الرئيس الإيراني يقيل نائبا له بسبب "رحلة ترفيهية في القطب الجنوبي"    مولر يعلن الرحيل عن بايرن ميونيخ    لجنة دعم المهرجانات والتظاهرات السينمائية تدعم 29 مهرجانا وتظاهرة بمبلغ 6 ملايين و770 ألف درهم    توماس مولر يعلن رحليه عن بايرن ميونيخ في نهاية الموسم بعد مشوار دام 25 عاما    كيوسك السبت | الحكومة معبأة لتنزيل القانون المتعلق بالعقوبات البديلة خلال غشت المقبل    بنك المغرب: الدرهم ينخفض مقابل الدولار    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    الوزيرة السغروشني تسلط الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز مكانة إفريقيا في العالم الرقمي (صور)    فشل محاولة ''حريك'' 3 لاعبين من المنتخب الأوغندي للفتيان خلال إقامتهم بكأس إفريقيا بالجديدة    جانح يهشم زجاج 06 سيارات بحي القلعة بالجديدة .    بورصة وول ستريت تهوي ب6 بالمائة    مشاركة مغربية بصالون الفرانكفونية    وقفة مغربية تدين الإبادة الإسرائيلية في غزة و"التنفيذ الفعلي" للتهجير    شراكة ترتقي بتعليم سجناء المحمدية    ‪تبادل للضرب يستنفر شرطة أكادير‬    "لبؤات الأطلس" يهزمن تونس بثلاثية    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    الإعلام البريطاني يتغنى بحكيمي: قائد حقيقي يجسد التفوق والتواضع والإلهام    ضربة جوية مغربية تسفر عن مقتل أربعة عناصر من "البوليساريو" شرق الجدار الأمني    الطقس غدا السبت.. تساقطات مطرية ورياح قوية مرتقبة في عدة مناطق    حادث سير يُصيب 12 جنديًا من القوات المسلحة الملكية بإقليم شفشاون    حزب الحركة الشعبية يصادق على أعضاء أمانته العامة    في منتدى غرناطة.. عبد القادر الكيحل يدعو إلى تعبئة برلمانية لمواجهة تحديات المتوسط    مديونة تحتضن الدورة الرابعة من "خطوات النصر النسائية"    أسود القاعة ضمن الستة الأوائل في تصنيف الفيفا الجديد    ترامب يبقي سياسته الجمركية رغم الإجراءات الانتقامية من الصين    تطورات جديدة في ملف بعيوي والمحكمة تؤجل المحاكمة إلى الجمعة المقبل    الملياني يبرز أبعاد "جيتيكس أفريقيا"    الحكومة تمكن آلاف الأجراء من الاستفادة من التقاعد بشرط 1320 يوما عوض 3240    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية السنغال بمناسبة الذكرى ال65 لاستقلال بلاده    رغم اعتراض المعارضة الاتحادية على عدد من مقتضياته الحكومة تدخل قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ في غشت القادم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    إير أوروبا تستأنف رحلاتها بين مدريد ومراكش    المغرب فرنسا.. 3    تعادل أمام زامبيا في ثاني مبارياته بالبطولة .. منتخب للفتيان يقترب من المونديال ونبيل باها يعد بمسار جيد في كأس إفريقيا    منظمة التجارة العالمية تحذر من اندلاع حرب تجارية بسبب الرسوم الأمريكية    عزل رئيس كوريا الجنوبية    الصحراء وسوس من خلال الوثائق والمخطوطات التواصل والآفاق – 28-    زيارة رئيس مجلس الشيوخ التشيلي إلى العيون تجسد دعماً برلمانياً متجدداً للوحدة الترابية للمغرب    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن 28 شيخ أشياخ مراكش    الإعلان عن فتح باب الترشح لنيل الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية برسم سنة 2024    "أتومان" رجل الريح.. في القاعات السينمائيّة