توقيف شاب في باب تازة بدعوى تحريضه على شن اقتحام جماعي جديد للحدود مع سبتة    مشاهد جريئة تضع مسلسل "رحمة" في مرمى الانتقادات    سحب شحنة فلفل مغربي من الأسواق الألمانية بسبب مبيد    بعد تداول تصريحات منسوبة إليه.. عمرو موسى يوضح موقفه من المغرب وينفي الإساءة    المنتخب المغربي يواجه نظيره التنزاني وعينه على التأهل المبكر إلى كأس العالم    الملك محمد السادس يهنئ اليونانيين    تكريم نسرين علامي مديرة الوكالة الحضرية لتطوان في احتفال اليوم العالمي للمرأة لسنة 2025    حوض سبو.. نسبة ملء السدود تفوق 50 في المائة إلى غاية 25 مارس    عندما يعزف الشيطان: فصول الجابي !    سويسرا: تبرئة بلاتيني وبلاتر مجددا في محكمة الاستئناف في قضية فساد    يا رب أنا جيتلك.. جديد سميرة سعيد    واشنطن تتباحث مع كييف في الرياض    الكوميدي "بهلول" يطلب دعم الفنانين لتسديد شيك بدون رصيد    دراسة: الخلايا السرطانية تتعاون من أجل البقاء على قيد الحياة    نبيل باها: أشبال الأطلس يطمحون إلى إبقاء لقب "الكان" بالمغرب    تركيا.. القبض على 41 متهماً ب"شتم أردوغان وعائلته"    الاقتصاد الرياضي قطاع واعد لإدماج الشباب بجهة الشرق    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الاتحاد الأوروبي يعزز الدعم العسكري لموريتانيا في إطار مكافحة تهديدات الساحل    الصين وتايلاند يجريان تدريبات بحرية مشتركة    رمسيس بولعيون يكتب.. أزمة الناظور الحقيقية: نهدم النجاح ليفشل، ثم نرثيه ببكاء التماسيح!    بعد اعتصام لحراس الأمن وصل 55 يوماً.. "إعفاء" مديرة المستشفى الجهوي ببني ملال    "العدالة والتنمية" ينبه الحكومة إلى خرق اتفاقية تسهيل استرداد تكاليف الرعاية الطبية    الوزيرة السغروشني: التحول الرقمي في التعليم يحتاج إلى تعبئة جماعية وتنسيق فعال    رئيس الجامعة الملكية المغربية للدراجات يحضر الجمع العام لعصبة جهة الشرق بوجدة    رافينيا يشعل مباراة الأرجنتين والبرازيل.. وليونيل سكالوني يرد    ميناء طنجة المتوسط يتصدر إفريقيا والمتوسط ويعزز موقعه عالمياً    أسعار الذهب تتراجع مع صعود الدولار لأعلى مستوى منذ أكثر من أسبوعين    أسعار النفط ترتفع لليوم الخامس بسبب مخاوف بشأن الإمدادات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    موظفو الجماعات يشكون أخنوش ولفتيت ويلتمسون تدخل الملك    رئيس الحكومة الأسبق "بنكيران" يمثل أمام القضاء.. تفاصيل مثيرة    القضاء الهولندي يلغي قرار إسقاط الجنسية عن المغاربة المدانين بالإرهاب وينتصر لهم    "تراث المغرب".. سلسلة وثائقية لتثمين الموروث الثقافي للمملكة    زلزال عنيف بقوة 6,7 درجات قبالة سواحل الجزيرة الجنوبية بنيوزيلندا    طقس غائم مع نزول قطرات مطرية في توقعات الثلاثاء    موعد مباراة أسود الأطلس ضد تنزانيا في تصفيات كأس العالم والقنوات الناقلة    أوراق من برلين .. رسالة فرانز كافكا: جروح قديمة ما زالت تنزف    إيطاليا.. حجز أكثر من 10 كلغ من الكوكايين في مطار فلورنسا    اكتشاف جديد يحدد الأجزاء المسؤولة عن تذكر الكلمات في الدماغ    ملياري شخص غير مشمولين في إحصاءات عدد سكان الأرض    الخلوي: "الدوري الإماراتي تنافسي"    إعفاء مديرة مستشفى بني ملال    بأزيد من 3 مليارات درهم.. توسعة مطار طنجة ابن بطوطة لرفع طاقته الاستيعابية إلى 7 ملايين مسافر    بعد عمليات الهدم.. تلاميذ بالرباط يقطعون 30 كيلومترا للتمدرس    نهاية سوق پلاصا جديدة بطنجة    