كشفت الحرب المتعددة الأطراف الدائرة على أرض الشام منذ 15 مارس 2011 الكثير من الأسرار وحولت شكوكا عديدة إلى إثباتات دامغة كما خلطت أوراق التحالفات خاصة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وبدأت تفاعلاتها تفرض إعادة رسم نظام توازن عالمي كان قد ضاع في المتاهات التي أدت في نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين إلى بدء مسلسل انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان قطب توازن يحول بين تغول الولاياتالمتحدةالأمريكية على باقي دول المعمور. الولاياتالمتحدة والذين يساندونها في تدعيم القوى التي تخوض الحرب للإطاحة بالنظام القائم في دمشق يبررون موقفهم بالدفاع عن الديمقراطية والحرية ومقاومة الاستبداد وحق الشعوب في تقرير مصيرها. غير أن الأحداث الجارية في بلاد الشام تشير إلى أن المستفيدين من الدعم الأمريكي والغربي المتعدد الأطراف يتشكلون من مزيج من الجماعات المسلحة المتشددة غالبها ينتمي إلى تنظيم القاعدة أو جماعات تكفيرية لا تؤمن بالديمقراطية التي يدافع عنها الغرب. هذا الوضع المتناقض بين المعلن وبين ما هو ملموس على الساحة يطرح تساؤلات كثيرة وعميقة عن النوايا النهائية لشبكة التحالفات التي تحرك جزء كبيرا من الأحداث في منطقة الشرق الأوسط الكبير، وهو ما يعيدنا بقوة إلى مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الكبير أو الجديد والذي ينص على إعادة رسم حدود دول المنطقة على أساس طائفي وعرقي ومناطقي وإقامة ما بين 54 و 56 دولة محل ما هو موجود حاليا كما حددته إتفاقيات اتفاقية سايكس بيكو سازانوف لعام 1916 وما تبعها من تفاهمات بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى. في غالبية الدراسات والتعليقات الغربية المصدر يسود مفهوم يراه الكثير من المحللين خاطئا، حيث يجري الحديث عن سياسات الإسلاميين وكأن غير المناصرين لهذا التوجه غير مسلمين، كما يجري تحريف مفهوم الدولة الإسلامية وربطها بالتطرف إلى غير ذلك من النظريات المغالطة للواقع والتاريخ. مكونات المعارضة المسلحة أكدت دراسة قام بها المعهد البريطاني للدفاع "آي.اتش.اس جينز" ونشرت مقتطفات من نتائجها يوم الاثنين 16 سبتمبر 2013، صحيفة "ديلي تلغراف"، ان الجهاديين والاسلاميين المتشددين، يشكلون تقريبا نصف عديد قوات المعارضة السورية. وبحسب الصحيفة البريطانية فان الدراسة، اظهرت ان عدد المسلحين الذين يقاتلون ضد نظام الرئيس بشار الاسد، يقدر بحوالي مئة ألف مقاتل، لكنهم يتوزعون على حوالي ألف مجموعة مسلحة مختلفة. ووفقا لتقديرات خبراء "آي.اتش.اس جينز" فان حوالي عشرة الاف من هؤلاء هم جهاديون، يقاتلون تحت ألوية جماعات مرتبطة بالقاعدة، في حين أن 30 الفا إلى 35 الفا آخرين هم اسلاميون يقاتلون في اطار مجموعات مسلحة متشددة. ويختلف هؤلاء عن الجهاديين في أن جل تركيزهم ينصب على اسقاط نظام الرئيس الاسد. ونقلت "ديلي تلغراف" عن تشارز ليستر الذي اشرف على هذه الدراسة ان المعارضة المسلحة "تطغى عليها حاليا مجموعات لديها بشكل او بآخر نظرة اسلامية متشددة للنزاع". واضاف ان "فكرة ان من يقود المعارضة هي مجموعات علمانية هي فكرة لا اثبات عليها". واوضحت الصحيفة البريطانية ان الدراسة تستند الى مقابلات مع مسلحين من المعارضة والى تقديرات استخبارية. يوم 20 سبتمبر 2013 نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية