النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة.. نبيل باها: من أجل التتويج باللقب لابد من بذل مجهودات أكثر    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (ربع النهائي).. المنتخب المغربي يواجه نظيره الجنوب الإفريقي يوم الخميس المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توقيف إفريقيين مقيمان بدول أوروبية بمطار طنجة لحيازتهما ل46 كيلوغرام من المخدرات    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    اتحاد دول الساحل يتهم الجزائر ب"العدوان والترويج للإرهاب" ويستدعي سفراءه للتشاور (وثيقة)    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    خريبكة تلاقي تطوان بكأس العرش    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    عطاف يستقبل دي ميستورا بالجزائر    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها بين طنجة وطريفة بعد تحسن الأحوال الجوية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    عشرات آلاف المغاربة يتظاهرون في الرباط "ضد الإبادة والتجويع" في غزة    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    وزير الخارجية الفرنسي يعلن الاتفاق على بناء "شراكة هادئة" مع الجزائر    بيانات: المغرب ثاني أكبر مستورد للقمح الطري من الاتحاد الأوروبي    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    بعد انخفاض أسعار المحروقات وطنياً.. هذا هو ثمن البيع بمحطات الوقود في الحسيمة    آلاف المعتمرين المغاربة عالقون في السعودية    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تواجه رفضا واسعا للتعديلات القانونية الجديدة    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    المغرب يحدد منحة استيراد القمح    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    توقيف مروجين للمخدرات الصلبة بحي الوفاء بالعرائش    لوبن تدين "تسييس القضاء" بفرنسا    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    الذكاء الاصطناعي.. سوق عملاق يُهدد العدالة الرقمية    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    السفارة الأمريكية توجه تحذيرا لرعاياها بالمغرب    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    المغرب يتوعد بالرد الحازم عقب إحباط محاولة إرهابية في المنطقة العازلة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام وشروط تحقيق التعايش السلمي
نشر في هسبريس يوم 02 - 05 - 2015

التعايش السلمي مصطلح معاصر معناه القبول بالآخر المختلف إيديولوجيا ودينيا وعرقيا.
بالرغم من التقدم الذي أحرزته البشرية في مجالات احترام حقوق الإنسان وحق الأقليات في العيش المشترك، فقد استفحلت النزاعات واستمرت الحروب، وتمّ الركوب على تلك الآليات الأممية والمعاهدات الدولية، من أجل تدخل الدول الكبرى في شؤون الدول الضعيفة، تحصينا لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
وبعد الاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق، طفت على السطح الصراعات الدموية الطائفية والإثنية والدينية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تمت صناعة خرائطها في مختبرات الاستراتيجية الأمريكية.
يؤكد بهذا الصدد الناقد السياسي الأمريكي البارز "نعوم تشومسكي" أن الغزو الأمريكي للعراق خلق انقسامات طائفية كبيرة، تولى تنزيلها على الأرض الحاكم المدني الأمريكي "بول برايمر" باقتدار كبير، وذلك من خلال فصله للطوائف والإثنيات إلى سنة وشيعة، وعرب وأكراد، ومسلمين ومسيحيين..في حين كانت التركيبة السكانية لمدينة بغداد سنة 2002 قبل الغزو الأمريكي، متجانسة بتواجد جميع الطوائف جنبا إلى جنب، والتعايش والزواج بينهم في تجانس تام، دون أن يسأل أحدهم الآخر عن الطائفة أو المذهب الذي ينتمي إليه، إلى غاية 2006 حيث توسع الخلاف الطائفي ليشمل المنطقة برمتها.
