجة ولا مقبولة من طرف شريحة عريضة من "المواطنين" للأسف، وإقامة المؤسسات والاعتناء بالتنوع والحرية والتداول على السلطة هو الجواب الحقيقي على الإرهاب، وكلما تلاشت قدرة بناء الدولة والثقة بالمؤسسات سينتعش الإرهاب، وتونس مكان مثالي لبناء التحدي من الطرفين، لأن بناء الدولة، كما نشأت بداية مع الفهم الهيجيلي باعتبارها غاية، هو التحدي الرئيس، ويمكن آنذاك أن نستعين بالفهم الخلدوني، لأن البدائل في الثقافة الإسلامية تكون دائما من الهوامش، ولغاية الدفاع وإقامة الشريعة والدفاع عن شوكة الإسلام.
التونسيون يعرفون أن النموذج القائم للدولة على أساس مؤسسات وسيطة اجتماعيا وحقيقية سيكون ردا حاسما، لكنهم يسقطون في نوعين من المخاطر؛ الأول أن هناك قوى ردة كبيرة ولها حنين للماضي القريب ولا تريد أن ترى الديمقراطية والشفافية كأسس للتنظيم، والثاني هو النموذج المجتمعي، لأنه كما يمكن أن يكون التنوع عاملا للقوة يمكن أن يكون عاملا للمجابهة، والمشكل أن الثقافة الديكتاتورية تحتاج دائما لرأس حامي يتقوقع تحته الجميع، وفي تونس المؤسسات بما فيها الرئاسة لا تحوز هذه الرهبة الاجتماعية لأنها تعتبر مؤسسة ضعيفة وناشئة. لكن عموما يمكن أن يكون التحدي هو التوافق في ظل بناء تصور مجتمعي بعد بناء تصور سياسي ديمقراطي.
2- الجدران والإرهاب والأدوار المتجددة للحدود
هل بناء الجدران لحماية حدود تونس الشرقية مع ليبيا يمكنه أن يحد من هجمات إرهابية محتملة؟ وهل ذلك ممكن لباقي الجدران المتعددة في المنطقة المغاربية؟
لا أعتقد ذلك لعدة اعتبارات؛ لأن الجدار بالمفهوم الاستراتيجي يعتبر حاجزا أمام عدو خارجي بامتياز، والتطرف قيمة ثقافية، تقوم على الكمون وانعدام قدرة التحديد الدقيق لمصادر التهديد، لذلك سيبقى لهذا الجدار دور بسيط.
ثم إن الأعمال الإرهابية تطورت لما يمكن أن نسميه استراتيجيا "ما بعد حرب العصابات"، وهي معركة تقوم ضد أشخاص غير مهيكلين، ولا يجمعهم تواصل مباشر، وليست لهم أحيانا أي رؤية موحدة إلا ما يخص الغايات، وأيضا لكون التهديد لا يستقر في الحدود الشرقية لتونس مثلا.
وأعتقد جازما أن الحدود مع الجزائر لا تقل خطورة عن نظيرتها مع ليبيا، وأيضا لا يمكن إسقاط تجارب دول أخرى كالمغرب الذي بنا الجدار الأمني ضد جماعة البوليساريو واستطاع أن يحد من خطورتها العسكرية لأن الأمر كان يعكس في خلفيته رؤى استراتيجية لدول قائمة داعمة لهذا التنظيم آنذاك وعلى رأسها الجزائر وكوبا وليبيا في بداية الصراع، اليوم البناء الاستراتيجي يقوم على تفعيل دور الحدود بشكل إيجابي، لا ننسى أن الغايات التنموية تمر أساسا بإعطاء أدوار متجددة للحدود حتى في وقت الأزمات، لأن الغاية أخيرا هي الحد من عوامل استرزاق الإرهاب، والحصار لن يؤدي إلا إلى انفجارات متتالية غير متحكم فيها، تغذيها الأفكار لكن يسلحها الفقر والحاجة.