مقالا تناول فيه مراسلها انتوني لويد مسألة تنوع المقاتلين ضد نظام بشار الاسد، وكيف ان هناك من بينهم افرادا لا رابط بينهم وبين قوات الجيش السوري الحر سواء من حيث اللغة او الاصول. تحدث المراسل عن "إيسيس"، وهو اختصاراً ل"الدولة الاسلامية في العراق والشام"، التي يسيطر مقاتلوها على أجزاء من شمال شرق سوريا. وقد اشتهر هؤلاء بأعمال اختطاف اعدائهم وتعذيبهم. ازداد نمو قوة "ايسيس"وعدد افرادها نتيجة التمسك بنظريات تسارع الثورة السورية وفوضاها، وبدأت في تحديد وجهة الحرب. وقد افرزت مجموعات ثورية اقل تطرفا في بداية التمسك بالسيطرة العقائدية والترابية، ويوجد الان الالاف من مقاتليها منتشرون في أنحاء العراق وشمال سوريا ضمن نطاق جهودها للهيمنة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقوات "ايسيس" تعتنق اشد النظريات التكفيرية الاسلامية، اذ تريد اقامة دولة الخلافة بموجب احكام الشريعة وتوحيد المناطق السنية في العراق وسوريا. مجموعة "الدولة الاسلامية في العراق والشام" في سوريا تفرعت عن تنظيم "القاعدة" في العراق، وهي مسئولة عن قتل الاف من المدنيين العراقيين خلال ذروة الحرب الأهلية هناك وهي تعمل بقيادة العراقي ابو بكر البغدادي، الذي اقسم على الولاء لزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري. وفي الأسبوع الثاني من سبتمبر اعلن مؤتمر جهادي بدء "ايسيس" لعملية "التطهير" التي تهدف الى تدمير لوائي الفاروق والنصر في الجيش السوري الحر واللذين نددت بهما "ايسيس" باعتبار انهما خونة ومرتدين. ويضيف مقال صحيفة "ذي تايمز" من المبكر جدا وصف هذا الانقسام المتنامي على انه مواجهة ثنائية. فالحرب السورية معقدة أكثر من ذلك، وتظل خطوط الانتماء الايديولوجي قاتمة. آلاف المقاتلين الأجانب من كل أرجاء الأرض تدفقوا على سوريا خاصة عبر الأراضي التركية. أنقرة تنكر أنها توفر المعونة رسميا لتسهيل مرور المقاتلين الأجانب عبر اراضيها، لكن احزاب المعارضة مقتنعة أن الحكومة ساعدت عمليات تدفق الجهاديين وسهلتها. شيرفت ملاغلو، رئيس حزب هاتاي المركزي المعارض في محافظة هاتاي، جنوب تركيا، وهي منطقة مرور للمقاتلين الاجانب، قال ان "هذه الحكومة تعطي الأموال والمأوى والممر الآمن للجهادين". ويصل 90 في المائة من الجهاديين عبر تركيا. بعضهم من الشبان الذين يقاتلون في سبيل ما يسمى نظريات الجهاد، ولكن من بينهم أيضا هناك قتلة وإرهابيون معروفون تماما لدى وكالات الاستخبارات الدولية". ويضيف مراسل الصحيفة البريطانية لقد مرت ايام على سوريا حسبما ما تعيه ذاكرتي عندما كان الأفضل هو اغفال المقاتلين الاجانب، وهم بلا ريب يغضون النظر عني. لقد ادى ارتفاع اعدادهم الى تغيير كفة الميزان. وينقل انتوني لويد مراسل صحيفة "ذي تايمز" عن مترجمه خلال زيارته للجبهات في سوريا واسمه المستعار "حمزة" قوله: "ما كنت اتصور في البداية ان ثورتنا سينتهي بها الأمر إلى هذا الوضع. هناك مقاتلون أجانب في كل مكان، وأسلحة كيميائية، وكل مبنى مهم لحق به الدمار او الخراب، والشرفاء يفرون بينما يسطع نجم اللصوص. ليس هناك أي خيار الآن إلا المغادرة، أو الانضمام إلى صفوف المتطرفين. لقد انتهى بنا الأمر إلى هذا الدَرَك". حرب داخل حرب نشرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية يوم الأحد 22 سبتمبر 2013 تقريرا من مراسلتها