لم يكن أمام إعلامنا المترهل وهو يرى الاستغلال البشع ل"صور بريئة" ضد وحدتنا الترابية إلا أن يشن حملة شعواء لا هوادة فيها ضد مرتزقة (البوليزاريو) ومن دعمهم في هذه المسرحية من الإعلام الإسباني ومواقف الجزائر الرسمية؛ واليوم تتكرر "صور غير بريئة" –وهي عديدة- تشوه الحقيقة وتتعسف على الواقع وتصوغ أطروحات لا تقل خطورة عن تلك التي تدعو إلى الانفصال؛ لكن من دون أن يتحرك –هذه المرة- المسؤولون الحكوميون والحزبيون الذين يطنبون آذان المتابعين والمتتبعين بلغتهم الركيكة وهم يعبرون عن سخطهم واستهجانهم لهكذا استغلال وتوظيف إعلامي ل"صورة"، مجرد صورة! في الوقت الذي يقوم فيه "المرتزقة الجدد" بمجزرة دموية في حق السياسة المغربية ويغتالون الديمقراطية ويجهزون على المكتسبات الحقوقية ويوظفون مؤسسات الدولة وكافة أجهزتها، مستغلين في مسرحياتهم المحبوكة كل الواجهات المتاحة سواء التنفيذية منها أو التشريعية أو القضائية، وصور الواقع -في هذا الصدد- غنية عن كل وصف في أعين الشهود ! أصالة الاستقواء : عنصر "الاستقواء" المادي والمعنوي أصيل في كل المرتزقة، وواقع (البوليزاريو) في هذا المجال غني عن الذكر، لكن يكفي أن نشير إلى حجم الدعم الذي تتلقاه من دول تدعي تبنيها لمواقف مبدئية تجاه "قضايا مزعومة"، هذا الحجم من الدعم المعنوي والمادي يبلغ مداه درجة فرض الأمر الواقع على مواقف الحكومات التي تجد نفسها غير قادرة على السير عكس تيار الرأي العام ذي الوعي المقولب-الموجه. في المغرب الحبيب، يثير "المرتزقة الجدد" الكثير من "القضايا المزعومة" ويستقوون في ترويجها بكافة عناصر الدعم المادي والمعنوي، فتراهم يستغلون الإعلام لصياغة الرأي العام على المقاس، وتحضيره لتقبل نتائج حساباتهم الانتخابية الخاصة التي يبدو أنها لن تحسم في صناديق الاقتراع، وهو الاستغلال الذي أزكم الأنوف وأدمع الأعين لدرجة دفعت "الهاكا" إلى إدانة القنوات العمومية والخاصة –على السواء- في خرقها لمبدئي التعددية والإنصاف. وتعلمون من حل على رأس اللائحة في المستفيدين من البرامج والتغطيات التي تجرى تحت الطلب! كما أن "المرتزقة الجدد" لا ينفكون عن التمسح بمؤسسات الدولة، والتحكم في أجهزتها التي يفترض أن تكون هي ضمانة الاستقرار بحيادها، وهم بذلك يفرضون أمرا واقعا قلما تجد من ينتفض ضده ولو من أجهزة الدولة ذاتها، لتكتسي في تحركها طابع العصمة الموجب لتنفيذ كل الأوهام التي تصدرها قياداتها المجالية. وأمثلة انصياع كثير من رجال السلطة لمسؤولي الوافد الجديد لا حصر لها، وكذلك هي حالات الثبور والويل الذي لحق شرفاء المسؤولين والنزهاء منهم. ثالثة الأثافي في هذه "الأصالة"، أصالة الاستقواء طبعا! نخصصها للاستقواء المادي، ولندع الجوانب اللوجستيكية الحاسمة، ولنقتصر على الجزء المالي هاهنا مع غض الطرف عمن اختاروا طواعية أن يكونوا "مرتزقة" لحماية مشاريعهم وتنفيذ مخططاتهم، ويضخون –في سبيل ذلك- ملايين الدراهم بسخاء سترا لفسادهم وزكاة لعوراتهم المالية (وقد يدفعون أكثر لإسكاتنا)، ولكم –معشر القضاة/القراء- أن تتصوروا حجم الرواج في هذه البورصة إذا كان قطاع تنظيمي متوسط المساحة يستحق مليار ومائتي (200) مليون سنتيم لحرث قطعة سياسية