مثلما عرفت الموائد الرمضانية، جيلا بعد جيل، وفي أغلب المناطق المغربية، تعديلات مهمة في محتوياتها، فقد شهدت المائدة الدكّالية بدورها تغيّرا وصفه أبناء المنطقة بالكبير والجذري، بعدما هيمنت المواد الغذائية المصنعة على النظام الغذائي للساكنة، وفرضت نفسها على المائدة الرمضانية على حساب مأكولات لم يعد لها مكان إلا على موائد بعض الأسر القليلة التي لا تزال متشبتة بعاداتها الغذائية. خالد خلوقي الذي ينحدر من إحدى القرى ضواحي أولاد افرج بإقليم الجديدة، وفي تصريحه لهسبريس، أشار إلى أن مجموعة من المواد الغذائية المتداولة في الوقت الراهن لم يكن لها أثر قبل سنوات، و"حتى إن توفّر بعضها آنذاك فلن يجد له موطئا على مائدة الإفطار في شهر رمضان، وذلك لأسباب بعضها مرتبط بالوضعية الاجتماعية لأغلب الأسر، وبعضها الآخر متعلق بتشبّث الدكاليين بعاداتهم الغذائية القديمة". وأضاف ذات المتحدث أن المائدة الرمضانية الدكالية كانت لا تتجاوز "إبريقا يحتوي على قليل من الحليب مع كثير من القهوة المطبوخة بالأعشاب كالقرفة، الخدجلان، السمسم، النافع، حبة حلاوة، الهيل، أعواد الزنجبيل..، والحريرة ذات القطاني الكثيرة، وصحن كبير مما يطلق عليه اسم البطبوط المذهون بالزبدة والسمن البلدي". ومن بين المواد الغذائية التي بصمت، آنداك، حضورا متميزا في المائدة الدكالية، حبات التين سواء الطرية أو المجففة المعروفة ب"الشريحة"، كما دأب أغلب السكّان على تناول "المرق باللحم" في وجبة الإفطار الرمضاني عشية السوق الأسبوعي، مع المواظبة على الإفطار بالكسكس مغرب كل جمعة، فيما أكّد أحد الدكّاليين أن الإفطار بالكسكس لا يزال فارضا نفسه على مائدة أغلب الموائد حتى الحين. خطيبة منديب مهتمة بالتراث المغربي بشكل عام، والدكالي بشكل خاص، وفي تصريحها لهسبريس حول العادات الغذائية التي عرفتها سنوات الستينات، أكّدت أن الأسماك كانت تغيب بشكل كلي وطيلة شهر رمضان بحجة أنها تُسبب العطش، على غرار وجبة الكسكس التي كانت تغيب بدورها إلى غاية ليلة السابع والعشرين، فيما يُصبح "البطبوط" االأكلة الرئيسية واليومية في وجبة السحور، والذي يتم إعداد مراحله الأولى بعد العشاء، ليتم طبخه قُبيل الفجر حيث يستيقظ أفراد العائلة على رائحته الشهية بعدما يُدهن بالزبدة والعسل. وأضافت منديب أن التصدق بوجبة إفطار كان ضمن الطقوس اليومية لشهر رمضان، مشيرة إلى أن وجبة الإفطار كانت لا تتعدى "القهوة والحليب، والتمر والمخرقة والبيض المسلوق، وسلّو المعروف باسم التقاوت، والحريرة فقط"، مؤكّدة على أن بعض الحلويات ك"الشباكية" لا تهيأ إلا في المنازل، حيث يُسمع دويّ "المهارز" قبل رمضان من أجل طحن جميع المواد الغذائية التي تدخل في تركيب "التقاوت"، وحتى الشعرية يتم تهيئتها و"فَتْلُها" يدويا وداخل المنزل. وعن العادات التي اقترنت بشهر رمضان في العقود الماضية، أشارت خطيبة منديب أن أول يوم يصومه الصبي يتطلب من أهله حمله إلى "الزاوية"، وتحضير وجبة إفطار وعشاء لفائدة مرتاديها، فيما يتم الاحتفال بالفتاة في المنزل، مع إعداد فطور خاص بها، وفي حالة تواجد بئر ضواحي منزلها، يتم إجلاسها على فوهة البئر، ومدها بالحليب من أجل شرب بعضه وغسل الوجه بالبعض الآخر.