ابتداء من 23 أبريل    تسجيل رقم قياسي في صيد الأخطبوط قيمته 644 مليون درهم    الصفريوي وبنجلون يتصدران أثرياء المغرب وأخنوش يتراجع إلى المرتبة الثالثة (فوربس)    أمين الراضي يقدم عرضه الكوميدي بالدار البيضاء    بعد إدانتها بالسجن.. ترامب يدعم زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان    30 قتيلاً في غزة إثر ضربة إسرائيلية    النيابة العامة تقرر متابعة صاحب أغنية "نضرب الطاسة"    تكريم المغرب في المؤتمر الأوروبي لطب الأشعة.. فخر لأفريقيا والعالم العربي    دراسة: الفن الجماعي يعالج الاكتئاب والقلق لدى كبار السن    دراسة: استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي قد يزيد بنسبة 3% خلال 20 عاما (دراسة)    خبراء الصحة ينفون وجود متحور جديد لفيروس "بوحمرون" في المغرب    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تُرَفْرِفُ تُونُس عالياً حينَ يَفِرُّ مَنْ لا أجْنِحَةَ لَهُمْ
نشر في هسبريس يوم 15 - 01 - 2011

كان المغرب أول من اعترف من بين أمم القرن الثامن عشر بالولايات المتحدة الأمريكية كأول دولة مستقلة في القارتين الأمريكيتين بشمالها وجنوبها. واليوم السبت 15 يناير أتمنى الحظوة بنفس الشرف وأكون، على الأقل، أول أديب مغربي يهنئ الشعب التونسي الأبي على انتصاره الذي لا يعلوه انتصار لا في المكان ولا في الزمان...
الحقيقة أن"انتفاضة الشباب المعطل التونسي" والتي تحولت خلال زمن قياسي، ثلاثة أسابيع، إلى "ثورة تونسية شعبية مجيدة" دفعتني إلى تغيير موقفي اتجاه قدرة العرب على تقبل الفعل الثوري ومباشرته وإنجاحه. فلن تعود نماذج الثورات، على الأقل لدي، هي الثورات الفرنسية والروسية والإيرانية والرومانية والأوكرانية... فابتداء من اليوم، السبت 15 يناير 2011 ستصير "الثورة التونسية" نموذجا عربيا يدخل التاريخ من أوسع أبوابه. فقد كان موقفي قبل اليوم، كما ورد في حوار صحفي على جريدة المشعل بتاريخ 25 ديسمبر 2008:
سؤال جريدة المشعل: من أين تبدأ "الثورة" على الفساد كمنظومة؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية تفجيرها؟
جواب محمد سعيد الريحاني: "الثورة" كلمة تفهم في كل المعمور بنفس الوقع ونفس الدلالة إلا في البلدان العربية لسبب بسيط وهو أنه لم تحدث ثورة واحدة في التاريخ العربي بعد ثورة المسلمين على الثقافة الوثنية قبل خمسة عشر 15 قرنا. إن "الثورة" تقتضي مشاركة جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الفئات المهنية وكل الأعمار والأعراق في عملية التغيير الاجتماعي... وهدا ما لم يحدث أبدا في الثقافة العربية. إن ما حدث، على المستوى العربي، كان مجرد "انقلابات عسكرية" نفدها ضباط قلائل، أو هي كانت "نعرات قبلية" لا ترقى لمستوى "الثورة" التي تشمل جميع مكونات الشعب دون استثناء "مع شبه إجماع على ثقافة محددة". وهدا ما حدث مع "الثورة الفرنسية" و"الثورة الروسية" و"الثورة الإيرانية" وغيرها من الثورات الحقيقية التي لا يتسع مكان بينها لثورة عربية واحدة.
إن من يسمي "الانقلاب" العسكري "ثورة شعبية مجيدة" هو نفسه من يسمي "الهزائم النكراء" مجرد "نكسات"... كما أن هدا المعجم الفريد لا يستعمله غير شخص واحد في العالم يرهن شعبا بمعجمه ومزاجه وطرق تفكيره: "الحاكم العربي". ولهدا "الحاكم العربي" سنخصص مجموعتنا القصصية القصيرة القادمة "وراء كل عظيم أقزام".
