أثناء إلقاء الدرس أشرت إلى نظرية النسبية لأينشتاين و قلت : رحمه الله ، و في نهاية الحصة تلقيت ملاحظة طالب أنني أترحم على يهودي، و في الحقيقة أني ترحمت على عالم، لم أستحضر يهوديته، مكن العقل البشري من استيعاب رحلة الإسراء و المعراج. إن الإسراء و المعراج رحمة بسيد الخلق، أو سميها " العرض الخاص للرحمة"، بعد معاناة و مواجهة أهل الطائف التي خرج أطفالها يرمونه بالحجارة عليه الصلاة و السلام ، فقال دعاءه المأثور الذي يجب أن نحفظه للأطفال ليتربوا على الهمة و ينتظروا الرحمة، فلا رحمة بدون جهد: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين. أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى، ولكن عافيتك أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بى غضبك أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك." إن الرحمة تقتضي الحزم و علو الهمة لا الإهمال و لا الاستسهال يقول ابن القيم: ( إن الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع و المصالح إلى العبد، و إن كرهتها نفسه و شقت عليها ) فالرحمة الحقيقية أن يكره الأب ولده على العلم و العمل، و يمنعه الشهوات التي تعود عليه بالضرر، فمن قلة الرحمة الإهمال، و من قلة الرحمة الترفيه المبالغ فيه، فهي رحمة لا تربوية و لا تصنع الرجال، و الرجولة صفة لا علاقة لها ب"النوع الاجتماعي". فمن تمام رحمته تعالى ابتلاؤه لعبده، لمعرفته بمصلحته و امتحانه و منعه من أغراضه، لكن العبد لا يدرك الرحمة فيتهم ربه و لا يعلم مكامن الخير و لا قيمة الدنيا و لا مكانته عند الله تعالى، فإذا ابتلاك فرحمة بك و لأنه يحبك، أفلا تقبل رحمته ؟ كان الإسراء و المعراج الرحمة التي أرسلها الله لتأييد رسوله و الدفاع عنه في لحظة ابتلاء.و الابتلاء في أصله رحمة يطهر الله تعالى بها المؤمنين، يمنعهم ليعطيهم و يبتليهم ليعافيهم، الرحمة لهذه الأمة و لمهموميها و لهماميها، و لا نامت أعين الجبناء. فرحمة الأمة بعلو الهمة لا بالتقاعس و الخنوع و السلبية و الانتظارية و عدم الأخذ بالأسباب كانت تجربة الإسراء و المعراج تقول من أراد الكرامة لابد أن يدفع الثمن، لابد من البذل و العطاء و الإخلاص كثمرة للإيمان، و أن العزة كل العزة في الثبات على الحق و الصبر عليه و الدفاع دونه، فلا ذل و لا خنوع و لا استسلام. إن ذا الهمة حريص على طلب الرحمة و موجباتها و العمل بها، ومن موجباتها : * التقوى: ( و إذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم و ما خلفكم لعلكم ترحمون ) يس 45 *القرآنية: ( و إذا قرئ القران فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون ) الأعراف 204 *الإيخاء : ( و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله ورسوله، أولئك يرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم ) التوبة 71. 72 *الإحسان: ( و ادعوه خوفا و طمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين ) الأعراف 56 فإذا كانت الهمة عالية ارتبطت بالمطالب العليا و إذا كانت سافلة تعلقت بالسفليات، فمدار الشأن على همة العبد و نيته و لا تتحقق إلا بترك :العوائد و العوائق و العلائق . فالعوائد هي بلادة المألوف و الاطمئنان المتصدع و السكون إلى الراحة دون جهد،و الاعتيادية التي تقتل الخلايا و تغير مجرى الإحساس. و العوائق هي التي تعوق ذا الهمة عن السير نحو الله، و أهمها المعاصي، فالطريق نحو الله نور و نور الله لا يؤتى لعاصي، ثم الابتعاد عن سنة الرسول عليه منا أفضل الصلاة و السلام. أما العلائق فهي كل ما يتعلق به القلب دون الله من ملاذ الدنيا و شهواتها. إن ذا الهمة صاحب بصيرة تجعل القلب ينزعج من رقدة الغافلين، وتمنح العزم و العقد على السير نحو الله على بصيرة في الأسماء و الصفات اللالاهية و بصيرة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ثم بصيرة في تحقيق وعد الله.