درس التسيير المالي وتدبير المقاولات، قبل أن يلتحق للعمل كموظف بالمجلس البلدي لمدينة آمسفورد الهولندية. يرأس ابن فاس إدارة واحد من أهم المهرجانات الموسيقية بأوربا، كما تعتبره الصحافة الهولندية "مخطّطا حكيما" لمهرجان "موسيقى العالم" والذي تشرف عليه مؤسسة "آرتغانزا" للإنتاجات الثقافية. يتحدث حسن العمّوري في هذا الحوار عن رأيه في وضعية المشهد الثقافي المغربي، عن بعض مواقفه من الحالة الإبداعية الرّاهنة وعن طموحه الفني بشكل عام. سؤال: حدّثنا عن بدايات علاقتك بالموسيقى منذ رحيلك من المغرب وحتى استقرارك النهائي بأوربا؟ العمّوري: علاقتني بالموسيقى تشبه علاقة الجسد بالفيتامينات، فهي كل شيء بالنسبة لوجودي وبدونها يكون مزاجي منزعجا، كما أنها تمنحي الجهد الكافي للاجتهاد في الحياة. وعندما أقول الموسيقى فإني أقصد موسيقى العالم. في حياتي، قبل السفر إلى هولندا كنت محاطا بالموسيقى طول اليوم داخل المقاهي وفي الساحات العامة وكنت أحس بنبض الناس في النوتات. صحيح أنّ الموسيقى كانت بالنسبة إليّ تجربة عادية، وسطحية ربّما، لكن علاقتي بها توطدت وأصبحت أتخصص في الأصول الموسيقية وأعي جذورها. حملت معي هذا الغنى إلى أوربا حيث أحسست حقا بقيمة التنوع فطمحت لتأسيس مشروعي للتعبير عن تقديري للفن. سؤال: تطمحون إذن، عبر أنشطتكم في منظمة Arteganza لإعادة الاعتبار للفن كمحرّك للحوار بين الثقافات؟ العمّوري: تحقيق السلم والتواصل والحوار لا يمكن أن يتأتى دون الاعتراف بوجود الآخر وتجواز ثقافة الالغاء والتذويب التي نهجها الغرب مطولا وحولها إلى تهجين كبير للثقافات الأخرى عبر جعلها نماذج فولكلولية. ضروري إذن وحري بنا معاجلة الأمور بجدية والاشتغال بحثيا لجعل الفوارق أمرا طبيعيا وجماليا وليس قدحيا. كل هذا يغني الحضارة الإنسانية ويعيد الاعتبار للفن وللفنانين باعتبارهم مرايا تعكس هموم الشعب وتطلعاته. سؤال: تُشكل الجوانب النظرية مسألة أساسية لتجاوز الحساسيات الثقافية، لكنكم واعون كذلك بالجانب التطبيقي، أي بأهمية إنشاء حلقات ربط فعلية وعملية من أجل تجذير رؤيتكم وأهدافكم. ما الذي قمتم به لحدّ الآن؟ العمّوري: نعم، هذا صحيح. نستهدف حاليا خلق مجالات للاحتكاك الإنساني بين الطلبة والفنانين والباحثين في الغرب والعالم العربي، ومالغرب على وجه الخصوص. كان آخرها لقاء تواصلي بين مبدعين شباب من معهد الفنون الجميلة (تطوان) ومتخرجّين جدد من معهد الفنون بآمسفورد: اجتمعت المجموعة المكونّة من 18 شابا، مغاربة وهولنديين، في المرحلة الأولى بمدينة فاس داخل بيت واحد، فيما أضحى يعرف بالإقامة الثقافية؛ قمنا بعدة أنشطة بساحة أبي الجنود ومجموعة من أزقة المدينة العتيقة، كما أقمنا ندوة حوارية مع طلبة بعض المعاهد هناك، في محاول لتحريك المشهد قليلا. أما المرحلة الثانية فنقلت أعضاء الفوج المغربي إلى هولندا، في قلب مدينة آمسفورد، لعرض إبداعاتهم والتفاعل مجددا مع زملائهم الهولنديين. سؤال: هل يلعب الإعلام الدّور الموكل إليه لإبراز أنشطتكم؟ العمّوري: لا يواكب الإعلام العربي الأحداث الفنية في هولندا، فقد هاجر معظم الفنانين العرب بسبب الحروب والأزمات السياسية وهم محتاجون لتسليط الضوء على ما يقومون به. ولقد فتحنا بوابات على الأنترنت ننشر فيها كل الأحداث الفنية التي ننظمها ومع ذلك ليس هنالك مواكبة. مواجهة التيارات اليمينة بتصورات منفتحة تحتاج لتقريب الثقافات نعم لكن ضروري أن يدخل الإعلام في المعادلة ليخبر الناس بما يجري من حولهم. قد تكون هنالك رغبة أو إرادة معينة لكن غالبا ما تحدث مشاكل: فقد حضرت ذات مرة القناة الثانية لمهرجاننا لكن التغطية كانت منقوصة ولم تأخذ بعين الاعتبار مجهوداتنا كنظمين ولم يحترم اهتمام المشاهد المغربي بمعلومات إضافية، ربما يتعلق الأمر بضيق مواقيت البرمجة ونحن نتأسف بشدة لهذا التقشف. سؤال: كيف راودتك فكرة إطلاق مهرجان "موسيقى العالم" وما هي الدواعي الرئيسية من وراء تنظيمه؟ العمّوري: الموسيقى نوع من التواصل الثقافي فهي تمنح طبعة خاصة، بجانب الأفكار والأحاسيس، للحوار والتواصل. التناغم بين الإنسان والموسيقى هو تعبير ضمني عن علاقة وطيدة تجمع بين الإنسان والثقافة في الأصل. وحينما نسمع الموسيقى المختلفة فيما بيننا يحصل احترام كبيرا بين الثقافات ولهذا يأتي مهرجاننا كمنصة لخلق المعرفة بين الثقافات المتعددة. تأسس المهرجان على أسس اعتيادية لا تقيد الإنسان بالبروتوكولات الاجتماعية وتحقق التنوع في الجماهير إكليل ورد كمرآة تعكس الثقافات الجميلة التي تحتضنها هولندا: فجميع أنواع الفن موجودة في كل الثقافات وتمنح لكل ثقافة لونا، لكن مؤسستنا تلحظ بقلق أن هذه الروابط الثقافية تشهد تباعدا عن قصد أو غيره وبالتالي يصبح دورنا هو لملمة هذه التجاذبات والتعريف بها وتشبيكها. سؤال: لماذا اخترم مدينة آمسفورد دون غيرها من المدن الهولندية الأخرى؟ علما أنّ أمستردام أو روتردام مليئة بالمهاجرين من كل الجنسيات أيضا! العمّوري: آمسفورد مدينة النغمة، هكذا أسمّيها، وبالتالي كانت إضافة مهرجان آخر تعزيزا لهذه الرؤية الجمالية. تجدر الإشارة إلى أن المهرجانات الأخرى داخل المدينة مخصصة لثقافة بعينها مثل Dias latinos وهو يمنحنا دفءًا للمدينة لكنه يعبر عن ساكنة منطقة بعينها، ونفس الأمر بالنسبة لمهرجان الجاز الذي أصبحت له مكانته الخاصة. لكننا نحن نعطي اهتماما للموسيقى العالمية برؤية مغايرة ومختلفة فمهرجاننا يعطي للإبداعات الأصيلة من مختلف بقاع العالم الصفاء اللازم للعرض والتفاعل مع الجمهور الهولندي. ونأتي كذلك بتجارب من الموسيقى المعاصرة، لكننا نتلافى موسيقى المزج. ونمنح بذلك فرصة للفنانين للتعبير عن ذواتهم وعن تجاربهم الخاصة والحديث عن الماضي الذي هو أساسي ومهم وعن حاضره الفني الذي يرطبنا بالمستقبل. (البرمجة بالموضوعات: خلال سنة 2010 تم الاشتغال على إسطنبول باعتبارها عاصمة للثقافة الأوربية قصد منحها إشعاعا داخل محيطها المتوسطي - سنة 2011: الأسفار وموسيقى الرّحل). سؤال: كيف تنظر إلى العمل بالحقل الثقافي والفني في المغرب؟ العمّوري: في المغرب، وحتى خارجه، أصبح الاشتغال بالثقافة مثل التسول علما أنها انتماء وعلى الجميع أن يدافع عنها ويستثمر فيها، لهذا السبب طورنا تصورا جديدا لدمج الثقافة في المعطيات الاقتصادية والتجارية لتفادي سد الأبواب في أوجه المبدعين (أي عبر التسويق). للأسف تحوّل التراث الوطني إلى سلعة تباع داخل الكاباريهات التي أصبحت في قيمة المسارح بالغرب. علينا التشجيع على الاستثمار في الثقافة واحترامها في نفس الوقت كذوق إنساني عبر إشراك المؤرخين والمتخصصين في الفنون والأدب والحرف التقليدية للحديث عن الجمالية من مناحيها النقدية داخل البازارات التي تقدم الفن على اعتبار أنها متاحفنا اليتيمة التي تقدم التراث الوطني. سؤال: قبل أسابيع قليلة انطلق عام جديد قد يكون مليئا بالبهاء والجمال، كما قد يباغتنا بكثير من الأحزان والقبح. ما هو سلاحكم الحياتي لبداية وإنهاء السنة الجديدة بخير وعلى خير؟ العمّوري: نريد أن نخلق، هذا سلاح المبدعين الوحيد. سننتج ونبرمج ونوزع الثقافات عبر برامج فنية من أجل تحقيق تبادل إيجابي بين المجتمع وثقافات الناس الذين يسكونه لكي يتمكن الجميع من التعايش معا وتزدهر. لم شمل الفنون كلها، أو على حدى، وتقديمها للناس بغاية تمكين الجميع من الفن والثقافة فبالمعرفة نعرف أكثر. الاشتغال عبر لقاءات يلتئم فيها الجميع دون فوارق من أجل خلق علاقات مبنية على الثقة وأساسها الفن بكل أشكاله وألوانه. إحياء الثقافات وتحيينها بصورة دينامية حتى لا تدخل الأرشيف: المراهنة على الشباب والانفتاح على مبدعين غير غربيين مع مراعاة متطلباتهم لفتح قنوات حوار بينهم وبين الإنسان العادي فتصبح الثقافة دافعا أساسيا للمجتمع بل وفي قلب اهتمامته. نأمل توسيع هذه النماذج اللونية للثقافة وتقوية جودتها وإعطاءها ما تستحق من مكانة باعتبارها ثقافة مولّدة تعطي فرص للناس ليصبحوا أثاثا جميلا في متحف المجتمع، عوض التكمل عن الاندماج وما شابه. *عن سؤال المغربية