"الثورة"، إذن، هي إرادة التغيير سواء استهدف هدا التغيير المستوى الشمولي أو المستوى القطاعي، المستوى المادي أو المستوى الرمزي ولكنها إرادة يُفْترض فيها أن تشمل الجميع. لدلك، وجوابا على سؤالكم، أقول بأن "الثورة" على الفساد كمنظومة تبدأ ب"إرادة" الثورة على الفساد. أما المسؤولية فتقع على عاتق "الجميع": مثقفين وموظفين وطلبة وعمال وفلاحين ومعطلين...
حوار منشور على أسبوعية "المشعل" المغربية، عدد 194: من 25 ديسمبر إلى 31 ديسمبر 2008
****
"تونس الصغيرة"، كما تراها الدول المغاربية "الكبيرة"، كانت دائما أستاذتهم "الكبيرة" حين يتعلق بالقضايا "الكبيرة"، جماهيريا ورسميا. فعلى المستوى الجماهيري، كان اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد الشرارة الأولى التي ألهبت الحس بالكرامة في النفوس المغاربية لمستكينة الرازحة تحت الاستعمار الفرنسي إذ تأججت المظاهرات الشعبية في كل المغرب العربي بعد الخامس من ديسمبر 1952 ومن بينها التظاهرات التي عمت كل المغرب وانتهت بالمطالبة بجلاء المحتل الفرنسي الذي رضخ بعد ثلاث سنوات، يوم 18 نوفمبر 1955.
أما على الواجهة الرسمية، فتبقى "تونس الصغيرة أستاذة كبيرة" يتلقى على يديها المغاربيون الكبارا "لدرس دون الإعلان عن تتلمذهم او امتنانهم أو اعترافهم ولكن شعاراتهم المقتبسة وغير المؤصلة تكشف حقيقة "إغراء التونسة" في سياساتهم: الجري نحو السياحة والتسييح وإغفال الانفتاح على"سكان البلاد الأصليين "الذين لم يصلوا بعد نضج المواطنة، تفويت الأحياء القديمة والمدن العتيقة للسياح الأجانب تحت مبرر" اختيار أخف الضررين" وهو تفويتها للسائح الأجنبي أو تركها للمضاربة العقارية الجشعة، وثالثها وليس آخرها التسابق نحو الضفة الشمالية من المتوسط لتخويفها من خطر"التطرف" و"الإرهاب" وعرض الحل والحلول والمحلولات وقد تابع العالم الخطابات الثلاثة ل"بن علي"، "أستاذ" المغرب العربي "الرسمي" التي سبقت قراره الفرار في كل الاتجاهات التي صدته وهو يطل من نافذة طائرته... المعلقة في الهواء. لقد تابع العالم في تلك الخطابات كيف ظل الرجل وفيا ل"تخويف" بلدان الشمال من "التطرف" إلى درجة وصف المتظاهرين العزل ب"المتطرفين" بينما يرى الأحياء من الناس ما لا يراه هو على الفضائيات وعلى الإنترنت شباب في مقتبل العمر وصلت بهم الأناقة إلى درجة لباس أزهى ملابسهم استعدادا للنزول إلى الشارع.
لقد كان "بن علي" يثقب السفينة التي كان يسافر على متنها رفقة شعبه وهو لا يدري. لقد كان يمنع الإنترنت على شعبه ونسي أنه يمنعه على نفسه أيضا، وكان يمنع دخول الكتب المخالفة لحكمه ولسياسته ونسي انه يمنع على نفسه معرفة الحقيقة وتعديل نهجه، وقد كان يسجن أقرب معارض في أقرب فرع محلي لحزب مخالف ونسي انه يعطي الدرس للخلف حين يصبح حكمه في خبر كان...