قمة التناقضات: الجزائر وجنوب أفريقيا تدعمان حق تقرير المصير في الصحراء المغربية لكن ترفضان تطبيقه في أراضيهما    بعد 17 شهرا من الزلزال... النشاط السياحي في "الحوز" يتحسن ب48 في المائة بداية 2025    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    مراكش تحتضن كأس العالم لسلاح سيف المبارزة ما بين 27 و30 مارس    طنجة.. المصادقة على هدم "البلاصة الجديدة" وتعويضها بمركب تجاري ومرائب وعلى توسعة طرق رئيسية استعدادا للمونديال    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    الوزارة تؤكد التزاما بالقضاء على داء السل    جدل "إهانة طبال" .. هذه كواليس حفل سلمى الشنواني في فاس    بودشيش يدعو إلى تأطير المحتوى الرقمي    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكش الحاضرة المتجدّدة: ماذا عن ربيعها الثقافي؟
نشر في هسبريس يوم 06 - 06 - 2015

درجنا في نقاشاتنا حول الشأن الثقافي الوطني على رصد واقع الثقافة في بلادنا ومدننا بنبرة متشائمة حيث استوطنت "الأزمة" خطابنا حول الثقافة بشكل صار يحجب رؤية تحولات واقعنا الثقافي بشكل موضوعي. لقد صار خطاب "الأزمة" ونحن نلوكه باستسهال، وبإفراط أحيانا، حجابا يمنعنا من الانتباه إلى دينامية الواقع، مما قادنا إلى تبخيس المبادرات الثقافية الجادّة وغض الطرف عما تحققه من تراكم وما تلعبه من أدوار لترسيخ الفعل الثقافي في فضائنا العمومي.
لأجل ذلك، ودون أن نتورّط في نظرة تفاؤلية ساذجة، أدعو الى تنسيب الخطاب ومناقشة وضعنا الثقافي انطلاقا من معطيات الواقع ودينامية الفعل الثقافي المتحقّقة عمليا على الأرض. لأجل ذلك وما دمنا الآن في فصل الربيع، حيث تعيش مدينة مراكش على إيقاع حراك ثقافي ملحوظ، أحب أن أنطلق في ورقتي من معطيات هذا الواقع. ولا أزعم هنا أنني سأقدم جردا شاملا لأوجه هذا الحراك وفاعليه، بقدر ما سأنطلق من متابعتي الشخصية لجزء من هذا الحراك، محاولا استعراض بعض عناوينه التي أقدّر أنها بدأت تترسخ في المدينة وتصنع الحدث الثقافي لربيع مراكش. فترسيخ الموعد الثقافي ورفعه إلى مرتبة التقليد يستدعي عنصرَيْ الاستمرارية والتراكم.
- مهرجان أوال ناغ (كلامنا). التأمت دورته التاسعة في شهر أبريل المنصرم. وهو مهرجان لمسرح الشارع. تتنقل فعالياته ما بين تاحناوت وأمزميز وأغمات. أيضا داخل المدينة يحاول منظموه استغلال ساحة جامع الفنا وساحة 6 نونبر بجيليز. ويحاول هذا المهرجان الخروج بعدد من أشكالنا التعبيرية والفرجوية إلى الشارع: الحلقة، البساط، فن السيرك، وفرجة الشارع من خلال كتابة معاصرة.
- مهرجان نمشي (أون مارش) الذي تنظّمه فرقة (أنانيا) لفنون الرقص. مهرجان دولي للرقص المعاصر بلغ في مارس الماضي سنته العاشرة. ينفتح هو الآخر على بعض الفضاءات العمومية: ساحة جامع الفنا والرّحبة القديمة وغيرها. كما يحاول استغلال الساحات العامة لإعطاء بعض الإشعاع للرقص المعاصر في الأوساط الشعبية.
- (سماع مراكش) الذي تنظمه جمعية مُنية. مهرجان خاص بالسماع والأندلسيات والموسيقى والثقافة الصوفية. بلغ سنته الخامسة التي نظمت مؤخرا ما بين 29 أبريل و3 ماي. مهرجان يشتغل على تراثنا الفني والروحي وهو الآخر يقترح علينا فضاءات ثقافية أخرى مثل مدرسة ابن يوسف وباحة مسجد الكتبية، إضافة إلى قبة جنان المنارة. شخصيا حضرت ذهبية الشروق "الصبوحي" في حدائق المنارة وفوجئت بحضور مهم يتابع نوبة العشاق في الصباح الباكر حتى أن الجمهور سبق المنظمين لفضاء الفعالية.