فكانت النتيجة ظهور تنظيمات متطرفة دموية، مثل "داعش"، تمتح من مرجعية جهادية خارج العصر، تستحل القتل على الهوية الدينية والتهجير القسري للأقليات الدينية أو العرقية، والذبح الطائفي، واختفى التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الإسلامي الذي بناه الإسلام عبر قرون على قاعدة الآية الكريمة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
مبدأ العيش المشترك في ظل الدولة التي بناها النبي صلى الله عليه وسلم:
عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العهود والمواثيق مع الكفار ودعا إلى احترامها وعدم نقضها، تلك العهود التي تضع أسس التعايش السلمي المشترك، ولا تُلزم أحدا على الملة، بل تقرّ الاحتفاظ للجميع بدينه وشريعته واحترام معتقداته ؛ وذلك انطلاقا من مضمون سورة "الكافرون" (لكم دينكم ولي دين)،وأيضا بناء على عدة آيات قرآنية، كما في قوله سبحانه: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)، وقوله جل وعلا: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
كان النبي صلي الله عليه وسلم أول من قام بالتطبيق العملي لما نص عليه القرآن الكريم من مبادئ التسامح مع غير المسلمين، وكانت بداية التطبيق العملي لمبدأ التسامح ذلك منذ قدومه صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة المنورة،فعمل على إبرام وثيقة/معاهدة بين المسلمين وطوائف المدينة، تؤسس لأسس العيش المشترك وحقوق الأفراد والجماعات وواجباتهم،من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وهي الوثيقة الدستورية الأولى، التي اشتملت على سبع وأربعين قاعدة في تنظيم علاقة المسلمين بغيرهم.
و مما جاء فيها:
"وأن من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم"؛ وهو بند ينص على ضرورة مناصرة المواطنين غير المسلمين والوقوف إلى جوارهم.
"وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم: مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته".
ومبدأ التعايش هذا من كليات الدين التي لا تقبل النسخ، ولهذا سار على نهجها الخلفاء الراشدون، ونكتفي هنا بما قررته "العهدة العمرية" لأهل القدس، بعد أن فتحها المسلمون على عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا نصها:
( بسم الله الرحمن الرحيم:
هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء "أهل القدس" من الأمان.. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.. لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن؛ وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص؛ فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم؛ ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية؛ ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم..فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم؛ وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
شهد على ذلك: خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان).
فهذه الوثيقة التاريخية شاهدة على التسامح الإسلامي تجاه المخالف في العقيدة والدين، وعلى التعايش بين مكونات المجتمع الجديد..
أما فيما يتعلق بهذه الضريبة "الجزية"، فقد كانت تؤخذ منهم مقابل الدفاع عنهم، وتسقط عمن يدافع عن نفسه منهم.
يقول الأستاذ الإمام محمد عبده عند تفسير آية "الجزية": (ومتى أعطوا الجزية وجب تأمينهم وحمايتهم ، والدفاع عنهم وعن حريتهم في دينهم بالشروط التي تعقد بها الجزية ، ومعاملتهم بعد ذلك بالعدل والمساواة كالمسلمين ، ويحرم ظلمهم وإرهاقهم بتكليفهم ما لا يطيقون كالمسلمين).
وينقل الإمام القرافي المالكي في كتابه "الفروق" قول الإمام ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع": (إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة..).
ويورد الأستاذ محمد عبده في تفسيره "المنار"عدة شواهد تاريخية على مبدأ "ضريبة الجزية مقابل الحماية"، نذكر منها شاهدين فقط:
الأول: ما كان بين سراقة عامل عمر بن الخطاب ، وبين شهر براز، كتب به سراقة إلى عمر فأجازه وحسنه وهذا نصه:
(هذا ما أعطى سراقة بن عمرو عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شهر براز وسكان أرمينية والأرمن من الأمان ، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وملتهم ألا يضاروا ولا ينقضوا ، وأن ينفروا لكل غارة ، وينفذوا لكل أمر ناب أو لم ينب رآه الوالي صلاحا، على أن يوضع الجزاء عمن أجاب إلى ذلك ، ومن استغنى عنه منهم وقعد فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء ، فإن حشروا وضع).
الثاني : ما كتب خالد بن الوليد ل"صلوبا بن نسطونا" حينما دخل الفرات وأوغل فيها، وهذا نصه :
" هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه ، إني عاهدتكم على الجزية والمنعة، فلك الذمة والمنعة وما منعناكم ( أي حميناكم ) فلنا الجزية وإلا فلا ؟" ..