الحل هو مزيد من الثقة في الدولة وفي محيطها المندمج، والحال هذه أن الفضاء المغاربي سيكون أكبر رد على الإرهاب، إذا ما استطاعت الدول أن تفهم أن وجوده ذاته رهن بذلك، وإلا فلننتظر أن تتهيأ لمعارك طاحنة ضد الإرهاب، لقد كان أحد الباحثين المغمورين الألمان قد كتب إبان الأزمة الاقتصادية في عشرينيات القرن الماضي شيئا عجيبا وهو"إما اتحاد أوربي أو حرب عالمية ثانية"، واليوم ينطبق ذلك على مرحلة مشابهة في كل العالم الإسلامي والعرب، ومفاده أنه إما دول مستقرة ومندمجة ومحققة للازدهار أو كيانات ميتة ينخرها الإرهاب، وأتمنى أن يتم التقرير قبل فوات الأوان.
بدورها ليبيا تحتاج للانفتاح وليس للجدران، فمجلس ثوار ليبيا التابع لرئاسة أركان المؤتمر الوطني العام بليبيا لديه حسابات داخلية ورهان كبير على القدرة على المناورة في نفس الوقت الذي يجري فيه مفاوضات مع أهم الفصائل الأخرى وهو مجلس نواب طبرق، والرهان الذي يعد أساسيا بالنسبة له هو القدرة على الخروج من الانعزال السياسي في مقابل قوى إقليمية ودولية، وإصرار تونس في نفس الوقت على بناء جدار أمني يعني عدم قدرته على التأثير في الأحداث من جهة وحصاره استراتيجيا من ناحية منافذه من جهة أخرى. لذلك كان رد فعله قويا اتجاه الجدار، واعتبر أن تونس تلعب بورقة الإرهاب لتعزيز أطراف في النزاع الليبي وهو أمر إلى حد ما صحيح، وخطير لأن تونس ليست في حاجة لتبني مواقف مجانية لصالح أطراف سياسية في ليبيا، وعليها أن تحافظ على مسافة واحدة من أطراف النزاع.
3- ليبيا وإشكالاتها
هل “اتفاق الصخيرات” يمكنه أن يرأب الصدع بين الفرقاء السياسيين، خصوصا المحسوبين على برلمان طرابلس؟
لقد وقع اتفاق بالصخيرات بالمغرب بيت الفرقاء الليبيين لكن المشكلة هي القدرة على إقناع القواعد خاصة فيما يخص التشكيلات المؤسساتية وبقاء القوى العسكرية تحت سيطرة البرلمان الذي ليس سوى برلمان طبرق، والخروج من المدن بما فيها طرابلس، وهذا يعد انتحارا استراتيجيا، سيكون من الصعب قبوله، لذلك التبعات على تونس ستكون قريبة، لأنه لا يمكن لمجلس الثوار أن يتبنى الدفاع على أعمال تمس السيادة التونسية لكن يمكن أن يكون ذلك الطريقة الوحيدة لإرسال رسالة للقوى الضاغطة دوليا، وسيكون ذلك كارثيا لأن المنطقة هي كتلة واحدة لا تحتاج للانتقال المادي لتنفيذ عمليات إرهابية بالقدر الذي تحتاج فيه لانتقال فكري وثقافي يعطي الانطباع بالاعتداء على الشريعة وقمعها بليبيا، والتي تماهت مع قوى سياسية على الأرض.