- مهرجان الملحون والأغنية الوطنية الذي تنظمه جمعية الشيخ الجيلالي امتيرد بلغ دورته الثانية لكنه يجر وراءه تجربة وازنة وتراكما جديرا بالتقدير حيث يمكن اعتباره امتدادا لملتقى موسيقى التراث الذي دأبت الجمعية على تنظيمه منذ 2006. هذا المهرجان هو الآخر له جمهور مهم من عشاق الملحون في هذه المدينة. تتوزّع فعالياته ما بين المسرح الملكي، دار بلارج، وفضاءات أخرى بعضها تابع لوزارة التربية الوطنية لأن من خاصيات هذا المهرجان الحرص على الانفتاح على التلاميذ والمؤسسات التعليمية وفتحها في وجه فن الملحون.
إضافة إلى الفعاليات الراسخة في المدينة، وطبعا لم أذكر كل مواعيد ربيع مراكش، تابعت هذه السنة بالذات حدثين عابرين. لكن لهما أهميتهما. تبادل فني مغربي أمريكي جاء على شكل ورشة فنية حول (الطيور المهاجرة) أشرف عليها الباحث الجمالي موليم العروسي وشارك فيها فنانون أمريكيون ومغاربة. إقامة فنية احتضنتها إقامة (المقام) الفنية بتاحناوت. وحصيلة الورشة كانت عددا من اللوحات تم تقديمها في معرض جماعي بفندق السعدي. ثم هناك ملتقى آسفي الدولي للشعر الذي تنظمه مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون بآسفي والذي تابعته عن قرب لأول مرة هذه السنة، المهرجان استضاف أسماء شعرية من العراق وسوريا والعربية السعودية وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا والسويد وفنلندا. قيمة مراكش (إشعاعها وقدرتها على الجذب والاستقطاب) جعلت ضيوف المهرجان من الشعراء العرب والأجانب يعطون اهتماما كبيرا لعبورهم بالحمراء مما سهّل على أطراف محلية وعلى رأسها فرع اتحاد كتاب المغرب أن يرتبوا مع إدارة الملتقى لتستضيف مراكش هذه النخبة من الشعراء من خلال أمسيتين واحدة في رياض "صحرا نور" مع جمهور أغلبه من فرنسيي مراكش، والثانية في مقهى "فيستو" أثارني فيه بشكل خاص حضور الطلبة. النشاطان أعلاه يعطيان فكرة عن قدرة المدينة على الاستقطاب وعلى جذب اهتمام الأديب والفنان العابر وهذه ميزة للمدينة يجب استثمارها من طرف الفاعلين الثقافيين المحليين لمضاعفة الأنشطة الثقافية في المدينة بتكلفة مالية محدودة جدا وتخطيط لوجستيكي أقل.
هذه إذن مجرد نماذج من الفعاليات التي تصنع ربيع مراكش الثقافي إلى جانب المهرجان الدولي للمسرح، والمهرجان الدولي للشعر ومهرجان الأغنية الغيوانية ومواعيد أخرى تصعب الإحاطة بها جميعا في هذه الورقة، لكن نتمنى أن يعكف الفاعلون الثقافيون المحليون على استكمال هذا الجرد وضبط هذه الفعاليات بامتدادها في الزمان (تواريخ هذه التظاهرات) والمكان (المواقع والفضاءات). نحتاج فعلا خريطة أشمل تتضمن كل المهرجانات والملتقيات التي تؤثث ربيعنا الثقافي، خلال هذا الفصل على الأقل، في انتظار ضبط واستشراف الدينامية الثقافية والفنية السنوية.
علينا إذن أن ننطلق من واقع الفعل الثقافي المحلي لكي نأخذ فكرة واقعية عن الثقافة في مراكش. هناك تنوّع في جمهور الثقافة. جمهور بصيغة الجمع (يتراوح ما بين العوائل المراكشية العريقة إلى الجالية الفرنسية والأجنبية المقيمة في مراكش، وفيه من جمهور اليسار التقدمي الذي يضم خريجي داري الشباب "عرصة الحامض" و"مولاي بوعزة" في الثمانينيات والتسعينيات إلى شباب 20 فبراير إلى الطلبة بل وحتى الشبيبة غير المسيّسة أصلا والتي تطلب فرجات جديدة وأنماطا ثقافية وفنية حديثة وتتفاعل معها). لهذا ولأن الطلب متنوع فمن الطبيعي أن يكون لدينا تنوع مذهل في الأشكال التعبيرية: من الرقص المعاصر إلى فن السماع الصوفي، ومن نزاهات الملحون إلى عروض مسرح الشارع. هذا دون الحديث عن تنوّع الفضاءات: من المنارة والكتبية إلى ساحة جامع الفنا إلى الرياضات والمقاهي، إلى الفضاءات الثقافية التقليدية كالمسرح الملكي ومسرح الداوديات، ومن مراكش العتيقة إلى الأحياء العصرية إلى أحواز المدينة: تاحناوت، أغمات، أمزميز.