هذا وقد تولى غير السلمين مناصب سامية في هرم السلطة داخل الدولة الإسلامية، وهذا أكثر من أن يحصى، نشير إلى واحدة ذات دلالة:
يقول "المستر داربر" أحد المؤرخين وكبار الفلاسفة الأمريكان: (إن المسلمين الأولين فى زمن الخلفاء لم يقتصروا فى معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين ومن اليهود على مجرد الاحترام، بل فوضوا إليهم كثيرا من الأعمال الجسام ورقوهم إلى المناصب فى الدولة..)
ويعرض فى هذا الصدد العديد من أسماء غير المسلمين الذين تولوا مناصب عامة فى الدول الإسلامية القديمة، من أبرزها "يوحنا بن ماسويه"، الذى وضع هارون الرشيد جميع المدارس تحت مراقبته، معلقا بأنه لم يكن ينظر الى البلد الذى عاش فيه العالم ولا إلى الدين الذى ولد فيه بل لم يكن ينظر إلا إلى مكانته من العلم والمعرفة..
هذه المعاملة الراقية من المسلمين لأهل الذمة سببها وصايا القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم بهم.
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة"؛
ويقول أيضا : "من آذى ذميًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله"..
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا".
وقد سار الفقه الإسلامي على هذا المنوال، حتى امتلأت كتب الفقه بقواعد وأحكام تنصف الأقليات الدينية وتؤسس للتعايش السلمي بين الطوائف، نذكر منها ما صحّ عن كبار مجددي المنهج السلفي الذي يزعم أولئك الجهلة أنهم يقتفون أثره ويمتحون من مرجعيته:
أولا: في كتابه النبوات، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (الكفار إنما يقاتلون بشرط الحراب، كما ذهب إليه جمهور العلماء، وكما دل عليه الكتاب والسنة..)
ويقول الإمام ابن القيم موضحا هذا المبدأ في (أحكام أهل الذمة): (القتال إنما وجب في مقابلة الحراب، لا في مقابلة الكفر..)
ويقول أيضا في (هداية الحيارى) ما نصه:
(ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، تبيّن له أنه لم يكره أحدا على دينه قط، وإنه إنما قاتل من قاتله، وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته لم ينقض عهده).
ويجزم شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته (قاعدة في قتال الكفار) بقوله: (ولا يقدر أحد قط أن ينقل انه (أي النبي) أكره أحدا على الإسلام، لا ممتنعا، ولا مقدورا عليه، ولا فائدة من إسلام مثل هذا..).
ثم قال: (فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله، لم تكن مضرّة كفره إلا على نفسه).. أي أنه لا يكره على الإسلام ولا يقاتل.
قلت : والبشرية اليوم تتجه نحو مزيد من الحريات لذوي الرأي أن يبدو آراءهم، ولذوي الديانات والدعوات أن يبشروا بها حيث ما حلوا وارتحلوا، وأغلب التضييقات إنما هي: إما نتيجة مخالفة القوانين الجاري بها العمل (نموذج منع طالبة من الدراسة بسبب لباسها المحتشم)، أو بسبب الأحداث الإرهابية؛ فأخطر ما يضيق الخناق على الدعوة لدين الله اليوم هي تلك الأحداث الهمجية، فوجب محاربة المتلبسين بها، لا محاربة الكفار الذين لا يمنعون الدعوة إلى الرأي المخالف والدين المخالف، ونحن نرى انتشار الإسلام اليوم في بلاد الغرب والمساجد دون ما حاجة للفتوحات التي كانت الوسيلة الوحيدة في زمان الخلفاء ومن بعدهم.
شواهد على التعايش السلمي في الغرب الإسلامي:
ومن الشواهد التاريخية الدالة على التعايش السلمي في عصور الإزدهار بالغرب الإسلامي ، يكفي استحضار النموذج والمثال الأندلسي الذي تعايش فيه المسلمون ويهود الأندلس بسلام وطمأنينة، وخير دليل على ذلك طائفة يهود السفارديم التي طردت من الأندلس بقرار أصدره الملكان فريناندو وإيزابيلا في 30 مارس 1492م، والقاضي بأن يغادر سائر اليهود الذين لم يتنصّروا من إسبانيا في غضون أربعة أشهر من تاريخ القرار، ولا يعودوا إليها أبدًا، ويعاقب المخالفون بالموت والمصادرة.