وتدبير شؤونها الحزبية، ولكم أن تتصورا أيضا حجم الدعم للوالد إذا كان المولود يستأثر بخمسين (50) مليون سنتيم ب"التبريحة والعلالي" من أموال الشعب بمجرد أن يخرج للوجود ولو ميتا! المنازعات المعاصرة : لعل النزاع حول صحرائنا المغربية أضحى -اليوم- متجاوزا بعد المبادرة الشجاعة للحكم الذاتي، وبروز أصوات مؤيدة للمقترح المغربي من داخل جبهة المرتزقة رغم التضييق والإقصاء الذي يعانيه المؤيدون، ولعل عودة أفواج المحتجزين من جحيم تندوف إلى أرض الوطن يشكل أحد العلامات الدالة في سياق الانفراج الذي يعرفه المشكل المفتعل. ولا يهمنا في هذا الصدد بالذات تكرار الأحداث الشاخصة للعيان، لكن ما يحرك تشخيصنا للوضع هي تلك النقاط التي تتقاطع بين المرتزقة –حيثما وُجدوا- في تدبيرهم للتنازع حتى لا نقول الاختلاف؛ لأن المرتزقة لا يؤمنون بالتنوع الذي يجسده اختلاف الأفكار والتصورات، بل قناعة كل مرتزق الراسخة هي أنا (السفلى وليس حتى العليا) ومن بعدي الطوفان، وإلا لما كان مرتزقا من الأصل! وهنا مكمن "داء الارتزاق"، خاصة في ثوبه الجديد! الأخطر –اليوم- في النزاعات المفتعلة على الساحة السياسية، لا تتمثل في منازعة الوطن على سيادته في أراضيه، وإنما في تبخيس سلطان الدولة وتقزيم هيبتها وتهميش قوانينها بشكل غير مسبوق وبصورة تحمل في طياتها العديد من الآليات المعاصرة، تبتدئ بسرقة شعار سامٍ عرف به العهد السابق، ولا تنتهي عند نسبة منجزات العهد الحالي لبعض مؤسسيها كما يروج بعض الدجالين السياسيين. منازعة الدولة على سيادتها يتجسد –اليوم- في احتلال الأرض وإرادة مواطنيه من خلال ادعاء تمثيلية شعبية وامتداد عضوي لا وجود له في الواقع، ليتم تعويضه بمحاولات احتلال المشهد السياسي في أفق الاستئثار بتدبيره الأحادي، والاستفراد بالفاعلين السياسيين وإضعاف وجودهم الحيوي وتشويه سمعتهم لدى الرأي العام، وهو الاحتلال الذي يدفع مهندسي "الارتزاق الجديد" إلى نهج سياسة التضييق والإقصاء والاستئصال بكافة الوسائل، فكانت البداية بجبهة تدعي احتواء كل الديمقراطيين بشكل يحاكي –في الاشمئزاز الحسي- جبهة المرتزقة التي تدعي تمثيل كل الصحراويين! ومرت بابتزاز من تملك الدوائر المعلومة ملفاتهم العجيبة لتحتجز ولاءهم قسرا وأصواتهم عنوة لصالحها في قبتي البرلمان كما يحتجز صحراويو تندوف على أرض صحرائنا الشرقية، وهاهي –اليوم- تصنع من قياديي العدالة والتنمية "مصطفى سلمي الداخل" وتمهد للصدمة القادمة بالإجهاز النهائي على ضحاياها المعنويين. إن مصادرة الحريات الفردية والجماعية، وتقويض مكتسبات الدولة وضرب سمعتها عرض الحائط، لَيبرهنُ عن قمة "الارتزاق" المعاصر، ولعله يصوغ نظريات جديدة في علم السياسة تنضاف لقائمة النماذج التاريخية المعروفة في الاستبداد والطغيان والفجور السياسي، والذي لا تنتهي فصوله إلا بخاتمة كتلك التي طالت "ابن علي" من ذل وهوان، وبحجم ما تستحقه أنانية التحكم ونزعة التفرد والاستئثار المقيت. ولا أعتقد أن هناك من علامة نذير بهذا الزخم لمن كان يملك منطقا يسنده القانون والعقل والمروءة.. وأيها "المرتزقة الجدد" إنكم إلى زوال! وسيحيا شعار الوطن في قلوبنا ضدا على عبثكم السياسي وكبتكم الذي يطال رقبانا!