مشكلة المعارضة السورية هي أنها لحدود اللحظة لم تتقبل فكرة أن العالم الذي لم يقف إلى جانبها حين كانت الثورة سلمية و بإكسسوارات علمانية و ديمقراطية ، ولم يكن لداعش و النصرة أدنى ذكر في الميدان ، لن يقف معها اليوم بعد أن صارت بلاد الشام مرتع و مهوى كل التنظيمات الإسلامية المتشددة و بات البغدادي قاب قوسين أو أدنى من حي الميدان . في البدء كانت الثورة و اعتقد الكل أن السلمية أفضل الطرق للتخلص من الأنظمة الشمولية و استشرف الأمل في تغيير النظام الديكتاتوري في سوريا إلى نظام ديمقراطي حقيقي مرهون بردم الهوة بين الإسلاميين و العلمانيين و العلويين و المسيحيين ، بيد أن ما حمله تقادم الأيام رسخ الاعتقاد بأن الأمل المنشود لا يمكن الجزم واليقين به إلا بإعمال ضروب الالتباس و الغموض و الخيال . لنكن صرحاء و بعيدا عن الرومانسية و الشعارات العاطفية التي يروج لها في كل محفل ، دماء السوريين لا تساوي في قيمتها عند المنتظم الدولي مياه البحر ، و الثورة السورية باتت الشوك الذي يخز العالم في عضوه الأكثر تحسسا أكيد أعني الكيان الصهيوني مما يستوجب البحث عن العلاج السريع لهذا الداء ، حتى و إن كان العلاج بالكي أو البتر لا يهم فمن سيدفع الفاتورة هم أطفال و نساء يصنفون في الدرجة الرابعة بعد المائة في سلم الآدمية ، فالأولوية اليوم لم تعد لإنهاء نظام قتل مئات الآلاف و شرد الملايين و إنما لإنهاء تمدد الجماعات الإسلامية التكفيرية و المتشددة التي بدأت تصوب الطرف نحو القدس . سؤال بسيط هل من قتل على يد داعش و أخواتها من الأبرياء يساوي عشر معشار ما قتل بشار ؟ أكيد أن المتابع للصراع سيجيب بلا ، إذن لما تدخل الغرب و حشد عشرات الدول لضرب داعش و من حذا حذوها و لم يحرك ساكنا إزاء أربع سنوات من التقتيل في شعب و ضعه القدر بين كلابي الطائفية و الاستبداد ، و الخطير في الأمر هو أن الطريقة التي اشتغل بها التحالف الدولي ضد داعش تظهر مدى دقة التنسيق بينه و بين النظام السوري ، و كأن الأمر يتعلق بتقسيم الأدوار بين الطرفين . و أنا هنا لست بصدد جرد مجريات الأزمة السورية و فصولها و إنما لوضع الأصبع على جرح نتفادى مجرد التفكير فيه لا النظر إليه ، يتمثل في كون العالم اليوم يسعى سعيا حثيثا لإجهاض الثور السورية و تبخير عظم التضحيات و المهج التي بذلت في سبيلها ، تماما مثلما أغتيلت الثورة الليبية و التونسية و المصرية و اليمنية ، و لعل بداية المخطط كانت مؤتمر جنيف 2 الذي على إثره تقاربت إيران و أمريكا في مشهد مكاشفة لحقيقة الصراع المزعوم و الشيطان الأكبر . إن التقارب اﻷمريكي اﻹيراني سيؤدي إلى تسوية في سوريا والتسوية بحكم ميزان القوى و تقارب المصالح و العدو المشترك ستقوم و لا ريب على ضرورة التسوية السياسية للثورة عبر استيعاب المعارضة المعتدلة التي ستعتزل المشهد الثوري حين إذن و النظام السوري الممثل بما سيسمى شرفاء حزب البعث الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء ، و لجعل الأمور تبدو أكثر ملائمة للصواب سيعلن عن عفو عام عن المعتقلين و عن المتمردين و الجيش المنشق و تأسيس حكومة وحدة وطنية و جيش سوري قومي مكون من مقاتلين نظاميين وجيش حر وفصائل مقاتلة مرتبطة بالمخابرات العالمية ، و لا أعتقد أن نص السيناريو سيخرج عن ما قلت ليبقى من يحمل السلاح في الساحة هم الجماعات الإسلامية المتشددة على تعدد أساميها . ليدخل الصراع مرحلة أخرى تتمثل في تطهير الشام من التكفيريين و المتشددين و قد تتأسس لجان شعبية تساند الجيش القومي لهذا الغرض ، خصوصا إذا وضعنا نصب أعيننا وجود خصومات بين بعض الفرق مثل الصوفية و المرجئة ضد الجماعات الذكورة ، و قد يتم خلق حالة سخط شعبي من تواجد هذه الجماعات عبر استعمال علماء و فقهاء الفضائيات لتشويه صورة الجماعات المذكورة و ربما إحداث تفجيرات ضد المدنيين و إلساقها بهم و ما إلى ذلك . كل ما ذكر وارد ، ما يحيلنا في أعقاب هذا كله إلى التحصر على جماجم تساقطت كالوابل ونساء أغتصبت و شباب قتل و أعتقل ونازحين فقدوا بلدانهم و مدن بأسرها دكت و على واقع الثورات العربية السورية خصوصا ، التي ضاعت بسبب تشرذم المعارضة و تعدد مأربها و اعتزالها الولاء للشعوب في مقابل اللهث خلف المال و السلطة . معشر المعارضة السورية ، صح النوم ضاعت الثورة !