من وصف صندوق المقاصة بأنه ثقب في ميزانية الدولة لم يجانب الصواب، فإلقاء نظرة على الأرقام الصادرة عن مديرية الميزانية التابعة لوزارة المالية حول تطور نفقات صندوق المقاصة منذ سنة 2002 إلى غاية سنة 2014، يكشف أن الدولة أنفقت على صندوق المقاصة ما يفوق 316.2 مليار درهم، لم يستفد منها المواطن البسيط إلا بشكل محدود، بينما كانت الفئات الغنية وأصحاب الشركات والضيعات الفلاحية أكبر من جنى ثمار دعم الدولة للمحروقات وقنينات الغاز والسكر والقمح اللين. وانتقلت نفقات صندوق المقاصة بسرعة قياسية من 3.9 مليار درهم خلال سنة 2002 إلى 56.4 مليار درهم خلال سنة 2012 أي بزيادة 52 مليار درهم في ظرف عشر سنوات فقط. وأدى ارتفاع نفقات صندوق المقاصة إلى تكريس عجز الميزانية المغرب، حيث انتقل العجز من 2.2 في المائة خلال سنة 2009، إلى 7 في المائة خلال سنة 2012، وبدون احتساب نفقات المقاصة فالعجز المالي لسنة 2012 كان سيصبح في حدود 0.3 في المائة، ما يعني أن الصندوق هو السبب الرئيسي في العجز المالي الذي يعاني منه المغرب. ويلاحظ من خلال معطيات وزارة المالية أن سنة 2012 كانت السنة التي ارتفعت فيها أسعار جميع المواد المدعمة من قبل صندوق المقاصة بشكل غير مسبوق، إذ بلغ سعر البترول 112 دولار للبرميل، وارتفع سعر القمح اللين إلى 310 دولار للطن، كما وصل سعر السكر إلى 578 دولار للطن، ما جعل الدولة مضطرة لأن تخصص 56.4 مليار درهم لنفقات المقاصة. وبعد أن نجحت الحكومة في رفع الدعم نهائيا عن أسعار المحروقات، يبدو أن تركيزها سينصب على إعادة النظر في الدعم الموجه لقنينات غاز البوطان التي تستحوذ حاليا على الحصة الأكبر من مجموع نفقات المقاصة، وبلغ مجموع ما أنفقته الدولة لدعم أسعار قنينة الغاز منذ سنة 2002 إلى غاية سنة 2014 أكثر من 92.3 مليار درهم. اتجاه الحكومة إلى إعادة النظر في دعم قنينات الغاز يجد تفسيره في كون أصحاب الضيعات الفلاحية هم المستفيد الأول من دعم الدولة لقنينات الغاز لاستعمالهم غاز البوطان بكثرة في مجال ضخ المياه، بينما لا يستفيد المواطن البسيط إلا بنسبة 12 في المائة من الأموال التي توجهها الدولة لدعم قنينة الغاز. وتفيد المعطيات الصادرة عن وزارة المالية أن الاستهلاك الوطني لغاز البوطان بلغ 2.2 مليون طن برسم سنة 2014 بمعدل ارتفاع سنوي يناهز 6 في المائة خلال العشر سنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يصل حجم الاستهلاك السنوي لغاز البوطان إلى 3 ملايين طن بحلول سنة 2020، لتسجل ارتفاعا نسبته 36 في المائة مقارنة مع المستوى المسجل خلال السنة الماضية.