في دمشق هالة جبر تقول فيه ان سوريا تشهد حرباً داخل حرب يخوضها مقاتلو المجموعات الاسلامية الجهادية المتطرفة التابعة لتنظيم "القاعدة" ضد مقاتلي المجموعات الاخرى مثل الجيش السوري الحر. وتضيف ان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد صرح بأن الحكومة السورية لا يمكن ان تقبل بتمثيل الجماعات المتطرفة المنتمية إلى "القاعدة" في مؤتمر جنيف 2. وهنا جزء من التقرير: "ستستبعد مجموعات الثوار التابعين ل"القاعدة" من اي محادثات سلام مستقبلية بخصوص سوريا، حسب ما اكد مسئول حكومي رفيع المستوى، بينما اعلن مئات من مقاتلي المعارضة الولاء للمتشددين الذين يبدو انهم يكسبون في حرب داخل حرب. وذكرت تقارير ان كتيبتين على الأقل من كتائب المتمردين التحقتا بجبهة النصرة، وهي الجماعة الاسلامية المرتبطة ب"القاعدة"، الاسبوع الماضي في الرقة، وهي محافظة متاخمة لتركيا. وعلى الرغم من قوة جبهة النصرة المتزايدة في انحاء البلاد، اصر نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على ان اي شخص مرتبط ب"القاعدة" سيمنع من المشاركة في مفاوضات من المنتظر ان تعقد في جنيف هذه السنة. وقال ل"صنداي تايمز": "اولئك الذين يقتلون سوريين ابرياء ويحملون السلاح يرتكبون الارهاب". واضاف: "اعتقد ان الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية لن تضغط باي طريقة على الحكومة السورية لعقد محادثات مع القاعدة وتفرعاتها وارهابييها". وذكر المقداد جبهة النصرة وتنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام من بين الجماعات التي لن تتحدث سوريا معها ابداً". لكنه امتنع عن الخوض في ما اذا كانت الحكومة السورية تعتبر الجيش السوري الحر الاكثر اعتدالاً ضمن الجماعت الارهابية. ومن المؤكد ان بريطانيا وامريكا ستصران على ادراج الجيش السوري الحر في المحادثات المستقبلية. وتظل التوترات بين المجموعتين مرتفعة على الرغم من وقف لاطلاق النار بعد يومين من المعارك الحامية بين الجيش السوري الحر و"الدولة الاسلامية في العراق والشام" في بلدة اعزاز في شمال البلاد. وقد زادت الاشتباكات بين مجموعتي المتمردين اللتين تقاتل احداهما من اجل اقامة خلافة اسلامية بينما تقاتل الاخرى لاطاحة الرئيس بشار الاسد وحسب. وصفت "الدولة الاسلامية في العراق والشام" معركتها مع الجيش السوري الحر بانها "تخلص من القذارة". واصر المقداد على ان المتطرفين لهم اليد الطولى الآن بين قوات المتمردين. وقال: "بعض البلدان الغربية تحرج من اعلان ان القاعدة وفروعها موجودة في كل مكان في سوريا. من يسمونهم معتدلين ليسوا هناك". وتابع: "حتى الجيش السوري الحر انضم الى القاعدة وفروعها في انحاء كثيرة من البلاد". ويمكن استشفاف لهجة جديدة ومريرة لدى قوات المتمردين. فقد ازدادت المشاعر المعادية للغرب في الأشهر الأخيرة وسط تهديدات للصحافيين وعاملي الإغاثة. وفي الاسبوع الماضي اعلن بيان على منتدى جهادي ان "الصحافيين أعداء للمجاهدين في سوريا وعالمياً. وقال ان الصحافيين الغربيين يجب ان يعتقلوا ويستجوبوا ويعاقبوا وفقاً للشريعة. وقد ازداد خطف الصحافيين وعاملي الاغاثة في الاشهر الاخيرة، واحتجز نحو عشرين صحافياً، واوقف بعضهم قبل بضعة ايام فقط. وعلى طول حدود سوريا مع تركيا يحاول مقاتلو "الدولة الاسلامية في العراق والشام" انتزاع السيطرة على اربعة معابر حدودية من وحدات