اليوم، تونس تعطي الدرس الأكبر لمن يغالطوا أنفسهم بدروس محو الأمية الأبجدية وحسابات الجمع الطرح والعد بالخشيبات والأقراص. فالذين لا زالوا يغلبون كفة الأمن على العدل والحرية والمساواة فطوابير النمل قادمة من "تونس" لتنهشهم أحياء، والذين ما فتئوا يعتبرون الأحزاب السياسية المدجنة والفاسدة ضرورة لإحداث التغيير فطوابير السوس قادمة من "سوسة" لتنخر عقائدهم وتسويهم بالأرض بعدما رأى العالم بأم عينيه كيف كانت الأحزاب السياسية التونسية مجرد "ضيوف" في ساحات الاحتجاج بل إن حتى دخولها تلك الساحات جاء "متأخرا" كثيرا ولم يكن ذلك ليحدث لولا يقينها المطلق بفرار "بن علي" وتأكدها باستحالة عقابها على "فعلتها" تلك.
"الدرس" الذي أعطته تونس للعالم اليوم هو، في الحقيقة، "دروس" بصيغة الجمع وللأنظمة والحكومات والشعوب والجماعات والمنظمات والأفراد أن يختاروا ما يليق بهم في انطلاقتهم نحو الأهداف النبيلة التي فطروا عليها جميعا. اما انا، كقاص يستعد لطبع مجموعته القصصية السادسة الموسومة "وراء كل عظيم أقزام" والتي سيكون هذا المقال مقدمة لها اعتزازا بانتساب تونس للمغرب العربي وافتخارا بالقيم الجديدة التي أدرجتها "الثورة التونسية" المجيدة معاجمنا السياسية والثقافية والاجتماعية المهترئة، فالدرس الحقيقي بالنسبة لي يبقى هو مفهوم "العظيم".
أيهما "العظيم" الذي يستحق الانحناء له؟
هل "العظيم" هو "محمد البوعزيزي" الذي حرق نفسه فداء لوطنه واحتجاجا على الظلم المسلط عليه؟ أم "العظيم" هو "بن علي" الفأرُ الفارّ من كرسيه وحاشيته وحقائبه وقصره وخدمه؟
إذا "العظيم" هو "بن علي" الفأرُ الفارّ، ف"الثورة التونسية" الحالية بكل حمولاتها الإنسانية النبيلة لن تكون غير خرجة جمهور غاضب من ملاعب كرة القدم ستفتر مع أول انتصار لنادي من أندية تونس الكروية؟
أما إذا كان "العظيم" هو "محمد البوعزيزي"، فلا بد من التفكير في الاحتفال بالذكرى وبالشهداء: لا بد من التفكير في بناء "قوس نصر" تونسي على شاكلة "قوس نصر" فرنسا ليكتب وينقش وينحت عليه أسماء الشهداء التونسيين الستين "المُجَنّحِينَ" الذين سقطوا برصاص "من لا أجنحة لهم". ولتسم باسمهم الأحياء والساحات والشوارع والملاعب والمدارس والأكاديميات العسكرية...
كقاص، كنت أنوي كتابة هذا النص "سرديا" لما للنصوص من "قدرة مضاعفة "على هز المتلقي بالصور الجميلة ولما لها من "حظوظ أطول زمنا" على مستوى التلقي والتداول بين جماهير القراء ولكن عشق هذه "اللحظة التاريخية الخالدة" دفعني إلى تحرير هذا النص "في سباق زمني" مع سيادة الرئيس "الفأر/الفارّ" قبل أن يصل إلى مغاور وكهوف تأويه.
عاشت تونس قلبا للمغرب العربي وللعرب ولكل المستضعفين في الأرض. وفي ذكرى ثورتها، نقول:
"تُرَفْرِفُ تُونُس عالياً حِينَ يَفِرُّ مَنْ لا أجْنِحَةَ لَهُمْ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.