إذا كانت بعض دول المنطقة العربية التي عرفت ما سمي بالربيع العربي كتونس، ومصر، وليبيا بؤرة الصراعات السياسية ، فإن منطقة الشرق الأوسط ، ومنطقة الخليج على الخصوص، شكلت بؤرة أكثر حدة في التوتر نظرا لطبيعة المنطقة الجيو- استراتيجية والاقتصادية وأطماع دول خارجية . ونعتبر أن ما يحدث في اليمن من صراعات واقتتال، يطرح عدة أسئلة جوهرية حول أسباب الأزمة اليمنية وأبعادها الاقليمية والدولية . ويهمنا بالخصوص السؤال التالي : هل أضعفت الأحداث التي عرفتها بعض الدول العربية في الفترة الأخيرة قدرة دول الخليج على التعامل مع الأطماع الايرانية في المنطقة في الوقت الذي انشغلت فيه الولاياتالمتحدة وأوروبا وحلفاؤهما بمحاربة جماعات تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا ؟ وهل يمكن للسعودية أن تلعي دور الدركي للحفاظ على التوازنات بمنطقة الخليج في التصدي للخطر الايراني والشيعي ؟ . أولا : الأطماع الإيرانية بالمنطقة لا يمكن عزل الأزمة اليمنية عن السياق الاقليمي للأحداث السياسية الكبرى التي عرفها العالم العربي في السنوات الأخيرة لتشكيل شرق اوسط جديد بعيدا عن ريادة الولاياتالمتحدةالأمريكية . وعلى هذا الأساس ، يمكن القول بأن للصراع اليمني بُعد جيو- استراتيجي مهم ، لأن إيران تبذل كل ما بوسعها لسنوات من أجل أن يكون لها حضور في منطقة البحر الأحمر، وفي حالة ما إذا سيطر الحوثيون على السلطة في اليمن فإن ذلك قد يشكل معقلاً إيرانياً واسع النطاق في المستقبل وسيكون لها حركة حيوية بين أوروبا والشرق الأقصى . فقد استخدم النظام الايراني حسين الحوثي الشقيق الأكبر لعبد الملك الحوثي الزعيم الحالي لهذا التيار منذ عام 1991، وأسس حسين الحوثي وبمساعدة النظام " حزب الحق " في اليمن وشارك في الانتخابات التي جرت عام 1993 ، وأصبح عضوا في البرلمان اليمني. وبحسب خطة النظام الايراني لم يدخل هذا التيار في مواجهة الحكومة ( الدكتور / صافي الياسري : إيران أسست لاستعمار اليمن منذ ربع قرن – 03 ابريل 2015 ) . فإيران تراهن كثيرا على الحوثيين ، لأنهم أتباعها وأنهم يحاولون إرجاع الإمامة الزيدية التي حكمت اليمن لغاية العام 1962 ، و انتهاء المطاف باليمن مع حكم ديني على غرار الموجود في إيران يكون فيه عبد الملك الحوثي مرشداً أعلى كما هو علي الخامنائي في إيران. ومن أجل تحقيق هذا الهدف ، فقد جمع الحوثيون الزخم كقوة قتالية وكحركة سياسية على حد سواء في السنوات الثلاث الماضية ، واستفادوا من الفراغ الأمني الذي أنتجته الاضطرابات في البلاد عام 2011 في سياق الربيع العربي واستغلوا الجمود السياسي الذي أعقبه. وقد ظهر ذلك بجلاء عندما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء والاستيلاء على المؤسسات السلفية الأساسية ، إضافة إلى السيطرة على مقرات حزب الإصلاح وجامعة الإمام التي تُعد معقلاً لرجل الدين السلفي المتشدد عبد المجيد الزنداني ومقر الفرقة المدرعة الأولى بقيادة اللواء علي محسن الأحمر وتفجير منازل القادة البارزين. ثانيا : عاصفة الحزم ومدى قدرتها على ردع الحوثيين لم تجد جماعة الحوثي من يرد عليها ، طوال أكثر من عام ، على التمدّد وإحكام السيطرة على اليمن كله، وبالتالي فإن عاصفة الحزم جاءت متأخرة و إن كانت عملية ضرورية لوقف التمدد الحوثي. ومما شجع التحرك العربي تحت قيادة المملكة العربية السعودية هو طلب الرئيس عبد ربه