المتمردين الاكثر اعتدالاً سعياً للسيطرة على ممرات الامدادات، وفقاً لمتمردين يقاتلون المتطرفين. شهادة صحفي ايطالي قال المراسل الحربي الايطالي دومينيكو كيريكو، الذي اختطفته مجموعات مسلحة معارضة في سوريا عقب تحريره بعد خمسة شهور قضاها بمعية الرهينة البلجيكية المدرس بيير بيشينين دا براتا، في مقال له يوم 11 سبتمبر، إن المعارضين عاملوه "كما تعامل الحيوانات". ووصف المراسل البالغ من العمر 62 عاما في صحيفة لا ستامبا التي يعمل فيها كيف عرضه المعارضون للاعدام الوهمي مرتين. وقال إن خاطفيه كانوا شبابا مشوشين مهووسين بالسعي وراء المال. وكان كيريكو قد دخل سوريا قادما من لبنان في السادس من ابريل 2013، واختفى بعد اربعة ايام قرب بلدة القصير. ويقول أنه يشك أن عناصر من الجيش السوري الحر المعارض قد خانوه. وفي الاشهر التالية تناوبت عدة حركات مسلحة معارضة على الاحتفاظ بكيريكو ودا براتا. واجبر الرهينتان على الانتقال عدة مرات خلال فترة اسرهما في رحلات طويلة وخطرة في عمق سوريا تبعا لتبدل جبهات القتال. وقال المراسل الحربي "كان خاطفونا ينتمون الى مجموعة تقول إنها مجموعة اسلامية، ولكن الحقيقة انها كانت مكونة من مجموعة من الشباب المشوشين الذين انضموا للثورة فقط لأن الثورة اصبحت ملكا لمثل هذه الجماعات التي يمكن ان توصف بأنها تقف على منتصف الطريق بين اللصوصية والتعصب الديني". واضاف "انهم يتبعون كل من يعدهم بمستقبل أفضل ويزودهم بالسلاح ويغدق عليهم الأموال التي يستخدمونها في شراء الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والملابس الجديدة". وقال كيريكو إن هذه هي المجموعات التي تحظى بثقة الغرب، ولكنها في الواقع تسترزق من الثورة "بالاستيلاء على الأراضي وخطف الناس من اجل الفدى التي يملأون بها جيوبهم". وأضاف كيريكو إنه وزميله البلجيكي "عوملا كالحيوانات إذ كانا محتجزان في غرف صغيرة شبابيكها مغلقة رغم حرارة الطقس، وكانا ينامان على القش ويأكلان ما يجود عليهما به خاطفوهما من فتات". وذكر إن الخاطفين لم يكونوا مهتمين سوى بالمال والسلاح، وكانوا يقضون ايامهم مستلقين على المرتبات يدخنون ويشاهدون الافلام المصرية القديمة او برامج المصارعة الامريكية على التلفاز. واضاف انه كان يشعر ان الخاطفين كانوا يتلذذون برؤية من يعتبرونهما غربيين غنيين يتحولان الى متسولين. الجماعات الإرهابية المتطرفة يوم 7 نوفمبر 2011 ذكر الإعلامي الروسي ميخائيل ليونتيف في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم"، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية والأطراف المتحالفة معها "زرعت" الجماعات الإرهابية المتطرفة. وقال ليونتيف "هناك نقطتان، الأولى هي أن وجود المجموعات الإرهابية المتطرفة أمر واضح ولا يتطلب تحريات المخابرات، ويكفي تتبع وسائل الإعلام لنرى أن هؤلاء الأشخاص أصبحوا يتحكمون في ليبيا وموجودون في سوريا ومصر واليمن، مع أنه في بعض الأماكن يظهرون كمناوئين للغرب وفي أماكن أخرى كحلفاء وجنود لتلك الدول. وليس سرا أنه يجري إرسال مقاتلين، ونعلم أن عددا كبيرا منهم من "القاعدة" وتشكيلات أخرى مماثلة لها. والنقطة الثانية خطيرة، لأن الحديث يدور عن أسلحة الدمار الشامل، وهي الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وأشار الإعلامي الروسي إلى أن "قادة تنظيم "القاعدة" لم يلقوا حتفهم كلهم، بل