أظهرت دراسة صدرت مؤخراً أن ألمانيا تتقدم على الكثير من الدول الأوروبية في ما يخص سياسة الاندماج، ولكن هذا لا يمنع من وجود بعض الثغرات التي ما تزال هناك حاجة للاهتمام بها، كسياسة إرساء المساواة والسياسات الصحية. "سياسة الإندماج في ألمانيا في وضع جيد". تلك هي الخلاصة الأساسية لدراسة علمية اشترك فيها حوالي مائة عالم وعالمة من مختلف التخصصات بطلب من مجلس الهجرة الألماني. ففي ما يتعلق بسياسة التجنيس، مثلاً، احتلت ألمانيا المرتبة الثالثة. كما احتلت ألمانيا المرتبة الرابعة في ما يخص إدماج المهاجرين في سوق العمل. واختبرت الدراسة، التي حملت عنوان "مؤشر سياسة إدماج المهاجرين"، والتي اختُصرت إلى MIPEX، وضع سياسات الهجرة في عدد من الدول الكبرى والصناعية. فإلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، اهتمت الدراسة أيضاً بسياسات الهجرة في أمريكا وأستراليا واليابان وتركيا ودول صناعية أخرى. وقد حصلت ألمانيا على 61 نقطة من 100 نقطة، وهي العلامة التي تظهر احتلال ألمانيا لمستوى أعلى بكثير من متوسط النقاط التي حصلت عليها دول أوروبية غربية من التي شملها الاختبار. ما الذي تغير على المستوى السياسي؟ اعتراف ألمانيا المتأخر نسبياً بأنها أصبحت دولة هجرة انعكس على نتائج الدراسة بشكل إيجابي، إذ رصد المشرفون عليها التغييرات التي حدثت على مستوى السياسات والتشريعات في ألمانيا. فالقرارات السياسية التي تم اتخاذها تظهر بوضوح وجهات النظر التي تغيرت في ما يخص المهاجرين الجدد. وكلما عرّفت ألمانيا نفسها على أنها بلد للهجرة، كلما ازدادت الإصلاحات في حقول سياسية مختلفة. كما اختبرت الدراسة مسألة دخول المهاجرين لسوق العمل، إضافة إلى موضوع الإجراءات القانونية المتعلقة بلم شمل الأسرة وإمكانيات التجنيس. الخلاصة الأولى أن المهاجرين القادمين من دول خارج الاتحاد الأوروبي يتمتعون تقريباً بنفس الحقوق في ما يتعلق بالحصول على عمل أو تأهيل مهني. كما يستفيدون من تحسنٍ إجراءات الاعتراف بشهاداتهم الجامعية أو المهنية. وفي هذا المجال، وحدها الدول الاسكندنافية وكندا هي التي تتفوق على ألمانيا. إشكال الجنسية المزدوجة غير أن الدراسة رصدت مشكلة تتعلق بإجراءات لمّ شمل أسرة المهاجر الذي يعيش في ألمانيا. فكل مهاجر قادم من بلد خارج الاتحاد الأوروبي ينبغي عليه الانتظار طويلاً حتى يتمكن من جلب أفراد أسرته، إذ ما يزال هناك تقييد في الإجراءات المتعلقة بهذا الشأن، إضافة إلى أن تحديد مفهوم الأسرة يتم في أضيق نطاق. نتائج مختلفة خرج بها الباحثون في ما يتعلق بحق التجنيس، فبالنسبة للرعيل الأول من المهاجرين، كانت هناك إجراءات واضحة وداعمة لهذا الحق. لكن المشكلة قائمة لدى حوالي نصف المهاجرين المنحدرين من دول خارج الاتحاد الأوروبي والذين عاشوا في ألمانيا أكثر من عشر سنوات، ذلك أنهم لا يستفيدون من حق التجنيس بسبب القانون الذي يمنع الاحتفاظ بجنسيتين. وتتوقع الدراسة أن تحقق ألمانيا تقدماً إيجابياً إذا سمحت للمهاجرين بالتمتع بحق الجنسيتين، لأن 25 من أصل 38 دولة محل الدراسة تسمح لمهاجريها بالحصول على الجنسيتين، والتجربة في تلك الدول أظهرت العديد من النقاط الإيجابية، في حين لم تظهر أي آثار سلبية. ضعف في سياسة المساواة إحدى المشاكل التي تناولتها الدراسة هي مشكلة التمييز، إذ رصدت الدراسة نقاط ضعف تخص ألمانيا كبلد مستقبل للمهاجرين. فقانون مكافحة التمييز الألماني ما يزال قانوناً حديثاً نسبياً. كما أن السلطات المختصة لا تتمتع بصلاحيات كبيرة، وبالتالي فإن مستوى سياسة المساواة ضعيف في ألمانيا كما هو الأمر في التشيك وتركيا، حسب ما أكدته الدراسة. نقطة سلبية أخرى تتعلق بسياسة الاندماج في ألمانيا تكمن في التغطية الصحية الخاصة بالمهاجرين، إذ توصلت الدراسة إلى وجود عجز واضح في السياسة الصحية. واحتلت ألمانيا بذلك المرتبة 22 في هذه المسألة، أي أقل من متوسط الدول الأوروبية الغربية، لأنه في ألمانيا كل من لم يقدم وثائق كاملة لن يتمتع بكامل حقوقه في التغطية الصحية. وخرجت الدراسة بالعديد من التوصيات لتطوير سياسة الاندماج الألمانية، إذ طالبت بدعم البلديات والمؤسسات المحلية التي تعاني من ضعف في بناها، خاصة وأنها المؤسسات التي يُنتظر منها تقديم أداء جيد في ما يخص سياسة الاندماج، طبعاً مع مراعاة ما يحتاجه الأمر من تكاليف. كما ينصح مُعدو الدراسة بالنظر إلى سياسات الهجرة والاندماج بشكل مختلف عن السائد اليوم، لأن"سياسة الاندماج يجب أن تكون ضمن اختصاص إدارة معينة غير مرتبطة بشكل أساسي بالسياسة الأمنية". غير أن المشرفين على الدراسة لم يحددوا تلك الإدارة أو المؤسسة. * ينشر بموجب اتفاقية شراكة مع DW عربية