إن تعدد الزيارات الملكية لإفريقيا، هو توجه استراتيجي لتوطيد الحوار جنوب جنوب، لأجل تعميق التعاون بين هذه الدول. لان الانفتاح في التعامل الاقتصادي والتجاري مع دول الشمال، لم يعط نتائج مرضية، جراء استمرار العلاقات الغير المتكافئة التي جرت وراءها عقودا من الصراع والعداء، نتيجة هيمنة التفوق الغربي على المستعمرات السابقة. ناهيك عن تركها ترضخ في إرث مشاكل حدودية، لا زالت تشعل فتيل النزاعات، تغذي بؤر التشنجات، تعاكس سيادة الدول، وتفتح الباب على التدخل في شؤونها الداخلية. إن الاختيار الملكي الذكي بأبعاده الإستراتيجية، ونجاعة الدبلوماسية الرسمية المغربية في الارتباط بانتمائها الجغرافي، تتأسس على استيعاب معطى أساسي، هو أن علاقة دول الجنوب مع الشمال بشكل مباشر، لم ننتج عنها صيغة مثلى تتمثل في تحقيق توازن في ميزان هذه العلاقات، لما يسمى رابح رابح. ودول الجنوب تعاني من الخسارة على مستوى هجرة العقول، واستنزاف الخيرات، وعجز الميزان الدائم. ما يجعل من تنويع الشراكة بين الدول الإفريقية أمرا مربحا في حد ذاته، وتنزيل للعولمة بكل تجلياتها. وهو بذلك إعلان عن نهاية زمن الوصاية الغربية و استغناء عن فتات مساعدات القوى الاقتصادية الغير مجدية، والتي، في إطار تجادبات المصالح، أنتجت لنا إخلالا صارخا بعهود تنمية القارة الإفريقية، وعدم الوفاء بتفعيل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، انعكست سلبا على عيش الإنسان الإفريقي. إن الزيارات الملكية المتكررة للدول الإفريقية، هي تجسيد للارتباط بالعمق الثقافي الإفريقي، وانفتاح على أسواق استثمارية جديدة، في مناطق الدول السائرة في طريق النمو، لإنعاش اقتصاداتها، لتعويض عطالة قطار الاتحاد ألمغاربي المتوقف عن السير، جراء تخاذل الجزائر التي تغرد خارج السرب، وذلك بدعم الوهم المتمثل في محاولتها الفاشلة لأجل إحداث دويلة قزمية على الورق. وما خطة نسج لبنة جديدة، إلا تعبير عن تجاوز للحاجز النفسي، ولعقدة التفوق الغربي، الذي لا يخدم إلا مصالحه، ووعي بتهديد سلم اجتماعي لا يخدمه اقتصاد غير مهيكل وهش. في أفق تأسيس تكتلات إقليمية متكاملة، بحلول متجددة قادرة على محاربة الفقر، ومواجهة خطورة التحالفات المحتملة للتنظيمات الإرهابية تحت يافطة الارتباط الأيديولوجي، التي من شأنها خلخلة الوضع الأمني في منطقة ساحل الصحراء وشمال أفريقيا. المغرب نسج علاقاته مع الدول الإفريقية، التي تتوسع وتتنوع جراء توسيع دائرة الاهتمامات الجيوسياسية، أمام ضرورة التضامن والتنسيق الإقليمي، لمواجهة انتشار ظواهر الجريمة العابرة للقارات، من بينها الاتجار في البشر، المخدرات والإرهاب وتجارة الأسلحة. وهي الظواهر التي تنتج عن غياب البعد الاجتماعي والحقوقي في المخططات التنموية التي من المفروض أن تكون شاملة. وبما أن المغرب له دور ريادي إقليميا، ونموذجي في حماية أمن واستقرار دولته، خلافا لعدد كبير من الدول، فإن خبرته مطلوبة، وهو يمنحها، في إطار التعاون، للدول الإفريقية الصديقة. المغرب بلد عريق في مجال الدبلوماسية الدينية، وبعلاقاته التاريخية استعاد رياديته في ظل محاولات للتنافس معه من قبل جارته المغاربية، وهو لذلك يقدم خدمات للدول الإفريقية الصديقة، لأجل حماية أمنها الروحي، الذي يعد جزءا من الأمن الغذائي والتنموي، علاوة على ضمان الأمن في مواجهة شبح الإرهاب، والشبكات الإجرامية العابرة للقارات. إن التوجه الجديد في الزيارات الملكية هو نابع من رغبة سد ثغرة الكرسي الفارغ في القارة الإفريقية، الذي استغلته الجزائر لنفث سمومها، التي لن تعطل قطار وقدرة الشعوب في النمو والتعاون في ما بينها.