هناك إذن دينامية محترمة يجمل بنا أن نبادر إلى جردها أولاً لكي تصير لنا نظرة واقعية عن أهم تظاهراتنا المحلية. نظرة إيجابية تجعلنا نقدّر المجهودات المبذولة فيها وكذا رهان التراكم والاستمرارية الذي كسبه بعضها بالإضافة إلى الإشعاع النسبي الذي بدأت تحققه. يجب تثمين هذا المنجز وتقدير الفاعلين الثقافيين المحليين الذي أبدعوا هذه التظاهرات وضمنوا لها الاستمرارية. بعدها يمكن أن نبلور بشكل جماعي خطة ثقافية محلية تتيح لنا احتضان هذه التظاهرات عبر الحضور والمتابعة، ثم عبر التفاعل والمواكبة، خصوصا المواكبة الإعلامية. فالمتابعة الإعلامية لعدد هام من هذه الفعاليات تبقى دون مستوى الحدث ولا تعطي لهذه الدينامية ما تستحقه من إشعاع.
ويبقى التقييم أحد أهمّ أوجه الدعم والتثمين. إذ يجب الاقتناع بأن تطوير هذه التظاهرات يتحمّل النصيب الأوفر منه الفاعلون أنفسهم إلى جانب محيطهم الثقافي المباشر. لهذا لا بأس من مراجعة الأداء والاختيارات وتقييمها إما داخليا أو مع الجمهور والمتعاطفين. إذ لم يعتد أغلب فاعلينا الثقافيين المحليين على طلب رأي الأعضاء والمتعاطفين ومن يواكب فعالياتهم من مثقفين ورجال إعلام. لهذا يستحبّ لو انبرى الفاعلون المحليون بشكل جماعي إلى مأسسة التقييم ولو من خلال لقاء محلي سنوي يتيح فسحة لتقييم جماعي لدينامية المدينة خلال الموسم الثقافي الفني قبل المرور الى استشراف المستقبل والتخطيط للموسم المقبل.
هذه أشياء لا يمكن أن ينجزها أحد نيابة عن الفاعلين أنفسهم. لهذا أتمنى لو بادرت جهة ما، وقد تكون المديرية الجهوية لوزارة الثقافة، على تكريس هذا التقليد والدعوة إلى ورشة تقييم سنوية قد تتيح الفرصة لمسؤولي هذه الفعاليات ينسقون خلالها أولاً على مستوى البرمجة لكي لا تتداخل المواعيد، يواكبون دينامية بعضهم البعض، يتبادلون الأفكار والخبرات ويحضّرون أفكارا ورؤى مشتركة على مستوى بلورة خطة استراتيجية للعمل الثقافي في المدينة.
لماذا نصرّ على أن نتخذّ هذه الدينامية منطلقا للتشبيك وبلورة استراتيجية محلية للعمل الثقافي؟ لأنه ببساطة لا أحد سيتطوّع لينوب عن مثقفي مراكش ومبدعيها وفاعليها الثقافيين في بلورة أي شيء. إمكانات وزارة الثقافة المادية واللوجستيكية تبقى محدودة. ويمكن اعتبار الوزارة ومديريتها الجهوية، بصراحة ودون انتقاص من هذه الأخيرة، مجرّد رقم ضمن الأرقام. فاعل ثقافي إلى جانب آخرين. قد يصلح شريكا جيدا، لكن ليس أكثر.
أما النخبة التي تدير الشأن المحلي فلديّ إحساس بأنها ولجت فضاء السياسة من أبواب عديدة متفرقة، ليس من بينها مع الأسف الشديد باب الثقافة. هناك من جاء إلى موقع المسؤولية من العمل الحزبي المحض، وهناك من جاء من العقار، أو من مجال الأعمال، وهناك من تسلل من كوة النصب والاحتيال، لكن المشترك بين أغلب هؤلاء هو احتقار الثقافة والمثقفين، وحتى حينما يدعمون هذا الطرف دون ذاك يفعلون لاعتبارات زبونية أو سياسوية ضيقة وليس عن وعي ثقافي، وهم في ذلك يستغلون فرقة الفاعلين الثقافيين وشتاتهم. لهذا بالضبط يصير التنسيق بين هؤلاء الفاعلين مطلبا ديمقراطيا يضمن حدا أدنى من الشفافية والحكامة قبل أن يكون مطلبا ثقافيا.
