القضايا التحررية لا تقبل التفاوض، والتاريخ كفيل بتأكيد ذلك، فمعظم الشعوب كان خيارهاالمقاومة والوقوف ندا للند في سبيل نيل الحرية وتطهير أراضيها من المستعمر الذي لم يكن ليفتحبابا للحوار والجلوس على طاولة التفاوض، ما لم يكن ذلك يصب في خانة مصالحه السياسيةوالاقتصادية بالخصوص، قيس على ذلك باقي التبعات الفكرية والثقافية التي تغزو الوطنالمستعمر ولو بعد الخروج الذي يكون في غلب الأحيان شكليا. القضية الفلسطينية قضية شائكة ومعقدة، وتعرف حضور أطراف عديدة، كل يطرق الباب الذي يشاء ولا أحد طقطق الباب الذي من شأنه إنهاء الصراع، ولكون هذا الصراع قائما على غرار باقي الصراعات القائمة، فهي إذن تخدم مصالح البعض أكان طرفا رئيسيا أو لا، فأمريكا مثلا دائما ما تهلل وتتبجح بمحاربة الإرهاب ورفعت هذا الشعار منذ عام 2001، والحصيلة أن التفجيرات تزداد يوما عن يوم والشعوب غارقة في الدمار والدماء، وبالمنطق أن تحارب شيئا يعني ذلك وقف زحفه إن لم يتم وضع حد له، لكن الصورة تقول عكس ذلك، فالبداية كانت بالعراق واللائحة الآن تضم سوريا واليمن وليبيا وبقاع أخرى واللائحة لا تعترف بعلامة قف. إن المفاوضات التي يفتحها الفلسطينيون مع الكيان الصهيوني، سعيا وراء " الهدنة " لم ولن تكون لها أية فائدة، وفي أية لحظة قابلة للاختراق كما كان يحدث دائما، وأخير تجربة ليست ببعيدة،فالحرب الأخيرة على غزة أكبر دليل على ذلك ففي عز ما يسمى بمفاوضات السلام كانت المنازل والمدارس تنهار على رؤوس الفلسطينيين، وعودة اسطوانة المفاوضات في هذه الأيام ما هي إلا تعطيل وتجميد للمشروع الفلسطيني الذي يحمل عنوان الحرية، فالحرية لا تعترف بالمفاوضات ولا تحتمل حلا وسطا، فإما أن تكون حرا أو تابعا. ولنقل مثلا نعم للتفاوض، فهل من أرضية سليمة لذلك ؟ أكيد لا وجود لها ولو اجتمع العالم لصياغتها، فإسرائيل مستمرة في سياسة الاستيطان وفلسطين تطالب بوقفه، فإسرائيل تريد نيل اعترافا كدولة يهودية، وفلسطين ترفض ذلك، وبالمقابل الفلسطينيون يريدون تحريرا شاملا، وبالطبع إسرائيل ضد ذلك، إذا كيف سيكون التفاوض؟ وماهي الخلاصة التي يمكن الخروج بها؟ الإجابة في اعتقادي لن تخرج عن نقطة أساسية وهي : تحديد مدة للمهادنة أي وقف الحرب إلى أجل معين، لن يتجاوز على الأوراق عشر سنوات، وقابل للتمديد وفقا لمصالح الصهاينة والرعاة وعلى أرض الواقع لن تتردد إسرائيل في حرق الأوراق والبنود التي تحملها وتعود إلى لعبتها المفضلة، تقتيل وتخريب واعتقال وتهجير. وما على الشعب الفلسطيني كذلك أن يدركه، هو أن المفاوضات التي كانت قد انطلقت بمبدأ الأرض مقابل السلام لا تكافئ فيها والغالبة تكون دائما للطرف الأقوى، أما الطرف المغلوب علىأمره فمصيره المزيد من التنازلات للحصول على بعض " المكاسب " التي سيفقدها مع مرور الوقت، كأن تقبل إسرائيل مثلا بالإفراج عن المعتقلين وتعود لاعتقالهم من جديد عند أي تحرك، وعلى الشعب الفلسطيني كذلك أن يعلم علما يقينيا أن التشرذم والانقسام الداخلي يقوي الطرف الثاني، ولتسألوا أنفسكم كذلك ماذا قدمت لكم المفاوضات منذ التسعينيات من القرن الماضي، ولماذا قبلت "السلطة" الفلسطينية التفاوض منذ البداية بشروط؟ فالمشاركة في مؤتمر مدريد 1991 كان بوفد يضم الأردن، مع غياب لمنظمة التحرير الفلسطينية برفض من إسرائيل، قبل أن تعود الأخيرة وتوقع على اتفاقيات متتالية مع المنظمة في سنوات 1993 و 1994 و 1995، بل أكثر من هذا كله هل سبق لإسرائيل وأن قامت بتفعيل البنود التي وقعت عليها بمختلف الاتفاقيات من 1991 إلى الأن ؟ هو مسار طويل من الجلوس على الطاولة للتفاوض، ولا نتيجة تذكر وإسرائيل سائرة في طريقها لتحقيق أهدافها بشتى الوسائل، في وقت يبدو فيه الطرف الفلسطيني بعيد جدا من حلمه، خاصة وحالة الانقسام التي تسود المشهد داخل فلسطين.