النظام الجزائري يدين مقتل فلسطيني بالقدس والإدانة كانت شديدة اللهجة أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا جاء فيه "إن الجزائر تدين بشدة الجريمة الشنعاء التي اقترفتها أيادي غادرة في مدينة القدسالمحتلة في حق الفتى الفلسطيني محمد حسين أبو حضير . وإن هذا العمل الإجرامي الدنيء مثال آخر على فظاعة ما يتعرض إليه أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل من قتل وتنكيل واعتداءات لا تنتهي من طرف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين على حد سواء". ودعت الخارجية الجزائرية إلى "وضع حد للانتهاكات الصارخة لأبسط حقوق الإنسان الفلسطيني أولها الحق في الحياة التي تزهق على مدار اليوم والشهر والسنة دون أي وازع ولا رادع". وبهذه المناسبة العظيمة، عفوا الأليمة لأن اللسان العربي لا ينطق إلا بالتمجيد والتعظيم ، لا يسعنا إلا أن نتوجه لوزارة الخارجية الجزائرية بالشكر الجزيل على بيانها الشجاع والقوي بأفضل ما يوجد في أحشاء لغة الضاد من مصطلحات الشجب والإدانة، وبدفاعها المستميت عن حقوق الإنسان وخاصة الحق في الحياة وهو حق يحرص عليه النظام الجزائري أيما حرص شديد، ولنا في نموذج غرداية ما يفيد هذا الحرص . بيان وزارة الخارجية الجزائرية وما انطوى عليه من قوة في الموقف كان بالإمكان تقبله فيما لو تزامن صدوره مع أحداث دامية كالسيناريوهات المتكررة فصولها وحلقاتها على قطاع غزة حيث الغطرسة الإسرائيلية أتت آنذاك على إبادة جماعية من تشريد وهدم للبيوت وتجويع وقتل للأطفال والشيوخ والنساء. أم أن يصدر بيان جزائري بقده وقديده على خلفية مقتل شاب في القدس لم ينتبه له الإعلام باعتباره حدثا عابرا قياسا بالمجازر السابقة، ففي ذلك إثارة للشك والريبة لعدم ملائمة قوة البيان مع بساطة الحدث لو نظرنا إليه بمنظار الدولة ومن زاوية السياسات العمومية، فبالأحرى أ ن تكون له قيمة حقوقية وإنسانية وخاصة لدى نظام شمولي ومستبد كالنظام الجزائري كان وما يزال آخر همه أن يهتم بقضايا فردية ومعزولة . وإننا قد لا نستغرب من هكذا مواقف، وكان من الممكن أن نصدق بيانا من هذا القبيل فيما لو صدر من دولة تومن بالقيم الكونية وتحترم شريعة الله وشريعة حقوق الإنسان وتقدر كرامة أضعف كائن من مواطنيها قبل أن تلتفت إلى من هو أقوى منه. ولذلك هل النظام الجزائري يعد من هذا التيار الوازن للدول والمهووس بالمنظومة الحقوقية إلى درجة أن ينشغل بمقتل شاب فلسطيني، وإن كنا لا نقلل من أهمية آدميته. وما عاد الله أن نعتبر هذا البيان ّببيان المندبة كبيرة والميت فار"إنما ليس من باب احترام الجهة التي أصدرته، ولكن احتراما للشهيد الفلسطيني الذي جعل منه السماسرة عملة للمتاجرة في جثث البشر لأغراض سياسية ضيقة. فالسياسة وسخة وتزداد بحسب نوايا من يرتادها ويستعملها. ومن الأنظمة العربية الشمولية، وعلى رأسها نظام العسكر، ما يتخذ من القضية الفلسطينية مطية إما للمزايدة على بعضها البعض ليجعلوا من هذه القضية مقياسا لعروبتهم ظاهرها التضامن وباطنها عند علم الله وما تختزنه ذاكرتهم من مكر ونفاق، وإما للتستر على موبقاتهم الداخلية بإلهاء الرأي العام عن مشاكلهم الحقيقية في قضايا يفترض أن تكون هي الأخرى في سلم الأولويات، لكن ليس على حساب القضايا الوطنية ولا على حساب هموم الناس ومشاغلهم. قد نحاول الضغط على أنفسنا ونجبرها على الإيمان بالموقف النبيل الذي تضمنه البيان الجزائري، وقد تكبر فينا مشاعر الاعتزاز والافتخار لو أن هذا الموقف جاء في سياق سياسة عمومية كمنهج وكقاعدة قوامها الثبات على المبدإ كلما طرحت حالات