بالقرب من كورنيش أكادير، تحوّل الاحتجاج إلى ما يشبه الطقس اليومي.. عمال وعاملات سابقًا بفندق "فالتور"، الذي أغلق أبوابه عام 2012، يطالبون بتنفيذ قرارات القضاء وتعويضهم عن حالات التسريح الجماعي. ليس هذا هو الفندق الوحيد بالمدينة الذي ودع زبناءه، فغير بعيد عن "فالتور" هناك فندق "القصبة، الذي لم يعد يذكر سوى اسمه، بعدما أغلق أبوابه هو الآخر في السنة نفسها. فنادق أخرى سرّحت الكثير من عمالها، وبقيت تنتظر بعض شركات الأسفار كي ترسل لها، من حين لآخر، مجموعات من السياح تنعش خدماتها، بل هناك فنادق، كما تؤكد الكثير من المصادر المطلعة، تبيع خدماتها بمبالغ جد متواضعة، فقط كي تستمر في معدلات ملءٍ محترمة. لا تظهر الأزمة في الأرقام الرسمية بشكل جلي، بل على العكس، هناك تطوّر في نسبة الوافدين على المدينة.. فحسب أرقام وزارة السياحة، انتقل رقم السياح في المؤسسات المصنّفة من 744 ألف عام 2007 إلى 913 ألف عام 2014. غير أن هذا العام سجل تراجعًا بيّنًا، فقد انخفضت نسبة ليالي المبيت في الأشهر الأولى من هذا العام بنسبة 11,59، وفقدت المدينة حوالي 8108 زائر عن رقم السنة الماضية. ولا يحتاج اندحار النشاط السياحي في أكادير إلى الأرقام الرسمية كي يتأكد، فأصحاب المطاعم يحتاجون إلى كل طرق الإقناع لجلب زبون واحد إلى طاولاتهم، والمحلات التجارية الموجودة في المدار السياحي تعاني من كساد مهول: "يمرّ علينا الأسبوع دون أن نبيع شيئًا.. ليس فقط لأن السياح قلّت أعدادهم، ولكن أيضًا لنوعيتهم، فالكثير من السياح الأوروبيين لا يشترون شيئًا من المدينة، وإن حدث ذلك فهو يقتني بعض التذكارات البسيطة التي لا تتجاوز 50 درهمًا" يقول لنا صاحب "بزار" بالقرب من ساحة الأمل. تاريخ السياحة في أكادير كأنها لعنة ضربت المدينة مؤخرًا، فرغم جوها الجميل الذي يندر أن تجده في مدينة أخرى، إذ لا تشتد فيها الحرارة ولا يعرف البرد القارس لها طريقًا، ورغم شاطئها الذي يعدّ من الأروع في منطقة شمال إفريقيا برّمتها، ومن الأشهر على الصعيد العالمي، ورغم بنيتها التحتية القويّة بالعشرات من الفنادق المصنّفة، ورغم الأمان الذي تنعم به وحفاوة استقبال سكانها، إلّا أن كلّ هذا لم يشفع لأكادير كي تتخلّص من أجواء الركود التي تصاحبها. بدأت أكادير نشاطها السياحي منذ الحماية الفرنسية، إذ أنشأ مجموعة من المستثمرين الفرنسيين مؤسسات فندقية متعددة، إلّا أن الزلزال الذي ضرب المدينة عام 1960، جعل الدولة تفكرّ جديًا في إعادة تأهيل المدينة، لتتحول في العقود اللاحقة، إلى عاصمة السياحة بالمغرب (قبل أن تنتزع منها مراكش هذا اللقب)، بل وعاصمة في المنطقة المتوسطية ككل للسياحة الشتوية، إذ كان الآلاف من السياح يزورنها في الفترة ما بين أكتوبر ومارس للاستمتاع بشمسها وبحرها. خلال العشرين السنة الماضية، تغيرت متغيرات هامة على مستوى الفاعلين في القطاع السياحي بالأسواق الخارجية، خاصة شركات النقل الجوي، وكذلك وكالات الأسفار الكبرى، يقول عبد العزيز فطواك، المندوب الجهوي للسياحة بأكادير، مضيفًا: "هذه المتغيرات أنتجت ظاهرة الاندماج والتمركز، إذ إن قرارات البرمجة السياحية للأسفار والوجهات السياحية باتت بين أيدي شركات محدودة، كما برزت محطات سياحية جديدة على مستوى دول البحر الأبيض المتوسط، جعلت التنافسية أكثر شراسة". مشاكل بادية المعالم في منطقة فونتي الساحلية، أعلنت الدولة عن مشاريع سياحية كبرى ستفتح أبوابها في القريب، إلّا أن ذلك لم يتحقق. هناك مشاريع توقفت وأخرى تشهد بطئًا كبيرًا في الإنجاز، لدرجة أن وصل المشكل إلى القضاء بسبب عدم الوفاء بدفاتر التحملّات. أسباب هذه العراقيل، تبقى متعددة، فهناك قلة الموارد المالية، وهناك من اشترى الأرض لمجرّد السمسرة، وهناك من أكمل مشروعه، ولم يستطع افتتاحه في مساحة مليئة بالأوراش والأشغال، حسب ما تؤكده مصادر مطلّعة لهسبريس. من التحديات الأخرى، ارتباط القطاع السياحي المغربي بالسوق الفرنسي، يؤكد عبد فطواك، ممّا يجعل أيّ أزمة اقتصادية تضرب فرنسا تؤثر بشكل كبير على سفر سياحها إلى الخارج، زيادة على عدم