أن هذه القصص تظهر دائما قبل الانتخابات في أمريكا أو بعدها أو في ذكرى 11 سبتمبر. إنها أمور لا أصدقها، وهي تدخل ضمن الحملات الدعائية. فهذه المجموعات خلقتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها، ويصعب التحديد كيف يؤثر مقتل زعماء "القاعدة" على باقي المجموعات المتطرفة الأخرى. والولاياتالمتحدة استخدمت "القاعدة" أداة لتخيف بها العالم. ولا أنكر أنه ظهرت مجموعات أخرى تنسب إلى نفسها لقب "القاعدة"، مثل جماعة القاعدة في دول المغرب، وبرأيي، كل هذه المجموعات عبارة عن مؤسسة يصعب تحديد عضويتها، لكن المؤكد أن بعضها تابع لمؤسسات استخباراتية. وهذا جزء من السياسة العالمية وليس الأمريكية فقط بل وسياسة بعض دول المنطقة. لكن في النهاية تنقلب تلك المجموعات على الدول التي ساعدتها على الظهور". يسجل أنه في المناطق التي تتدخل فيها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي عسكريا يبرز بسرعة دور أساسي للقاعدة التي تقول واشنطن منذ 11 سبتمبر 2001 أنها هدفها الأساسي فيما تسميه الحرب على الأرهاب. هذا الوضع يطرح تساؤلات عن العلاقات الحقيقية بين واشنطن والتنظيم الذي برز وتسلح على يد الأمريكيين خلال الحرب على القوات السوفيتية في أفغانستان والتي بدأت في 25 ديسمبر 1979 وإنتهت بإنسحاب القوات السوفييتية بشكل رسمي في 15 فبراير 1989. الوثائق الأمريكية تفيد أن تنظيم القاعدة تأسس في الفترة بين أغسطس 1988 وأواخر 1989 وفي البداية، كان الهدف منه محاربة الشيوعيين في الحرب السوفيتية في أفغانستان، وقد مولت الولاياتالمتحدة ودول أخرى القاعدة ومجموعات مسلحة أخرى في برنامج لوكالة المخابرات المركزية سمي ب "عملية الإعصار". تقول تقارير أمريكية أنه مع نهاية المهمة العسكرية السوفيتية في أفغانستان، بدأ تنظيم القاعدة في الصدام مع الغرب، ولكن المتتبعين للشؤون الدولية يشيرون إلى أن واشنطن جنت ثمار تحركات القاعدة. تورط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هناك جدل دائر حول ما إذا كانت هجمات القاعدة، هي ردة فعل سلبية لعملية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية المسماة ب "الإعصار"، أم أنها عمل منظم لخدمة الأهداف الأمريكية الأوسع ولو كان ثمن ذلك خسائر جانبية. يذكر أنه في 15 فبراير 1898، انفجرت وغرقت في ظروف غامضة في ميناء هافانا بكوبا السفينة الحربية الأمريكية "يو اس اس مين" مما تسبب في مقتل 260 من رجال القوات الأمريكية، واشنطن اتهمت حينها إسبانيا بالهجوم وكان ذلك ذريعة لشن الحرب ضد إسبانيا والاستيلاء على عدد من مستعمراتها في أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا. لكن في عام 1950، قضى تقرير للقوات البحرية الأمريكية ان "مين قد غرقت لخطأ في المراجل مما تسبب في إنفجارها" وليس الهجوم كما كان من المفترض في ذلك الوقت. مؤرخون ذهبوا إلى اتهام الأجهزة الأمريكية بتدمير السفينة لإيجاد مبرر يقنع الأمريكيين بشن الحرب على الإمبراطورية الإسبانية. كتب روبن كوك وزير الخارجية البريطاني السابق في الفترة من 1997-2001، أن تنظيم القاعدة وأنصار بن لادن هم "نتاج سوء هائل في التقدير من جانب الأجهزة الأمنية الغربية"، وقال أن "القاعدة، والتي جاء اسمها من قاعدة البيانات. كانت في الأصل ملف كمبيوتر يحتوي على معلومات عن آلاف المجاهدين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم بمساعدة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لهزيمة السوفيين". ولكن العديد من المصادر المختلفة مثل صحفي السي إن إن بيتر بيرغن والعميد محمد يوسف ضابط المخابرات العسكرية الباكستانية وعملاء وكالة المخابرات المركزية الذين شاركوا في البرنامج الأفغاني مثل فنسنت كانيسترارو، ينكرون أن وكالة المخابرات المركزية ولا غيرها من المسئولين الأمريكيين على اتصال مع الأفغان العرب أو ابن لادن، ناهيك عن تسليحهم أو تدريبهم. ووفقًا لبيرغن وآخرين، أنه لم تكن هناك حاجة لتجنيد أجانب لا يجيدون اللغة المحلية والعادات أو طبيعة الأرض، نظرا لوجود ربع مليون مواطن أفغاني على استعداد للقتال. في حلبة الصراع الدولية لتشكيل توازن عالمي جديد بعد إستعادة موسكو لدورها الدولي وتيقن الصين المتنامي بقرب الدخول في مواجهات أكثر ضراوة مع الولاياتالمتحدة، تشكل المواجهة على أرض الشام مفصلا هاما في تحديد الخاسر والرابح على الأقل مرحليا. الولاياتالمتحدة التي بدأت عملية غزوها المتعدد الأوجه للمنطقة العربية بالحرب على العراق سنة 1991 وسنة 2003 تشعر أنه في ظل غياب نصر كامل في بلاد الرافدين سيشكل إنكسار جهودها لركوب حركة التحول في سوريا حكما بنسف جزء من مشروعها في العراق. في نطاق هذا التصور يمكن متابعة أكثر قدرة في التحليل للمواجهة بين الكرملين والبيت الأبيض. الهدف الأيديولوجي بتغيير النظام تمسكت روسيا برفضها أي قرار دولي يهدد باستخدام القوة ضد سوريا، وانتقدت ما وصفته ب"محاولات غربية" لاستغلال اتفاق جنيف لنزع الأسلحة الكيماوية السورية للحصول على قرار بموجب الفصل السابع. وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف وسط استمرار الانقسام في مجلس الأمن حول كيفية ضمان التزام نظام الرئيس بشار الأسد بنزع الأسلحة "الغرب أعمى حيال فكرة تغيير نظام سوريا، لا يرى في الاتفاق الأمريكي الروسي فرصة لإنقاذ العالم من كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية، وإنما فرصة للقيام بما لن تسمح به روسيا والصين، وتحديداً الدفع بقرار يتضمن التهديد باستخدام القوة ضد نظام الأسد وحماية المعارضة". واتهم لافروف، الولاياتالمتحدة بالابتزاز، وقال في مقابلة مع "تشانل وان" شركاءنا الأمريكيين بدأوا يمارسون الابتزاز معنا ويقولون انه إذا لم تدعم روسيا قرارا في مجلس الأمن على أساس الفصل السابع، فإننا سنوقف العمل في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية"، وأضاف "ان منظمة حظر الأسلحة على وشك اتخاذ قرار حول سوريا، لكن العملية مهددة بسبب الموقف المتصلب لبعض الشركاء الغربيين..انهم بحاجة إلى الفصل السابع الذي ينص، في حال انتهاك القوانين الدولية، على إجراءات قمعية بما فيها عقوبات وإمكانية اللجوء إلى القوة". وأضاف لافروف "ان شركاءنا يعميهم الهدف الايديولوجي بتغيير النظام في سوريا"، وتابع "كل ما يقولونه هو أن على الأسد أن يرحل..لا يريدون الاعتراف بأنهم خدعوا مرة أخرى، كما خدعوا في ليبيا عبر قصف البلد وتركه على شفير الفوضى، وكما خدعوا في العراق وتركوا الأمر نفسه وعبر شن عملية برية أيضاً تاركين البلد في وضع صعب للغاية حيث يموت عشرات الأشخاص كل يوم في اعتداءات". وأضاف "هدفهم الوحيد هو إثبات تفوقهم، بينما تهدف روسيا إلى حل مشكلة الأسلحة الكيماوية في سوريا". وأوضح لافروف ان روسيا على استعداد لإرسال قوات إلى سوريا في إطار وجود دولي لتوفير أمن عمل المفتشين الدوليين في مواقع الأسلحة الكيماوية. وقال "نحن على استعداد لإشراك عسكريينا، الشرطة العسكرية، للمشاركة في هذه الجهود"، وأضاف "هناك حاجة لوجود دولي على محيط المناطق التي سيعمل بها المفتشون، ونحن مستعدون للمشاركة..