وبالمناسبة، فإن زيارة عابرة للموقع الرسمي للجماعة الحضرية لمراكش ستجعل الزائر يكتشف أن المشاريع الهيكلية المنشورة على الموقع ليس فيها أي باب خاص بالثقافة. هناك: الاقتصاد، البنية التحتية، المشاريع الاجتماعية، الشباب والرياضة، البيئة.. ولكن الثقافة لا وجود لها. هذا في الوقت الذي كان فيه برنامج "مراكش.. الحاضرة المتجدّدة" الذي يمتدّ على مدى أربع سنوات (2014- 2017) والذي استثمرت فيه الدولة أكثر من 6 مليار درهم واضحا وهو يلح على الثقافة ويعتبر تثمين الموروث الثقافي أحد محاوره الخمسة الأساسية.
وفي هذا الإطار، يروم مشروع "مراكش.. الحاضرة المتجدّدة" على الخصوص إحداث مدينة للفنون الشعبية، ومتحفا للتراث اللامادي، ومعهدا موسيقيا، ومتحف الحضارة المغربية للماء، وتأهيل المسرح الملكي والزاوية الكتانية وأسوار المدينة وأبوابها التاريخية. ومادمنا نتحدث في هذه الورقة عن الدينامية الثقافية وفضاءات العرض، فإن ما يهمّنا بشكل مباشر هنا هو فضاء المسرح الملكي الذي يحتاج إلى تأهيل. وما زلنا ننتظر كيف سيصلح هذا التأهيل الاختلالات الهيكلية لهذا المسرح الذي يبقى غير مستغل حتى بنسبة 30 في المائة لا كفضاءات ولا كوتيرة نشاط؟ لدينا أيضا في المدينة فضاءات ثقافية تابعة للجماعات المحلية مثل دار الثقافة الحي الحسني التي تعاني حالة انكماش وليست مستغلة كما ينبغي مما ساهم في عزل ساكنة هذه الأحياء وتعميق إحساسها بالتهميش؟ وعموما فإننا نحتاج إلى جرد خاص بالفضاءات الثقافية غير المستغلة أولاً، وكذا بالفضاءات غير المنذورة للثقافة في الأصل ولكنها تجيد احتضان الفعل الثقافي في مراكش: ساحات، مآثر تاريخية، مقاهي، فضاءات خاصة وما إليه.
أحضر هذه الندوة اليوم بعدما حضرت بالأمس مسرحية (ضيف الغفلة) بمسرح دار الثقافة هنا. وكان المسرح ممتلئا عن آخره بالجمهور رغم أن ثمن العرض كان يتراوح ما بين 60 درهم للعموم و30 درهم للطلبة. حضرت أول أمس برواق (نوار سير بلون) في جيليز افتتاح معرض تشكيلي للفنان أحمد بنسماعيل وكان الحضور كثيفا متميزا. هذا يعني بكل بساطة أن لدينا فاعلين ومنتجين محترمين للمادة الثقافية والفنية. لدينا فضاءات. ولدينا دينامية ثقافية لا تخطئها العين. فقط نحتاج إلى تشجيعها ودعمها المادي والإعلامي. وكذا تعميمها لتواكب التوسع العمراني للمدينة وتشمل الأحياء الجديدة التي تتشكّل دونما اعتبار للثقافة كاحتياج مجتمعي لدى الساكنة. وفي الأخير، المساهمة في تطوير هذه الدينامية من خلال إعمال آلية التقييم المستمر. ومرة أخرى عوض الاستسلام لخطاب الأزمة، يجب الانطلاق من دينامية الواقع وضمان حد أدنى من التنسيق والتشبيك لكي نبلور بشكل تلقائي ومن الداخل خطة استراتيجية تثمن المنجز وتوجٍّهُه وتضيء درب المستقبل. فمراكش مدينة الربيع بامتياز. والربيع إمّا أن يكون ثقافيا أو لا يكون.
* مداخلة ياسين عدنان في ندوة "دينامية المدينة والفعل الثقافي بمراكش" التي نظمت يوم السبت 23 ماي 2015 بقاعة الندوات بالمركز الثقافي الداوديات ضمن منتديات تانسيفت الفكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.