رمضانات مغرب الأمس (سيرة ذاتية) الحلقة الثالثة عشر : عمي ميلود الخير ---------------- عمي ميلود .. لم يكن أعز إلى قلبي من هذا الرجل الدكالي الأصيل القح .. صاحب القلب الطيب الكريم .. أحن رجل عرفته في حياتي يده تسبق إلى جيبه كلما إلتقى بنا سواء داخل البيت أو في طريقنا إلى المدرسة .. عمي ميلود رحمه الله هو زوج إحدى عماتي وكان يعمل في البناء منذ نعومة أظافره ثم طور عمله بعد استقراره في مدينة طنجة التي بدأت تعرف في فترة الخمسينيات وستينيات القرن الماضي نهضة عمرانية كبيرة . وهي النهضة التي ستستمر إلى غاية السبيعنيات مع اتساع مشاريع البناء لتشمل منطاق كبيرة مثل حي الموظفين المحادي لبني مكادة . اكتسب سمعة طيبة في عمله وبات أرباب البيوت يتسابقون للظفر به. العم ميلود كان آية في كل شيء .. كرم دكالي أصيل وقلب يتسع لكل الناس وعطاء منقطع النظير.. لكن الأهم في الأمر هو حواراته مع والدي , حوارات مطولة كانت تستمر لغاية الساعات المتأخرة من الليل , فوالدي كان بين الحين والآخر يقوم بتعديلات في شكل أسوار البيت وإضافة حجرة هنا وتغيير شكل أخرى هناك .. وكانت تلك المناسبة الأحسن لكي يبدأ التخطيط والنقاش وما يتلوهما من حوارات تضحك الحجر ويبتسم لها الجماد. كنت أجلس بالقرب من عتبة البيت أنا وعبد الرحمن وأحمد وعبد اللطيف فلمحنا عمي ميلود وهو يصعد نحو البيت , وقف بالقرب منا وسألني هل والدي بالبيت ؟ فسارعت إلى تقبيل يده وأنا أؤكد له أن أبي بالداخل. مد عمي ميلود يده في جيبه كما هي عادته ثم وضع في يدي مبلغ خمسة دراهم .. فلم أصدق نفسي أول الأمر وعدت لأتأكد من أن الورقة هي بالفعل لخمسة دراهم .. حاول عبد الرحمن أن يلتقط من يدي الورقة النقدية ولم يفلح - زول يدك آبنادم - ياك .. ؟ - شعاندك آخاي .. خمسة دراهم ديالي - ماشي حنا متافقين لي ضبر شي حاجة يقسمها بالنص - وانتينا حماق آ العايل .. خمسة الدراهم .. هذي مش نعدلو بها مشروع - مشروع ؟ .. مشات عليها .. شنو هاد المشروع ؟ - مش نعدلو كاروسة .. - ما كاين موشكل ولكن .. ضبر علينا بشي درهم .. آخاي - وانسا .. خليني غير نفرح بها - وافرحنا معاك ماشي حنايا خوت ؟ ---------------- تسللت إلى البيت وبحثت عن مكان بالقرب من جدتي.. كانت تجلس على هيدورة على الأرض ( فروة كبش ) وهي تحضر إبريق من الشاي. بينما كان أبي في حوار مطول مع عمي ميلود - آ ميلود .. آ خاي صلي على النبي راه رمضان هذا - ورمضان رمضان ولكن ماشي معقول آسي محمد .. واش أنا المعلم ولا انتينا ؟ - انتينا المعلم آ ميلود .. ولكن أنا عطيتلك الهندسة كاملة - آشمن هندسة ؟ هذا التخربيق.. ونتينا باغيني نطلعلك سور ويطيح السارية .. واش عارف شني كتقول - آشمن سارية ؟ - هادي .. السارية كتحكم .. السارية كتحكم .. آ سي محمد .. السارية كتحكم - والدار داري وأنا لي كنحكم شمن سارية شمن باكور - ولايني موشكلة معاك .. دبا أنا بعد هاد العمر كولو غدتجي انتينا تعلمني الخدمة ديالي - آ ميلود انتينا على راسي من فوق .. ولكن ما يمكنشي ما يطلعشي سور هنا - وأنا كنقولك السور هنايا ما يطلعشي - وأنا كنقولك السارية كتحكم - وأنا كنقولك أنا لي كانحكم - ألا السارية - ألا أنا نظرت جدتي إلى عمي ميلود وهي تحاول تهدئة الجو - وشراب أتاي آ ميلود - آشمن اتاي .. أشمن قهوة .. هاد ولدك مكيخلي للواحد الكانا ( الرغبة ) حتى فشي حاجا - آشرب أتاي آ ميلود الله يهديكم على بعطكم - أنا ما بغيت والو .. هاد ولدك باغي يخدم الناس بجوج فرانك وبالسلف ويزيدها بالهضرة خرج عمي ميلود غاضبا وهو يلعن ويسب .. ولم يكن السبب سوى خلافه الكبير مع أبي حول مشروع هدم حائط واستبادله بحائط به باب وكانت العقدة التي نسفت كل الحوار هو تأكيد عمي ميلود أن هناك سارية في الحائط إذا ما هدمت فسوف يسقط سقف البيت . وبين عناد والدي بأن السارية لن تضر وعناد عمي ميلود قضينا الليل بكامله نستمع إلى عبارة واحدة .. " السارية كتحكم " خرجت إلى الزقاق الخلفي للبيت فوجدت عبد الرحمن وهو يحمل رزمة من الأخشاب والحديد وبقايا قطع السيارات القديمة .. - شوف آ سعيد .. هادشي كامل جمعتو باش نعدلو الكروسا ولكن لا زم تخلصو - وعلاش ماش نخلصو .. يا الكاروسا ديالنا كاملين .. الحاجة الوحيدة لي ماش نشريو هي الروايد تفاهمنا ؟ - أ لآ آ صاحبي .. ما تفاهمناشي .. نتينا دابا مضبر على 5 دراهم وياغي تغمق علينا - عندو الصح .. نتينا طماع آ صاحبي .. مشي بعاد منا - وعلاش طماع هادا رزقي .. راجل عمتي ضبر عليا - ولكن حنايا متافقين كلشي بالنص - وتفارقو مني .. ما باغي لا كروسا ولا والو مر علي أسبوع بالكامل وأنا أخرج إلى الزقاق فلا أجد أي تجاوب من رفاقي .. فقد قاطعني الجميع ونبذني كل الرفاق بسبب رفضي اقتسام الثروة .. استغربت جدتي وكل الأسرة مكوثي بالبيت وأنا حزين مكتئت أرفض الأكل وأقضي الوقت ألاعب ورقة الخمس دراهم الملعونة .. ولعلي يومها أدركت أن المال وحده دون رفقة لا يصنع السعادة .. فا الذي حدث بعد ذلك ( يتبع ) صفحة الكاتب : www.acradiousa.com