لا أعتقد أن هناك حاجة لفريق كبير، وأعتقد أن وجود مراقبين عسكريين سيكون كافيا". ورفض الفكرة القائلة ان روسيا باتت مسؤولة عن برنامج تفكيك الترسانة الكيماوية السورية، وقال "أود أن أوضح أننا لسنا الضامنين لنزع الأسلحة السورية، وإنما موسكو سمحت فقط بأن تقبل دمشق الانضمام إلى الاتفاقية حول حظر الأسلحة من دون أي شرط". وحذر لافروف من جهة ثانية، من انه إذا سقط النظام السوري ووصل المسلحون المعارضون إلى السلطة فإنه لن يعود هناك من دولة علمانية في سوريا، معتبرا أن ما بين ثلثي وثلاثة أرباع المسلحين هم من "المتشددين". وقال ردا على سؤال "إن الشيء الأساسي في الوضع بسوريا حاليا هو تأمين التسوية السياسية، وأضاف "لذلك أساس، هو بيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012 الذي وقعه كل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية وتركيا والاتحاد الأوروبي وهيئة الأممالمتحدة والذي يوصف الآن بأنه الأساس الممكن الوحيد للتسوية". وقال لافروف "انه عندما تم التنسيق بشأن بيان جنيف حاول الشركاء الغربيون أن يدخلوا في هذه الوثيقة التزام كل المشاركين بتبني قرار بموجب الفصل السابع، ومطالبة الأسد بالرحيل من السلطة، لكن تلك المطالب لم يوافق عليها لأن الصين وروسيا وعدد من الدول أدركت أن تلك الفكرة غير واقعية وأحادية الجانب". وأضاف "ان بيان جنيف يتضمن دعوة الحكومة والمعارضة إلى الاتفاق على تشكيلة هيئة انتقالية ستحال إليها كامل السلطة التنفيذية في فترة إعداد دستور جديد وتحضير الانتخابات، لكن يجب عمل ذلك على أساس التوافق التام". وتابع "من الصعب اتهامنا بأننا ننحرف عن التزاماتنا، لكننا عنيدون فقط عندما نرى محاولات واضحة لخرق القانون الدولي". وزير الخارجية الروسي الذي قدمت بلاده دلائل عدة على أن قوى ما يسمى بالمعارضة السورية هي التي استخدمت السلاح الكيماوي في منطقة الغوطة يوم 21 أغسطس، والذي أكد أن الولاياتالمتحدة تدرك ذلك، طالب المعارضة السورية بتفكيك مخزونها الكيماوي". وذكر وزير الخارجية الروسي، بأن معطيات متوفرة تثبت سيطرة المسلحين على المناطق التي كانت تقع فيها مستودعات السلاح الكيماوي مضيفا كذلك أن ذخائر أسلحة كيماوية هربت من ليبيا عبر تركيا إلى سوريا. واستشهد لافروف، في مقابلة مع القناة الأولى الروسية أوردت وكالة "نوفوستي" مقتطفات منها، بما وصفها بمعلومات استخبارات إسرائيلية، بأن مقاتلي المعارضة سيطروا، مرتين على الأقل، على مناطق تخزين الكيماوي. وأضاف: "يجب على من يمول مجموعات المعارضة والمتطرفة منها، إيجاد وسيلة لمطالبتها بتسليم ما تم الاستيلاء عليه ويجب تدميره وفقا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية". السلاح الكيماوي في تعزيز للموقف الروسي نقلت وكالة "يو بي اي" الدولية للأنباء يوم الأحد 22 سبتمبر 2013 عن صحيفة "اندبندانت أون صندي" البريطانية قولها، أن روسيا تملك دليلاً على أن صواريخ غاز السارين التي قتلت نحو 1400 مدني في ضاحية الغوطة بريف دمشق، صنعت في