منصور هادي برسالة بتاريخ 24مارس 2015 إلى قادة مجلس التعاون لدول الخليج الغربية داعيا للوقوف الى جانب الشعب اليمني وحمايته وتقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه من عدوان تحالف الحوثي وعلي عبد الله صالح ، من أجل إعادة الشرعية تماشيا مع التأييد الدولي لذلك بالقرار الصادر عن مجلس الأمن رقم (2216) سنة 2015م . وهناك من يرى أنّ تأخر التحرك العسكري العربي بقيادة السعودية قد يكون مرتبطًا بسياسة الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله؛ فالسعودية لم تحرك في حياته ساكنًا وهي ترى الحوثيين يتمددون ويسيطرون على العاصمة صنعاء، بل إنها قبلت اتفاق السلم والشراكة الذي فرضه الحوثيون على القوى السياسية اليمنية. لكن الأمر يبدو مختلفًا تمامًا مع الملك سلمان بن عبد العزيز، فلم يمرّ شهر على توليه حكم المملكة العربية السعودية حتى أطلق "عاصفة الحزم" ، وربما كان يخطط لها قبل توليه الحكم. ونرى أن عاصفة الحزم كانت ضرورة أو كما يقال " شر لابد منه " لحماية أمن السعودية أولا ، قبل حماية أمن الخليج ثانيا ، لأن إيران لها أطماع في المنطقة ، منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي. لكن العمليات الجوية لعاصفة الحزم ، وإن استطاعت وقف سيطرة الحوثيين على البلاد ، فإنها لم تحقق كل أهدافها . فالضربات الجوية لدول التحالف أحرزت نتائج كبيرة فى حصار الحوثيين وتقطيع جسور التواصل بين قواتهم المهاجمة فى اليمن بدليل خروجهم من عديد من المدن الرئيسية الجنوبية خاصة عدن ، وفرض الحصار البحري لمنع وصول أي إمدادات لجماعة الحوثيين الذين تلقوا دعما لوجيستيا كبيرا من جهات خارجية خاصة إيران من حيث الأسلحة المتطورة والتدريب على القتال ومعلومات من الاقمار الصناعية مما ساعدهم على فرض سيطرتهم على باقى المحافظات اليمنية الأمر الذي حتم التدخل من دول التحالف لإنهاء سيطرتهم على اليمن. و يرى البعض أن التحالف العسكري الذي ، تقوده السعودية ، سيكون مضطرا من أجل تحقيق أهدافه ، إلى حسم الأمور بريًا في ظل تعنّت جماعة الحوثي والموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح ، ونزع سلاح الميلشيات ، على اعتبار أن الضربات الجوية تحقّق أهدافًا محدودة وهي بحاجة إلى معلومات استخبارية كثيفة من أجل إصابة أهداف مؤثرة ، وأيضا إلى رؤية واضحة وإستراتيجية موحدة يتفق عليها جميع المشاركين في التحالف بشأن الأهداف الواجب تحقيقها في اليمن. لكن كثيرا من المحلين الاستراتيجيين يرون خلاف ذلك ، ذلك أن مشاركة قوات برية في حرب اليمن يشكل خطرا ، لأن أن طبيعة اليمن وتضاريسها صعبة جدا خصوصا جبال نجد وعسير ونجران، التي توجد قضية أزلية حولها بين اليمن والسعودية، لأن عسير تحت قبضة المملكة العربية السعودية، كما أن الشعب اليمنى لديه خبرة كبيرة بهذه الجبال من حيث القتال البرى فيها، كما أن دخول الدبابات أو العربات المدرعة مستحيل، لأن طرق اليمن طرق وعرة جدا والقليل منها ممهد. كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لها يد مع إسرائيل المستترة خلفها في الأحداث الجارية وتأجيجها الدائم للفتن بين المملكة العربية السعودية وإيران ليتقاتلا بأسلحة أمريكية وخلق بؤرة صراع قد تطول وتستنزف فيها الموارد ليكون الخاسر الوحيد هو الأمة العربية والإسلامية والكاسب الوحيد هو إسرائيل . ونستنتج من خلال التحرك العسكري