لا يتعلق الأمر ببطلي رائعة شكسبير الخالدة،ولكن بروميو وجولييت من نوع آخر قامت قصة حبهما على صدور شعب بأكمله،جنسيتهما تونسية واجزم ان تونس الجميلة تتبرأ من دمهما،إنهما بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي اللذان رحلا بعدما أذلهما وطردهما الشعب التونسي وبعدما زادت فرنسا في إذلالهما ورفضت استقبالهما فلم يكن العون إلا من طاغية آخر يسمي نفسه بخادم الحرمين الشريفين،هو طرد بالمعنى الحقيقي للكلمة،طرد نظام فاسد من طرف شعب حر آمن بمقولة شاعره العظيم أبو القاسم الشابي الذي انشد أنشودته الخالدة منذ عشرات السنين،ولم يعلم أنها ستصلح ليوم تاريخي في تونس هو يوم السبت 15 يناير حيث أطاح الشعب التونسي بدكتاتور طاغية قتل الحرية والسياسة في تونس وبزوجته الجميلة التي أحكمت قبضتها على الاقتصاد فحولت الشعب التونسي الى شعب فقير مقابل اغناء أقربائها.. هي نهاية حاكم مستبد في أبشع أنواع الذل والهوان،حاكم يستلطف شعبه بالوعود الكاذبة التي لم تزد التوانسة إلا إصرارا على مزيد من النضال والسير نحو الأمام،حاكم لم يكن فقط عدوا لشعبه بل كان عدوا حتى للقضية الفلسطينية وكلنا نعلم عندما منع خروج الجماهير التونسية للتظاهر ضد جرائم إسرائيل بحق أهالي غزة،بل ومنع شعبه حتى من جمع المعونات من اجل أشقائهم،وهي أيضا نهاية حاكمة أعطت نموذجا سيئا عن المرأة العربية التي طالما حلمت الجمعيات النسائية بواحدة مثلها تصل الى مثل مكانتها من اجل الدفاع عن قضايا بنات جنسها،فكان العكس ودافعت فقط عن حزب نفخ الصدور وتبييض الوجوه،وهذا ليس بغريب على نكافة أتت للحكم عن طريق تضاريس جسدها وليس عن طريق حكمتها ورزانتها.. منذ سنوات وأنا أعجب لحال تونس،في كل مرة أمر على القنوات التونسية لا أجد سوى برامج الترفيه وسهرات الرقص،لدرجة ان تحولت تونس في نظري الى مجرد واحة ترفيهية قياسا بصغر مساحتها رغم أنني كنت اعلم ان الشعب التونسي متعلم وواعي،فبدل البرامج التثقيفية والحوارات السياسية الحقيقية حاول بن علي إسكات شعبه بسياسة التمييع،فجعل من تونس نموذجا لفرنسا من الخارج حيث الحرية الجنسية والمنع التام للرموز الدينية ونسي ان الاقتداء بفرنسا يكون باقتباس الجذور وليس بصناعة القشور.. تونس الجميلة حولها النظام الفاسد الى مستنقع سياحي يظهر جميلا من الخارج ومقززا من الداخل،والدليل على ذلك ان مدن تونس الشمالية مثل تونس العاصمة وبنزرت والجزيرة الجنوبية جربة وغيرها من المدن التي تستقبل السياح كانت تعيش في نعيم سطحي تظهره المركبات السياحية والشواطئ الذهبية والمطاعم الفاخرة،أما المدن الموغلة في العمق الصحراوي فكان سكانها يعيشون في فقر مدقع لدرجة ان احدهم قبل حوالي سنتين أظهرته عدسات التلفزة وهو يتناول غذائه من حاويات القمامة،وزاد حقيقة هذه الصورة مشهد الشهيد البوعزيزي وهو يحرق نفسه بعدما حرمته السلطة ليس فقط من حقه في التوظيف ولكن حتى من حقه في العيش بكرامة.. دروس عديدة تستفاد من ثورة الشعب التونسي،فبالإضافة الى صمود ونضال الشعب من اجل تحقيق مطلب تنحية الرئيس،نجد حكمة الجيش التونسي الذي تدخل من اجل المواطنين ورفض إطلاق ولو رصاصة واحدة ضد هذا الشعب،وليس مثل اغلب الجيوش العربية التي لا تتورع عن قتل شعوبها بإشارة من زعمائها المدجنين،ونجد أيضا وحدة المعارضة التونسية إسلاميين واشتراكيين الذين توحدوا جميعا ضد الطاغية،كما نكتشف نفاق الأنظمة الديمقراطية الغربية التي ما ان سقطت البقرة حتى اتجهت نحوها بسكاكينها،فأمريكا احترمت قرار الشعب التونسي ودعت الدول العربية الى مزيد من الانفتاح على الديمقراطية رغم أنها كانت في وقت سابق تبارك مثل هذا النظام،وفرنسا لم تقطع حبل النجدة عن بن علي إلا عندما قاطعه شعبه في إشارة واضحة على ان الحامي الحقيقي للحكام العرب هم شعوبهم وبدون هذه الحماية قد يصبحون كالكلاب الضالة التي يتأفف الجميع من استقبالها.. بعدما عنونت مقالي الأخير بسنة الكوابيس،تأتي هذه الانتفاضة في بداية 2011 كفأل خير على الأمة العربية بسنة جديدة تنسينا خيباتنا المتتالية وتمنينا بغد أحسن،فالشعب التونسي حرك الكرامة العربية التي رقدت كثيرا في منفضات الرماد،والثورة التونسية قدمت الدليل الأكبر على ان عهد الديكتاتورية العربية بدأ بالزوال،فقط أتمنى جاهدا ان تكمل الحكومة التونسيةالجديدة نضال الشعب لتبني نموذجا عربيا حقيقيا للديمقراطية إما قد يصيب بقية الحكام العرب بالغيرة فيتنازلون عن عروشهم ،وإما ان يصيب بقية الشعوب العربية بالعدوى فينقلبون على حكامهم ومنهم مهرج قال ان على الحكومة التونسيةالجديدة ان تتبع النموذج الديمقراطي الليبي ان هي أرادت تحقيق التنمية لبلادها.. في الحقيقة أكثر شيء سأحن إليه لو تم إسقاط نظام هذا الرجل-وكم أتمنى ذلك-هو كلامه السخيف الذي يصيبك بالقهقهة وليس فقط بالضحك.. [email protected] http://www.facebook.com/ismailoazzam