يحمل التعديل الحكومي الاخير في الجزائر العديد من الاشارات ، التي انتجتها تراكمات نظمية، ترتبط اساسا بطبيعة النظام السائد، وازمة مؤسسة الرئاسة، و اختبار " عدم الاستقرار" الذي تتخبط فيه الدولة الجزائرية بشكل مستمر،علاوة على عدة "عوامل وسيطة"، ترتبط بما احدثته الانتماءات الأولية القبلية والهوياتية من فوضى ناشئة ،واضطرابات ارتدادية ،فضلا عن اثار الفضائح المرتبطة اساسا بقضايا الفساد واذكرهنا " فضيحة خليفة التي تورط فيها وزراء"، و" فضيحتي طريق السيار شرق غرب، وسوناطراك". وبشكل عام، يمكن القول ان التعديل الحكومي في الجزائر هو تعديل " أزمة " وتعديل " مصالح متشابكة" لها مؤشراتها ومظاهرها، بالإضافة إلى كونه تعديل يعكس اهتمام النظام الجزائري بمحاكاة الجوار والانفعال به،وانطلاقا من هذه المداخل يمكن تسجيل عدة اشارات حول هذا التعديل. أ التعديل الحكومي في الجزائر عملية تجميل منقوصة ومهدئا ظرفيا ،فالنظام امام اختبار تاريخي جاد،فيما يتعلق بدورة القيادة والاستوزار. ب النظام الجزائري، يريد عبرهذا التعديل ان يدلل غضبين،الأول هو غضب اسواق البترول،وتحولات الطاقة، وهي "قشة" اطاحت بوزيري الطاقة يوسف يوسفي والمالية محمد جلاب، والثاني هو الغضب الشعبي الذي انتج وضعية "الانهاك المتبادل" بين الدولة والمجتمع،خصوصا في الجنوب الجزائري. ج التعديل،حاول من خلاله النظام الخروج من المربع " صفر" واثر الاحتقان بفعل التنقيب عن الغاز الصخري وأسباب اخرى خصوصا في الجنوب الذي عانى كثيرا من التهميش والاستبعاد البنيوي. د التعديل له باعث اجتماعي اقتصادي،مرتبط بتردي الأوضاع،ورغبة المجتمع في مشاهدة التغيير باستمرار،ولو ان الطموح الشعبي في الجزائر ينشد التغيير الجذري الشامل،على مستوى النظام الذي يمكن تشبيهه " بالشيطان الشائخ" الذي لن يقيم أي وزن لفكرة الاستقرار الاجتماعي. ه التعديل الحكومي جاء بفعل الضغط الاعلامي والوسائطي،وباقي المحفزات الخارجية. و التعديل ناتج عن ضعف الدولة الجزائرية التي لم تستعد هيبتها بعد بفعل ازمة القيادة وجزائر "بلا رأس"،وهياكل بيروقراطية لا تزال تعمل بالعلائق الزبائنية،هذا الضعف قد تتم تعريته،بوجود وزراء مقصرين،مما قد يغري المجتمع والخارج للقيام"بعدوان متنوع "على النظام الجزائري. ز دور المحفز السيكولوجي كبير في هذا التعديل الحكومي،نظرا لان فضائح الفساد التي تورط فيها وزراء( بوشوارب،بلعيز،غول،تبون، بن غبريط ،عمارة، لعبيدي...) اثرت في النظام سلوكيا وقيميا. ح النظام الجزائري له اوراق لإلهاء الشعب،من بينها ورقة المغرب، وورقة التعديلات الحكومية،وبدرجة اقل ورقة الانتخابات السابقة لاوانها. ط التعديل الحكومي وفترات الشكوك والتكهنات التي تسبقه، اصبح "لعبة مفضلة" لدى النظام الجزائري. ي التعديل الحكومي الاخير هو الرابع من نوعه الذي يطرأ على حكومة عبد المالك سلال في سنتين ونصف ،منذ تعيينه لأول مرة في شتنبر 2012 . ك التعديل اجهز على مكتسبات النخبة النسائية في الجزائر،وقلص حضور المرأة في الحكومة،وقد يفهم من هذا التلميح المؤسساتي ان النظام العسكري،لا يقبل "بتغلغل" المرأة في اجهزته. ل التعديل ابقى على كل الوجوه الحكومية المعادية للمغرب ومن حجج هذا الاستنتاج نجد ترقية عبد القادر مساهل المعادي للوحدة الترابية المغربية،من وزير منتدب مكلف بالشؤون المغاربية والافريقية،الى وزيرمكلف بالشؤون المغاربية والافريقية والتعاون الدولي،هذا المعطى يوحي بأن الجزائر تريد الاشتغال "بوزيري خارجية" وهما لعمامرة ومساهل. م ما اقدم عليه "بوتفليقة" في هذا التعديل الذي اطاح بتسعة وزراء،لم يخدم الاحزاب السياسية بشكل مطلق بما فيها احزاب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي،فكل الوزراء الجدد تكنوقراط متحررون من أي انتماء حزبي. ن تعيين امين عام جديد للحكومة، باعتباره الساهر على تنظيم النشاط القانوني للدولة،يفهم منه،ان النظام يريد وضع شخص طيع لتأمين مرور طبخة التعديلات الدستورية،التي ستكون اهم انجاز سياسي لبوتفليقة في عهدته الرابعة،خصوصا ان ولاية "الجنرال الفقيه" تريد ان يكون بوتفليقة اخر وزير دفاع مدني في تاريخ الجزائر،والفريق احمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني وقائد اركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري يتزعم هذا التوجه. س الإطاحة بوزير الرياضة محمد تهمي في التعديل الحكومي،نتج عن فشله في اقناع الهيئات الرياضية الدولية بتنظيم الجزائر لتظاهرات، اخرها كأس امم افريقيا 2017،وجدير بالاشارة الى ان وزارة الرياضة تغير اسمها واصبحت تسمى بوزارة الشباب والرياضة في التشكيلة الجديدة بتسمية مطابقة لنفس الوزارة في المغرب. يأتي هذا التعديل في لحظة سياسية دقيقة تمر منها الجزائر،على المستويات السياسية، الامنية،الاقتصادية، والاجتماعية داخليا،وصورة النظام العسكري خارجيا،رغم محاولة "حرس" النظام الحالي،بعث رسالة مفادها ان بوتفليقة لا زال قادرا على التعيين والإعفاء، والإشراف على اعداد الوصفات والمعادلات السياسية. - رئيس المركز الدولي لتحليل المؤشرات العامة.محلل سياسي. [email protected]