عرف النظام الغذائي الرمضاني بمنطقة الشاوية، جيلا بعد جيل، تحوّلا مهمّا في المجالين القروي والحضري، وصارت أغلب الأسر المغربية تعتمد في وجباتها الغذائية على المواد المصنعة والجاهزة للاستهلاك، فيما لا تزال عائلات أخرى تحافظ على ما تسمّيه "رمضان الأجداد والآباء"، وما يرافقه من مأكولات فَرضَت وجودها على المائدة المغربية سواء لقيمتها الغذائية، أو لاعتبارها من الموروث "الغذائي" للمنطقة. رمضان وجيلُ الأجداد فاطنة التي تجاوزت من العمر 85 سنة، وتنحدر من إحدى القرى ضواحي خريبكة، أشارت في تصريحها لهسبريس أن مائدة الإفطار في الوقت الراهن تختلف بشكل كبير عما كانت عليه موائد رمضان في الأربعينات من القرن الماضي، حيث كانت وجبة الإفطار تقتصر على ما هو طبيعي من جهة، و"ما قلّ ودلّ" من المأكولات من جهة ثانية، خاصة في صفوف الأسر الفقيرة أو سكّان القرى والدواوير البعيدة عن مركز المدينة. وأوضحت ذات المتحدثة وهي تستعرض النفحات الرمضانية الغذائية القديمة، أن وجبتي الإفطار والسحور كانتا متشابهتين إلى درجة التطابق، حيث يتم التركيز بشكل أساسي على المخمّرات كَ"المسمن، الشيّار، البطبوط..." المذهونة بالزبدة والسمن البلديَّيْن وزيت الزيتون، أو الخبز الذي يدخل في صناعته الشعير بشكل كبير، إلى جانب الحساء الساخن المعروف ب"الحريرة" التي لا تزال حاضرة في المائدة المغربية رغم التعديلات التي لحقت مكوناتها بين الأمس واليوم. وأشارت فاطنة أن الحساء الذي تتذكّره كان يحتوي على كميات كبيرة من القطاني بمختلف أنواعها، "وهو ما لم يعُد معتمدا من طرف نساء اليوم لأسباب صحية غير مقنعة" وفق تعبير الجدّة، مستغربة ممن يدّعي أن للمخمرات المذهونة والحساء ذي القطاني الكثيرة نتائج سلبية على صحة الصائم، ومستدلة على ذلك بقوة وصحة جيلها مقارنة مع من تسمّيهم ب"الجيل المتهالك". رمضان وجيلُ الآباء وعن جيل الثمانينات والتسعينات بخريبكة، فقد أوضحت فاطمة التي تبلغ من العمر 50 سنة، أن أغلب قريناتها لا زلن متشبثات ببعض العادات الغذائية السابقة، مع تطويرها وتعديلها بما يتناسب وحاجيات الأبناء، مشدّدة على أن الثلاثي "الحريرة، التمر، السّفوف" لا يمكن الاستغناء عنه مهما تطورت العادات الغذائية الرمضانية، "وهو ما يُلاحظ في الأيام الأخيرة من الشهر، عندما يتم الاستغناء على عدد من الأكلات في الوقت الذي يحافظ الثلاثي الغذائي على مكانته إلى آخر يوم من رمضان"، وفق تعبير فاطمة. وأوضحت فاطمة التي تُعيل رفقة زوجها خمسة أبناء، أنّ توفّر المواد الغذائية في خريبكة وغيرها من المدن، يعطي للصائم إمكانية تنويع المأكولات سواء في وجبة الإفطار أو العشاء أو السحور، ما يمكنه من موازنة غذائه وعدم الاقتصار على الكمّ عوض النوع والجودة، مشيرة إلى أن الهاجس الذي يشغل بال جيلها، ويرتبط بوفرة المواد الغذائية، هو الخوف من التخمة وانتفاخ الأمعاء وقرحة المعدة...، ما ينعكس سلبا على صحة الصائم وقدرته على أداء الواجبات الدينية الرمضانية. وأشارت ذات المتحدثة إلى أن رغبات الصائمين بشكل عام، والأبناء بشكل خاص تختلف من شخص لآخر، حيث يُفضل البعض تأجيل وجبة العشاء إلى ساعة متأخرة من الليل من أجل الاستغناء عن السحور، فيما يُفضل البعض الآخر إلغاء وجبة العشاء والاعتماد بشكل كبير على وجبة السحور للتزود بما يحتاجه من طاقة خلال نهار رمضان. رمضان و"نساءُ اليوم" وفي المقابل، أشارت غزلان التي تبلغ من العمر 27 سنة إلى أن بنات جيلها من المتزوجات يركزن بشكل كبير على "الشهيوات الخفيفة والمتنوعة"، خاصة تلك التي تُعرض في برامج تعلّم الطبخ، مشدّدة على أنها تحاول، مثل العديد من قريناتها، إرضاء عينها وإبراز مؤهلاتها في الطبخ، حيث يتم تنويع المأكولات والمواد الغذائية وإن كانت بكميات قليلة أو متوسطة، مع الجمع بين الطبيعي منها والمصنع والجاهز إرضاءً لجميع الأذواق. ورغم تأكيد غزلان على أن للمواد المصنعة، أحيانا، تأثيرات جانبية على صحة الصائم، "إلا أن المرء يعجز عن مقاومة طعم هذه المأكولات ولذّتها وتنوّعها وتوفّرها، والصائم وهو يتجول في الفترة ما بين العصر والمغرب في الأسواق المغربية بشكل عام والخريبكية بشكل خاص، لن يملك إلا أن يقتني العصائر والحلويات وغيرها مما لذّ وطاب، حتى إن فاقت المشترياتُ حاجياتِه الحقيقية، ما يعكس حقيقة أن العين تشتهي وتأكل قبل البطن"، وفق تعبير ذات المتحدثة.