تنويع العرض إذ تغيب مركبات الترفيه والتنشيط في المدينة، فضلًا عن عدم تخصيص المدينة بتظاهرات ذات بعد عالمي، تتيح استقبال الزوار. الحديث عن مشاكل السياحة بالمدينة لا يستقيم دون ذكر إشكالية قلة الرحلات الجوية إلى مطار المسيرة: "نسبة الرحلات والمقاعد المتجهة إلى أكادير لا تتناسب مع الأسرّة الموجودة ، كما أن توّقف الرحلات الدولية في مطار الدارالبيضاء قبل الوصول إلى أكادير يمدّد من زمن الرحلة ويرهق السياح كثيرًا، لذلك يبحثون عن وجهات أخرى أقلّ تعبًا حتى ولو كانت أثمنتها مرتفعة'، يقول حفيظ الفيلالي، رئيس جمعية الصناعة الفندقية بالمدينة. ويضيف الفيلالي في تصريحات لهسبريس:" نعاني كذلك من عدم قدرة الكثير من المقاولين على تجديد فنادقهم بسبب قلة الأرباح المادية، وهو ما لا يستجيب لتطلّعات السياح الأجانب. ويكفي أن تقرأ تعاليقهم في منتديات الأسفار كي ترى مقدار تذمر الكثير منهم من خدمات بعض فنادق المدينة، ممّا لا يؤثر فقط في توجهات من ينوي زيارة المدينة، بل كذلك في قرارات شركات الأسفار الكبرى التي قد تلغي شراكتها مع الفنادق لعدم رضا الزبناء عنها". سياح "الأسورة" غير أن أكبر مشكل واجه السياحة في المدينة، هي خدمة "Tout inclus"، أي أن شركات الأسفار التي تتعامل مع المغرب، اشترطت على الفنادق تقديم خدمة إيواء كاملة (السرير والوجبات الثلاث والتنشيط)، ممّا أضعف المطاعم والمقاهي وحتى محلاّت التجارة، إذ فتحت الفنادق محلّات تجارية خاصة بها في فنائها، وصار السائح يقضي أيام عطلته بأكادير في الفندق بدل الخروج إلى شوارع المدينة. هذه الخدمة التي يُعرف زبناؤها بأسورة تُعقد في معاصمهم لتبيانهم عن بقية الزبناء، خلقت مشاكل كبيرة حتى داخل الفندق، إذ يؤكد لنا أحد العاملين بمؤسسة فندقية من خمس نجوم، أن الزبائن وصلوا درجة شديدة من البخل، لدرجة أنه يجلب معه مبلغًا بسيطًا من المال بعدما ادى كل شيء من منزله، زيادة على أن الفندق يبقى مملوءًا دون تحقيق أرباح كبيرة، إذ يربح بالكاد ما يجعله يستمر في الحياة وفي أداء أجور العمال والموظفين, في المقابل، يتحدث فطواك أن خدمة "Tout inclus" يدافع عنها مجموعة من المهنيين بالنظر إلى أنها "اختيار الزبون وأحد حقوقه، فضلًا عن أن التخلي عنها سيعرَّض الفنادق لفراغ في نسبة الملء"، مشيرًا إلى أن هناك من المهنيين من يقول إن هذه الخدمة يجب ألّا تمارس داخل المدينة، بل خارجها، نظراً لانعكاساتها السلبية على الرواج الاقتصادي والتجاري". في انتظار القادم "يجب تسريع الاستثمار في الطاقة الايوائية وبرامج الترفيه والتنشيط طبقًا لعقدة البرنامج 2020 التي انتقت 14 مشروعًا بالمدينة، كما يجب كذلك تثمين وتقوية نواحي المدينة ومناطقها الخلفية، فلا يمكن الاعتماد على الشاطئ لوحده، زد على ذلك ضرورة تطوير أكبر للسياحة الداخلية" يقول فطواك، مستطردًا: "صحيح أننا بذلنا جهدًا في هذا المجال، إلّا أن على السياح الداخليون أن ينتظموا في مجموعات كبرى تتوجه لوكالات الاسفار لأجل حجوزات أكبر وبالتالي الاستفادة من الخدمات السياحية بأثمنة في المتناول". في المقابل، يلقي الفيلالي الكرة في ميدان الدولة: "على السلطات أن تخصّص دعمًا للفنادق من أجل تحسين وضعيتها، فلا يمكن للأرباح القليلة التي تجنيها هذه الفنادق أن تتيح مباشرة إصلاحات تكلّف أموالًا كبيرة، كما يجب تخصيص صندوق جهوي لتسويق مدينة أكادير، وليس الاعتماد بالمطلق على تسويق وجهة المغرب بشكل عام، لأن أكادير تملك خصوصية كبرى تختلف عن باقي المدن". في انتظار إيجاد حلول ناجعة لتطوير السياحة بشكل أكبر في أكادير، يبقى الاعتماد على السياحة لوحدها في البنية الاقتصادية لمنطقة ما، أمرًا يحمل الكثير من الأبعاد السلبية، فكل حادث أمني محلي أو عالمي يؤثر في سفر السياح، بل إن مجرّد نشر بعض الإشاعات عن تدهور الأمن أو تضخيم الإعلام لبعض الأحداث قد يدفع السائح إلى تغيير وجهته. لذلك يظهر أن أكادير مطالبة بتنويع أنشطتها الاقتصادية بشكل أكبر، والانفتاح على ميادين أخرى تساهم على الأقل، في امتصاص معدّل بطالة المئات من شباب المدينة.