لا يمكن أن تتحدث عن البرامج السينمائية في القنوات المغربية دون أن تستحضر أشهرها على الإطلاق في العقود الثلاث الأخيرة، "سينما الخميس"، البرنامج الذي عرّف المغاربة على إبداعات سينمائية ربما لم تكن تعرضها صالات السينما التي تبحث فقط عن الإنتاجات التجارية التي تحقق العائدات بصرف النظر عن قيمتها. ابن ميدلت عام 1946.. بقامته المتوسطة، وشعره الأشيب، لم يمل علي حسن من التنقيب عن أجود الأفلام لعرضها على القناة الأولى. غير أن السينما ليست كل شيء في مسار الرجل، فهو صحافي قبل ذلك، قدم نشرات الأخبار لأزيد من 15 سنة، وكان يقرأ خطابات الملك الحسن الثاني باللغة الفرنسية في الإذاعة والتلفزيون، وساهم في انطلاق راديو ميدي 1، وإنشاء القناة الثانية، ولا زال إلى اليوم يقدم برنامج ENTRACT على إذاعة الرباط الدولية. في هذا الحوار مع هسبريس، يفتح علي حسن جزءًا من ذاكرته السينمائية، قبل أن يعرج على موقفه من الجرأة السينمائية، ومن النقاش حول فيلم الزين اللّي فيك وعرض جينيفير لوبيز، وأشياء أخرى مثيرة للجدل. الجزء الأول دعنا نستعيد معك بعض الومضات من مسارك في برنامج "سينما الخميس"، ما هي أبرز المشاكل التي كانت تصادفك في اختيار الأفلام؟ الصعوبة الأكبر كانت تكمن في إقناع دور الإنتاج بمنحنا الأفلام الجيدة فقط، إذ يقترحون "عرامًا" يحتوي على 12 أو 13 فيلمًا، قلة منها جيّدة والباقي رديء. ثمن كل فيلم يصل إلى 60 ألف درهم، ولنا الحق في عرضه مرتين فقط على البث الأرضي. كنت أحرص على انتقاء الأجود، لكن هناك أفلام متوسطة الجودة عرضناها لأجل الذاكرة، منها بعض الأفلام الهندية التي دبلجها المرحوم إبراهيم السايح ولاقت شعبية واسعة، لكن لا يمكن القول إن جل هذه التي عرضناها كانت رديئة، بل قدمنا مجموعة من الأفلام الهندية المميّزة، فقط ما يجب أن نفهمه هو أن الجزء الأكبر من السينما الهندية الذي نعرفه باسم "بوليوود" يبقى موجهًا في الغالب لأبناء الهند، دون نسيان وجود أفلام هندية رائعة كأفلام ساتيا جيتري. ما هو أكثر فيلم تتشرّف بأنك قدمته للمغاربة؟ (دون تّردد) Le trésor de la sierra madre للمخرج جون هوسطن، ربما عرضته عام 1996 أو 1998، وقد اجتهدت في التقديم كثيرًا خلال ذلك اليوم، ونمت قرير العين مقتنعًا بأنني قدمت أفضل فيلم في التاريخ بالنسبة لي، غير أنه في اليوم الموالي، وبينما كنت في مقهى، سلّم عليّ أحد المشاهدين، ثم انتقدني بالقول: "حشومة عليك أسي حسن.. تكرفصتي علينا البارح.. خليتيني حتا شريت تلفزة كولور، وأنت تعرض لينا فيلم بالكحل ولْبيض". من غرس فيك حب السينما لهذه الدرجة؟ تعرّفت على السينما وعمري لا يتجاوز ثماني سنوات، عندما كنت في داخلية المؤسسة التعليمية التي بقيت بها تسع سنوات من مستوى الابتدائي حتى مستوى الثانوي، كان يُعرض علينا مجموعة من الأفلام. ازداد ولهي بالسينما بعد مرور السنوات، لدرجة أن صالة السينما لم تعد تشبع نهمي للأفلام، فاقتنيت عام 1970 آلة عرض سينمائية وصرت أشاهد الأفلام في بيتي. لكن بما أنك عشقت السينما لهذا الحد، لماذا لم تنتقل إلى الإخراج كما فعل العشرات؟ ليس فقط لأنك تفهم السينما وتعشق مشاهدة الأفلام ستتجرأ على الانتقال إلى الإخراج. ليس فقط لأنك تستطيع إنجاز ديكور غرفتك، سيكون بمقدروك تشييد فيلا. لم أفكر أبدًا في حياتي أن أكون مخرجًا، لأنني وببساطة لم أر نفسي أبدًا قادرًا على ذلك. بدأت عملي إعلاميًا وبقيت كذلك، وحتى عندما تعاملت مع المركز السينمائي المغربي لمدة 12 سنة، كنت أقوم فقط بتحرير وقراءة المجلة الإخبارية التي كانت تعرض في القاعات باللغة الفرنسية، كما كنت أعلّق على بعض الأفلام الوثائقية القصيرة. راكمت ثقافة سينمائية تقترب مدتها من نصف قرن من الزمن. كيف تقيّم السينما المغربية، خاصة وأن هناك تباهيًا من المسؤولين على القطاع بتزايد الإنتاج مؤخرًا؟ يجب أن نعترف أن المغرب لا يتوفر على مجموعة من الصناعات، منها الصناعة السينمائية. ولا أعتقد أن ذلك كارثة، فنحن كذلك لا نتوفر على الصناعات العالية التكنولوجيا. ضعفنا في السينما يتجلى في جانبين اثنين: الإنتاج وكتابة السيناريو. ودعني أبدأ بالمشكل الأول، للأسف نعتقد أن المنتج هو "مول الشكارة"، في حين أنه هو ذلك الوسيط الذي يقنع "مالين الشكارة" بالاستثمار في السينما، والذي يكون على دراية بالعمل السينمائي، وعلى أهبة الاستعداد للمساهمة في بعض تكاليف الفيلم كي يحرص على نجاحه. أما مشكل السيناريو فيكمن في أن مجموعة من المخرجين يكتبون سيناريوهاتهم بأنفسهم دون أن يعتمدوا على قصص الآخرين. كتابة القصة تحتاج الموهبة، ولا أعتقد أن كل مخرج موهوبًا ليكتبها، كما أن كتابة السيناريو عمل تقني بالأساس لا يمكن أن يقوم به إلّا من يعي قواعد السينما. غالبًا ما يكون المرء ناجحًا في واحد منهما وليس الاثنين معًا، أي إما القصة أو السيناريو، والدليل أن نجيب محفوظ لم يكتب سيناريوهات، بل كتب قصصًا حوّلها صديقه المخرج صلاح أبو سيف إلى أفلام. أتذكر عندما كنت في لجنة الدعم، أن مخرجًا برّر دفاعه عن مشروعه بكون السيناريو نال جائزة من اتحاد كتاب المغرب. فما علاقة هذا الاتحاد بالسينما؟ أليس دوره هو تقييم الأدب والمؤلفات وليس السيناريو الذي يبقى صناعة غير أدبية؟ علاقة بحضورك في لجنة دعم الأفلام السينمائية. هل أنت راضٍ عن مستوى الأفلام التي نالت الدعم؟ بشكل عام، أنا راض، غير أن ما حزّ في قلبي، هو أنني اكتشفت، كما اكتشف الكثير من المغاربة، أن هناك مخرجًا منحناه 80 مليون سنتيم عن فيلم سرق قصته ومشاهده بالكامل من فيلم أمريكي، ليقدم لنا نسخة جد مشوّهة أساءت حتى للفيلم الأصلي. للأسف لم نعلم بذلك إلّا بعد مدة، ولم يكن ممكنًا القيام بأي شيء بعدها. من هو هذا المخرج؟ الأكيد أنك تعرفه، فقد قامت ضجة كبيرة قبل أشهر قليلة عندما اكتشف المغاربة "إبداعه". والغريب في الأمر أن الوقاحة وصلت به، في تصريحات إعلامية، إلى وصف 80 مليون سنتيم بالمبلغ الضعيف، إذ قال إن هذا المبلغ لم يكفه حتى لتصوير الفيلم بهاتفه النقال.