الاتفاق الذي لا تكون معه ضمانات حقيقية للأطراف لن يرى النور عمليا، وسيكون بمثابة إعلان نوايا لا يرقى إلى اتفاق حقيقي، سيعيد الواقع على الأرض الأطراف مرارا وتكرارا إلى مائدة المفاوضات، لأنها ليست عملية بروتوكولية أو احتفالية بل هي مسار يجب أن يحوز قبولا واسعا وبضمانات قوية من أطراف إقليمية ودولية، لا ننسى أن جل المحيط الاستراتيجي الليبي معاد لفكرة إقامة نظام ديمقراطي، وللأسف تونس من الوهن الذي يجعل تحكمها في المسار ضعيفا، ولا تريد خلق عداوات مع قوى إقليمية هي مصر والجزائر التي لا ترى في الأزمة الليبية سوى حل واحد هو إقصاء طرف رئيس في النزال، وهو أمر مدعوم بفوبيا الغرب من الإسلاميين، وسيكون من الصعب على ليبيا الخروج من عنق الزجاجة في ظل هذا الوضع.
لكن لماذا تم الاتفاق في المغرب فيما لم يتم في الجزائر؟ خصوصا بعدما أعلنت الأمم المتحدة عما أسمته الدور المهم جدا الذي اضطلع به المغرب في الدعم السياسي لإنجاز الاتفاق الأولي بين الفرقاء الليبيين، وإشادة الاتحاد الأوروبي بدور المغرب في تسهيل المحادثات بين المفاوضين.
هل كان هناك تفاوض في الجزائر أصلا؟ فهي اعتبرت أن استئثار المغرب بهذه الرعاية سيحرمها من دور أساسي هي أولى به باعتبارها معنية مباشرة بالأزمة، لأنه للأسف ليست هناك رؤى واحدة في المنطقة لحل الأزمة الليبية، وهو أمر كان سيجعل منها منطلقا لبناء فضاء متناغم استراتيجيا على الأقل في أفق بناء اندماج اقتصادي، عموما الجزائر لم تفشل في مسار الحوار وكان لها دور في الوصول إلى تفاهم، لكن المشكلة هي الأدوار اللاحقة وليست السابقة على الاتفاق، بحيث أن بناء مجتمع متسامح واقتصاد فعال ومتناغم والقدرة على نجاح المؤسسات السياسية والأمنية سيكون رهانا أكبر وهو الذي سيحدد دور كل طرف في ليبيا المستقبل.
4- المغرب النموذج في مواجهة أولوية الأمن
المغرب استطاع أن يجد تصورا وبناء استراتيجيا أمنيا فعالا، وهو إن تعرض للإرهاب فلن يكون بنفس الحدة التي تعرفها دول أخرى، وعموما نتمنى ألا يحدث ذلك قط، لكن السؤال هو ماذا أعد المغرب أيضا؟ لأن الإرهاب لا يتغذى فقط على الفقر بل على التهميش وانعدام العدالة بكل تجلياتها.
وهو أمر بدأ يطرح نفسه لأن البدائل السياسية التي جاء بها دستور 2011 يمكن ألا تصمد طويلا إذا تعرضت لتلف في البنية التقدمية التي جاءت بها، وإذا ما بدأت تتراجع أمام عودة الحرس السياسي القديم الذي يبنى على الاعتماد على ما يسمى بالديمقراطيات الانتخابية فيجب دق ناقوس الخطر بشدة؛ أي الظاهرة الانتخابية باعتبارها ظاهرة فرجوية وليست مجالا للاختيار الحقيقي، والتي تستعمل محددي الأعيان والمال للتهديد وبجود قوة غير مرئية تتحكم في مصائر العباد بعيدا عن المؤسسات.
وأنا أعتقد أن هذا الافتراض ليس خيارا لرأس هرم السلطة بالقدر ما هو تعبير عن محاولة انبعاث الشكل القديم للتوزيع السلطوي للقيم القائم على المزايا المباشرة وانعدام المحاسبة، والخطير هو أن ذلك يباعد الفجوة بين المؤسسات والقواعد الاجتماعية، وهنا يكون الخطر في التواصل السياسي الذي لن يقوم على أدوات تقليدية حائزة على المشروعية بما فيها الأحزاب السياسية، وإذاك سيختل الميزان لصالح نمط شبه فوضوي.