وما كان من هجرة يهود الأندلس السفارديم إلى المغرب وتعايشهم السلمي مع الموريسكيين حتى بعد سقوط الأندلس، كما ان أحياءهم كانت تقام في مواقع آمنة للمدن المغربية، تلك الأحياء التي تعرف باسم الملاح.
وفي العصر الحديث وقع هذا التعايش السلمي الذي يضرب جذوره في تاريخ المغرب في اختبار حقيقي في عهد الحماية الاستعمارية في تونس والمغرب والجزائر، عندما سقطت فرنسا في يد الاحتلال الألماني بعد غزوها سنة 1939 ، وتعيين ألمانيا النازية لحكومة فيشي، التي قامت بسن قوانين مماثلة لقوانين ألمانيا النازية ضد اليهود،إذ رفض المغاربة آنذاك باسم السلطان محمد الخامس،ومحمد المنصف باي في تونس، تلك القوانين العنصرية لحكومة فيشي، رفضها محمد الخامس، ومحمد المنصف باي أثناء التفاوض والتوقيع عليها، رغم أن السلطان كان في موقف ضعف نظرا للظرفية السياسية الاستعمارية آنذاك، فلم يسمح محمد الخامس لنفسه التمييز بين المغاربة وقبول إجبار المغاربة اليهود، الذين كانوا يشكلون ما نسبته 10% من سكان المغرب، تعليق الشارة السداسية، وتسليم لائحة للمواطنين المنتمين للطائفة اليهودية للماريشال بيتان، قائلا:
( لو فرضت هذه القوانين سأعتلي وأفراد عائلتي تلك النجمة السداسية).
عشر شروط لتحقيق العيش المشترك:
لتحقيق عيش مشترك تحترم فيه كرامة الإنسان وخصوصيات الأفراد والجماعات وحقوق الأقليات، لابد من توفر شروط تظللها قوانين يحتكم إليها الجميع، وتحترمها الدولة قبل الأفراد؛ ومن أهم هذه الشروط:
أولا : المساواة أمام القانون لكافة المواطنين بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين أو الموقع الاجتماعي.
ثانيا: احترام عقيدة وثقافة الأغلبية، وعدم التعرض لها بالاستفزاز أو التهكم أو الاستهزاء.
ثالثا: احترام حرية الرأي وحرية النقد، ، وتشجيع لغة الحوار والتسامح وثقافة الاختلاف بين مكونات المجتمع الواحد، وتجريم القذف و السب أو الاستهزاء بأي وسيلة كانت من وسائل التواصل والإبداع.
رابعا: عدم المس بالرموز الدينية أو الوطنية في الفضاءات العامة ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
خامسا:السماح بنقد الأديان والرموز الدينية والوطنية في الفضاءات الخاصة، مثل الندوات العلمية أو مراكز البحث المتخصصة أو أثناء الدرس الجامعي، شريطة أن يبتعد النقد عن الخوض في الأعراض أو الاستهزاء والتهكم.
سادسا : احترام حقوق الأقليات الدينية واللغوية والعرقية، وفسح المجال لتدريسها في شعب خاصة، وإيجاد الفضاءات الملائمة لتمثل تلك الحقوق، مثل المدارس ودور العبادة وقنوات إعلامية خاصة وغيرها.
سابعا: تجريم "التكفير" إلا أن يكون صادرا عن هيئة علمية وقضائية معترف بها من طرف الدولة.
ثامنا : تقليص الفوارق الطبقية من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي والإحسان للفقراء والمساكين والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة.
تاسعا: إقامة العدل بين الناس، وتحقيق نظام ديمقراطي يوفر الفرص لكافة شرائح المجتمع المدني ان تتكتل في أحزاب ونقابات وجمعيات، وتقدم مشاريعها الإصلاحية للمواطنين من أجل اختيار الأصلح أو الأولى.
عاشرا : نقل هذه الشروط بعد تحقيقها على المستوى القطري، إلى المستوى الدولي لأننا اليوم تقلنا جميعا مركبة صغيرة، هي هذا الكوكب، إذا لم نحقق شروط العيش المشترك، فلن يكون البديل إلا مزيدا من المآسي والحروب وتهجير الملايين وانتعاش الإرهاب والاقتتال أو الهرج بالتعبير النبوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.