الاتحاد السوفياتي عام 1967، وباعتها موسكو إلى اليمن ومصر وليبيا. وكتب الصحافي البريطاني المعروف، روبرت فيسك، في الصحيفة أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لم يكشف عن الأسباب التي دفعته لإبلاغ نظيره الأمريكي، باراك أوباما، بأنهما يعرفان أن جيش نظام الرئيس بشار الأسد لم يطلق صواريخ غاز السارين". وقال فيسك "في حال كانت هذه المعلومات صحيحة، والتي يُعتقد أنها جاءت من موسكو، فإن روسيا لم تبع صواريخ السارين إلى سوريا، واضاف "في حال كان الروس قادرين فعلاً على التعرف على علامات محددة في شظايا صاروخ عُثر عليها في الغوطة وأنها كانت فعلاً من ذخائر لم يتم تصديرها إلى سوريا، فإن ذلك سيجعل نظام الرئيس الأسد يتباهى بأن براءته ثبتت". واشار إلى أن كميات هائلة من الأسلحة السوفياتية الصنع "وقعت في أيدي الجماعات المتمردة ومسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة بعد سقوط نظام الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي عام 2011، وظهر العديد منها لاحقاً في مالي وسوريا وتونس والجزائر ومصر". وقال فيسك إن الحكومة السورية "اكدت منذ فترة طويلة أن كمية كبيرة من الأسلحة السوفياتية الصنع وجدت طريقها إلى أيدي المتمردين في سوريا من ليبيا بمساعدة قطر، التي دعمت المتمردين الليبيين ضد نظام القذافي وتدفع ثمن شحنات الأسلحة للمتمردين السوريين". ويضيف فيسك لذلك نعود طبعاً الى السؤال القديم: من الذي أمر باطلاق تلك الصواريخ خلال ليلة 21 اغسطس؟. بعض الاسئلة مألوفة. لماذا يستخدم الغاز بينما يجري قصف قوات الثوار في انحاء البلاد باسلحة اشد فتكاً بكثير؟ اذا ارادت الحكومة استخدام الغاز، فلم لا تستخدمه الى الشمال من حلب حيث لا يوجد جندي حكومي واحد؟ لماذا في دمشق؟ ولماذا لم يستخدم الغاز على هذا النطاق في السنتين السابقتين؟ وما الحاجة لاستخدام سلاح مرعب كهذا عندما تكون النتيجة النهائية هي ان سوريا – بتخليها عن مخزوناتها من الاسلحة الكيماوية – قد فقدت عملياً احد دفاعاتها الاستراتيجية ضد غزو اسرائيلي؟. من المرجح جدا ان اسرائيل هي الرابحة ايضاً في الحرب الاهلية السورية، بينما يجري تحطيم وتدمير جارتها التي كانت عظيمة في وقت من الاوقات جراء صراع يمكن ان يستمر لسنتين اخريين. لم تكن سوريا دولة غنية ابداً، ولكن اعادة إعمار مدنها المحطمة وسككها الحديد وطرقها ستستغرق سنوات كثيرة. الشائعات في دمشق اكثر سماكةً من الدخان الذي يغلف جزءاً من المدينة. ومن احدثها طلب غربي مزعوم بأن تشكَل حكومة سورية من 30 وزيراً – منهم 10 شخصيات من النظام وعلى الاقل 10 آخرون من المستقلين – وانه يجب اعادة هيكلة الجيش واجهزة الأمن بصورة كاملة. وبما ان الغرب لم تعد لديه وسيلة لفرض مثل هذه الخطط الطموحة، فان هذا كله يبدو غير مرجح. ما لم يكن الروس ايضاً مؤيدين للفكرة. من المحزن ان الجانبين كليهما توقفا عن الاهتمام بالاسلحة التي يستخدمانها او عدم اخلاقية استخدامها. وعندما يستطيع مقاتل إسلامي تصوير نفسه وهو يأكل لحم جندي ميت، يكون كل وازع قد ذهب. يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2013 صرح السفير الإسرائيلي لدى الأممالمتحدة مايكل أورين بأن إسرائيل تريد أن تشهد الإطاحة بالأسد، وأن هزيمته على أيدي معارضين متحالفين مع "القاعدة" ستكون أفضل من التحالفات الراهنة". [email protected]