لكن لحسن الحظ هذا مجرد افتراض، ويبقى الافتراض الثاني هو السعي نحو إنجاح المسار الديمقراطي المغربي، والحفاظ على القدرة على استيعاب الحاجة الروحية، لأننا لا يجب أن ننسى أن الإرهاب يجعل من دائرة مطالبه السعي لحماية الشريعة.
5- غرداية: احذروا التنوع بلا بدائل عادلة
الحقيقة أن هناك إشكال رئيسي في المنظومة السياسية العربية على الأقل، لأنها تنهل من المنظومة الثقافية السياسية الإسلامية، ومفادها أن هناك خلل حقيقي على القدرة على تدبير الاختلاف؛ فالديمقراطية استطاعت أن توجد قبولا عاما يقوم على تهذيب الصراع، لكن الثقافة الإسلامية، وليس الإسلام، أوجد نوعا من التشنج اتجاه العقيدة والمذهب والطائفة والحزب وغيرها، وهو أمر يسهل معه صناعة الفتنة، لكن ما هو سبب الصراع في غرداية، ولماذا هذه المنطقة؟
لأن الأمر فيه أبعاد كثيرة، من جهة هناك من يفتعل ذلك من منظومة الجزائر الداخلية، وهو يعرف جيدا أن الحاجة إلى الفوضى ترهن وجوده أصلا، وعموما أنا لا أريد أن أفصل في البنية السياسية الجزائرية في هذا المقام، وليس هناك دليل على امتداد الصراع إلى مستويات ثقافية وجودية، لأن المتصارعين ينطلقون من منطلقات غير عقلانية ويعتبرون أن الوجود مرهون بعدمية مقابلة، ويمكن أن تكون المحددات محلية صرفة، قائمة على مفهوم التوزيع الذي ذكرناه سابقا.
ويبقى الأمر الأكيد هو أن هناك استعداد كبير لرفع سقف الفتنة في المنطقة المغاربية، والمسألة الأمازيغية مرشحة بقوة للدخول في معترك الفوضى والعبث، لأن الكبت موجود من منطلقات عديدة ولا يمكن قمعه حتى يستنفذ غاياته التخريبية، وللأسف في مثل هذه الأحوال لا تنفع الديمقراطية لأنها بنية تقوم على قبول التنوع والاختلاف، ونحن أنشأنا ثقافة المطلق الذي لا يعترف بذلك.
وارتباطا بغرداية دائما، للأسف كل قرارات القادة الجزائريين قائمة على فهم أمني صرف، وهو ليس كله خطأ، لكنه لن يكون كافيا خاصة أنها مجرد غشاء يغطي على القدرة على المتابعة الإعلامية، وهو ليس المشكل لأنه يرتكز على تفعيل آليات حقيقية لتكريس الوجود الثقافي المتنوع داخل بنية الدولة، وإلا على الدولة أن تستقيل.
وللأسف البديل الوحيد كارثي وعدمي يقوم على خطى الإرهاب المتربص بكل المنطقة، لذلك أين هي سياسات الدولة منذ الاستقلال؟ لماذا لم تستطع دولة ضحى كل أبنائها بكل تلاوينيهم أن تنتج بنى اجتماعية وسياسية عادلة؟
ولم تصر الجزائر على تكريس الانفصال كما هو الحال بالنسبة للمغرب وتسعى للملمة كل تنوعها في بنية سياسية واحدة، ربما ستصل الجزائر إلى الحائط المسدود وربما قد تكون قد فعلت لكنها لن تستطيع العودة للوراء وسيكون الأمر بنتائج وخيمة غير مقدرة ولا قابلة للتعويض، لذا يمكن للجزائر وكل الدول العربية أن تخرج كل احتياطييها من العسكر وتلقي بقبضتها على مجتمعاتها لكنها لن تكون إذاك سوى عملية بدون جدوى وبدون نتائج سوى تقريب النهاية المحتمة لأننا للأسف لا نملك بدائل لا نظرية ولا عملية.
* أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمّد الأول بوجدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.