عكس الكثير من الدراسات السابقة حول صياغة دستور2011 التي نفت صفة التشاركية عن هذه الوثيقة المفصلة لممارسة الحكم بالمملكة، أشار الباحث المغربي أمين السعيد إلى أن الخطاب الملكي ل9 مارس 2011 دعا إلى الإصغاء والتشاور مع المنظمات الحزبية والجمعوية والفكرية والعلمية المؤهلة بدون استثناء، بما فيها حركة 20 فبراير، غير أن ذلك لم يمنع من ملامح ضعف شابت إعداد هذه الوثيقة. حديث أمين السعيد اندرج في إطار ورقته البحثية "السلطة التأسيسية للموجة الدستورية العربية"، خلال الملتقى الأول للأيام الدراسية لطلبة الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، حول الإصلاحات الدستورية في الوطن العربي، عن نماذج تونس ومصر والمغرب والجزائر، بحضور مجموعة من الأساتذة الجامعيين، من بينهم أمينة المسعودي، أحمد بوجداد، الهادي مقداد، حسن طارق، جواد النوحي، عبد الرحمن المصلوحي، وحسن طارق. وأضاف السعيد أن اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور لم تعمل لأجل كتابة دستور يليق بالملك، بل تمحيص الاقتراحات المتناقضة التي طغت نتيجة الطلب المكثف على صياغة الدستور، وبالتالي الاستفادة من خبرتها في تجميع وترتيب الاقتراحات، تمامًا كما وقع بتونس ومصر ما بعد "الربيع العربي"، عندما استدعى المجلس الوطني التأسيسي التونسي الخبراء، وعندما شكّل الرئيس المؤقت عدلي منصور لجنة خبراء لاقتراح التعديلات المناسبة على دستور 2012 المعطل. غير أن إعداد دستور 2011 لم يخلُ من سمات ضعف ظاهرة، يقول السعيد، منها ثقل خوف السُلطة المحلية، وربطها التصويت على الدستور بالتصويت على المَلك، ومبالغتها في الترويج والضغط بالتصويت لصالح مشروع الدستور، ممّا شوّش على نجاج التجربة، لذلك، يستطرد الباحث، كان يتعيّن على السلطات المحلية التزام الحياد والموضوعية لكون تدخلها أضرّ بالتجربة المغربية أكثر من إنجاحها. ومن هذه السمات كذلك، يقول السعيد، هناك الخطبة النموذجية ليوم الجمعة، التي دعت المُصلين إلى التصويت لصالح مشروع الدستور، إذ "أَطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية العِنان للأئمة، لذلك كان من المفترض طرح النقاش حول الاستفتاء وعدم توجيه المواطنين في تجاه دون الآخر"، فعدم التصويت على مشروع الدستور لا يعني معارضة المَلكية، كما أن التصويت على مشروع الدستور لا يعني التشبث بالملكية، يبرز السعيد. وفي ورقتها الخاصة بالحقوق الثقافية بالمغرب، أشارت الباحثة سهام جوهري، إلى أن الدستور الجديد خصّص حيزًا هامًا للهوية الثقافية بالمغرب مقارنة مع بقية الدساتير الأخرى، وهو ما يتجلى أوّلا من ديباجة الدستور التي تتحدث عن مقومات الهوية الوطنية، ثم منحه اللغة الأمازيغية صفة رسمية إلى جانب العربية، وكذلك حمايته للهوية الحسانية، وحثه على إنشاء مجلس للثقافة واللغات، زيادة على مواد أخرى. وأشارت الباحثة ذاتها إلى أن كلمة الثقافة تكرّرت عشرين مرة في دستور 2011 مقابل ذكرها مرتين فقط في دستور 1996، وهو ما يؤكد "تحسنا في التعامل الدستوري مع المسألة الثقافية، وبالتالي المضي قدمًا في تجاه الرقي والاهتمام أكثر بالثقافة في التنمية الشاملة"، وذلك فضلًا عن اعتماد المغرب لآليات وطنية وخارجية تهم تطويرًا أكبر لهذا الجانب. ومن بين الإشكاليات التي أثارها الباحث عبد الرحمن بنكرارة، في ورقته البحثية التي حملت عنوان "الدستورانية المغاربية: نحو تعاقد اجتماعي"، تأثير الاحتجاج الذي شهدته دول الجزائروتونس والمغرب، وظهور ما أسماه ب"الذات الفاعلة" الحاملة للوعي الشقي، منتفضة بذلك على الضمير الجمعي للجماعة الاجتماعية الخاضعة لسلطة الدولة، وعلى هيمنة السلطة السياسية والإيديولوجية للدولة. وأشار بنكرارة إلى أن تونس شهدت جمعية تأسيسية تولت وضع دستور جديد بعد الثورة التونسية، أما المغرب، فرغم المطالب بجمعية تأسيسية، إلا أن الملك احتوى هذا المطلب من خلال نهجه ل"سياسة استباقية تبلورت في إعلانه عن تعديل دستوري وفق مرتكزاته وشروطه"، في حين افتقرت التجربة الجزائرية إلى مطلب من هذا النوع، إذ ركزت المطالب على البعد الاجتماعي، حتى وإن لم يمنع ذلك الجزائر عن إعلان تعديل دستوري. وفي مداخلة رابعة للباحث حمزة الأندلسي بن ابراهيم، حول "المبادرة التشريعية في الدستور المغربي لسنة 2011"، خلص المتحدث إلى أن المجال التنظيمي في الدستور الجديد ظل مجالا حصريا للحكومة، تبادر فيه وتقرر، كما تصدر الأمر بتنفيذه عبر مجلسها الحكومي، ممّا قد يترتب عنه تضييق مجال الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، مضيفًا: "المجال التنظيمي ظل معفيا من رقابة المحكمة الدستورية، على غرار الدساتير الخمسة السابقة للمملكة المغربية، الشيء الذي يجعل المواطن دون ضمانات كفيلة بحماية حقوقه من الشطط التشريعي في هذا المجال".