مماثلة في شرق عالمنا وفي غربه. فالإنسان يفترض أن يتم التعامل معه كقيمة من القيم الكونية وليس كورقة نقدية للمتاجرة والتداول. وما ينهجه حكام الجزائر من ازدواجية لا يقلل فقط من هذه القيم بل يعبث بها ولا يستحضرها على الإطلاق حينما يطلق الرصاص على مزارع مغربي كان رجلا مسالما وليس إرهابيا، ذنبه أحب الطبيعة من خلال انشغاله والعناية بحقله. وهنا يلتقي الحكام الجزائريون مع السياسة التي تنهجها إسرائيل ضد المزارعين الفلسطينيين في مروج وروابي وحقول غزة والضفة الغربية في لعبة الرماية عن بعد بإسقاطهم واحدا تلو الآخر. فهل دماء الشاب الفلسطيني، عند حكام الجزائر، أزكى وأطهر من دماء المزارع المغربي. أين هو الحق في الحياة الذي يتحدث عنه البيان الجزائري. المثير للانتباه في هذا البيان وهو أنه أوهمنا بأن هناك صرامة حينما تحدث عن الوازع والرادع بمعنى أنه من المفترض أن يكون للقادة الجزائريين تصور لمفهوم وبناء قوة لردع إسرائيل وجيشها ليس فقط عن التنكيل بالشعب الفلسطيني، وإنما لجعل هذا الشعب يتمتع فعليا بكل حقوقه بدءا من حقه الحياة وانتهاء بإقامة دولته المستقلة. اللهم إذا كان حديث البيان عن الردع من قبيل التنميق وجمالية النص. وإذا كان النظام الجزائري حقيقة في مستوى بيانه وأنه قادر على أن يقرن القول بالفعل، فإننا ننتظر منه أن يكون في طليعة القوى الرادعة لجبروت إسرائيل. أما أن يتخمنا بكلام لا معنى له فهذا استغباء واستمناء في السياسة. والحالة أن الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى بيانات لا تسمن ولا تغني. فعنتريات الكلام زادت عن حدها ولم تعد تساوي ذلك الحبر الذي تكتب به . فمنذ أن أوجد الله هذا الصنف من العرب وهم يلوحون بسيوفهم ولا يستأسدون بها إلا على أنفسهم. أما من يعتبرونه بالعدو فهو في منأى عن تلك السيوف التي أتى الصدأ على حدها، كما هو محصن بعلومه وتفوقه العسكري على أصحاب الجهل والثرثرة . وفلسطين لن تحررها البيانات ولن ترفع الظلم عن أهلها وذويها. فهل من بديل عن تلك البيانات؟ نعم النظام الجزائري قد أوجد بالفعل البديل للانتقام للشاب الفلسطيني. وقد رد على حادثة القدس الهمجية في غرداية (لمزاب) بتصفية واحد من نشطاء إيمازيغن الشاب "عوف الياسع" ، وعمره لا يتجاوز سبعة عشر ربيعا، على يد عصابة تدعى "شعانبة" تقف من ورائها الأجهزة الأمنية الجزائرية. وهي العصابة التي كانت أيضا من وراء مقتل ثمانية من شباب غرداية. ولعل استهداف هؤلاء الشباب على أرض إيمازيغن لا يمكن فهمه إلا في سياق المفهوم السياسي للطبقة الحاكمة في الجزائر وللمتشبعين بفكرهم وعقيدتهم العروبية التي تنظر إلى الأمازيغ نظرة المشكوك في وطنيتهم وانتمائهم، وعلى أنهم متصهينون وينفدون خططا إسرائيلية في مجتمعات يجزمون على أنها عربية بالتمام والكمال. ولذلك، فإنه من غير المستبعد أن تشكل تصفية عوف الياسع قربانا يقدمه النظام الجزائري للشعب الفلسطيني وانتقاما من إسرائيل ومن أولئك الذين تعتبرهم اذرعا صهيونية في جزائر العروبة والشهامة وجزائر المليون شهيد الذين ربما لم يستشهدوا كلهم على يد المستعمر، بل منهم وفيهم كما يجري حاليا مع أمازيغ المزاب. هذا هو مسلك النظام الجزائري القائم على التمويه والافتراء والمزايدات الرخيصة، وهذه هي طبيعته النضالية التي تناضل في شعبه تصفية وجوعا وفقرا . وإلى حين أن تستقيم الأمور لما فيه خير الشعب الجزائري، فإننا نشرئب بأعناقنا إلى بيان جزائري رقم 2 يضاهي في قوته البلاغية البيان رقم 1 لكي نشفي غليلنا. وما أحوجنا لمثل هذه البيانات كي نهزم بها إسرائيل. [email protected]