السعودى ، أنّ " العاصفة " و إن كانت موجّهة عسكريًا ضد الحوثيين، فإنها موجّهة سياسيًا وإستراتيجيًا نحو إيران وتمددها الإقليمي ، كما حدث في العراق وسوريا. وهذا الدور الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية سيلقي عليها مسؤولية كبيرة ، سيدفعها إلى تعزيز قدراتها العسكرية و الاقتصادية و الإستراتيجية بما يتوافق مع دورها في توازنات القوة بالمنطقة لوقف الزحف الحوثي والإيراني. ثالثا : سيناريوهات تطور الأزمة اليمنية وآفاق الحل. بعد اضطرابات عام 2011 التي شهدتها اليمن في سياق الربيع العربي ، تدخلت دول الخليج لحل الأزمة اليمنية في اتجاه الحل السياسي ، كخيار بديل لتجميع القوى السياسية اليمنية المختلفة والمتصارعة مع بعضها البعض وتوحيدها في وجه الحوثيين والقاعدة من خلال اعتماد مشروع سياسي يقضي باستبعاد المتمردين ، كما اختارت الاستماع إلى المطالب الشعبية وأقنعت الرئيس علي عبد الله صالح حينذاك بالتنحي عن السلطة . وهكذا استطاعت دول الخليج إلى حد ما منع وقوع الفوضى السياسية وعمليات القتل المتبادل من قبل الأحزاب المختلفة، و دعمت من جهة أخرى مشروع تشكيل حكومة انتقالية لغاية أن يصبح بمقدور الشعب اليمني اقامة مؤسساته الدستورية. لكن القوى السياسية المختلفة باليمن أخفقت في الحوار السابق وشاركت في صناعة الأزمة الحالية. فالقوى السياسية اليمنية التقليدية تستند إلى تحالفات خارجية لرسم أجنداتها. كما الثورة الشعبية اليمنية شهدت حراكًا شعبيًّا مدنيًّا منقطع النظير، في حين سيطرت على القوى السياسية اليمنية التقليدية حسابات ضيقة ولم تفكر ببناء دولة وطنية، وهو ما تسبب في العثرات المتتالية التي عوقت الحوار الوطني وخريطة طريق المبادرة الخليجية، ومكّن القوى المضادة ممثلة في جماعة الحوثي والموالين لعلي عبد الله صالح التمدد وإمساك زمام الأمور. هذا مع العلم أنّ المؤسسة العسكرية اليمنية بتركيبتها الحالية لن تساعد اليمن في تحقيق استقراره لأنّ علي عبد الله صالح بنى الجيش اليمني على أسس مناطقية وعشائرية ؛ إذ هيمنت عائلته على مفاصل صنع القرار في المؤسسة العسكرية، مما جعل الجيش أداة للانتقام في يد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ، ولذلك تحالف مع الحوثيين للاستمرار في الهيمنة على صناعة القرار في اليمن. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن التدخل العسكري فرضته التحولات الجيوستراتيجية بالمنطقة ، لكن ليس هو الحل الوحيد و الأمثل ، حيث إنّ التدخل العسكري يجب أن يخدم الوصول إلى حلٍ سياسي اجتماعي عبر حوار موسع كخيار بديل بين أطراف الأزمة اليمنية، يساعد على تجميع القوى السياسية اليمنية المختلفة والمتصارعة مع بعضها البعض ، في إطار الشرعية التي كرسها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. وأعتقد أن الإعلان الذي أصدره مؤتمر الرياض يوم 19 مايو 2015 ، يمكن استغلاله كسيناريو أساسي من بين بين السيناريوهات المقترحة لحل الأزمة اليمنية ، وذلك لن يتأتى كمرحلة أولى إلا من خلال تأييد الشرعية الدستورية ممثلة برئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وتدخل مجلس الأمن من أجل فرض تنفيذ قراره رقم 2216 والقرارات الدولية ذات الصلة لما يمثله ذلك من أساس للحل السياسي السلمي في اليمن. -مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية [email protected]