لا زالت تداعيات حوادث السير المميتة التي شهدتها طرقات المملكة في ظرف لا يتجاوز شهرا وحدا، تتفاعل في الأوساط المهتمة والحقوقية أيضا في البلاد، وذلك بعد أن أسفرت حادثة "طانطان" عن مقتل 35 شخصا حرقا وهم أحياء، وحادثة "تيشكا" التي أودت بحياة 8 مواطنين، وجرح آخرين. ولأن التحقيق حمل أخيرا مسؤولية فاجعة طانطان إلى السائق وحده، فإن أصواتا ارتفعت لتنتقد تقديم نفس المبررات كلما وقعت حادثة سير مميتة، ومنها المركز المغربي لحقوق الإنسان الذي أكد أن تحميل تلك الكوارث للعنصر البشري يؤشر على "خطب يحول دون القدرة على وضع حد لنزيف الأرواح". وانتقدت ذات الهيئة الحقوقية، ضمن بيان توصلت به هسبريس، ما سمته "عدم استعداد الحكومة المغربية لتأمين مخصصات الإنفاق على مشاريع إعادة هيكلة البنيات التحتية الطرقية في المغرب، نظرا للعديد من التحديات المالية، منها أساسا إكراهات الموازنة العامة". وفي حل لهذه الإشكالية، قد يبدو "مثيرا وغريبا"، اقترحت الجمعية الحقوقية أن تفتح باب الاكتتاب الوطني من أجل المساهمة في بناء الطرقات، وإدراج مشاريع ترميم الطرقات وتوسعتها ضمن أهداف وبرامج الإحسان العمومي، بدل احتكارها من قبل لوبيات العمل الجمعوي". ودعا عبد الإله الخضري، مدير الCMDH، الحكومة لتمنح لمالكي آليات بناء الطرق، وأصحاب المليارات، فرصة حقيقية للمساهمة في بناء بلدهم، عبر بناء الطرق بالمجان، باعتبارها واجبا وطنيا يعكس روح المواطنة الحقة، وواجبا أخلاقيا ودينيا، باعتبارها صدقة جارية". وزاد الخضري في شرح المقترح "هذه الصدقة سينتفع بها الناس كانتفاعهم من حفر بئر على قارعة الطريق، لما فيه من أجر إنقاذ أرواح الأبرياء من مهالك الطريق، مع تجنب التعاطي مع المبادرة بمنطق الصفقات، حيث لا مجال لإضافة تكاليف عن أساسيات بناء الطرق، مع إعفائها من كافة الضرائب". واسترسل الخضري "إذا كانت الدولة عاجزة عن تأمين ميزانيات ضخمة، من أجل إعادة النظر بشكل بنيوي في الطرقات الهشة، فإن الإرادة السياسية تكفي من أجل تفعيل إرادة المواطنين في بناء طرق بلادهم، بدل انتظار أخبار مفجعة بزهق أرواح بريئة هنا أو هناك". وأوضح بيان المركز الحقوقي، تعليقا على نتائج التحقيق في حادثة طانطان، بأن طرق المغرب كثير منها يعيش على الهيكل الذي شيده الاستعمار أو بعده بقليل، أو ما بني حديثا، أغلبه غير قادر على الصمود، بسبب الغش وفرط الفساد في تدبير الصفقات العمومية، المتعلقة ببناء وصيانة الطرق". وتابع المصدر بأن "ترهل البنيات التحتية للطرق، من ضيق شديد، وحدة الجوانب، وهشاشة الإسفلت، وما يترتب عنه من حفر مخربة للعجلات، كلها اختلالات بنيوية تجعل من الأخطاء البشرية، مهما قلت حدتها، فضلا عن الوضعية الميكانيكية للمركبات، عنصرا مكملا في صناعة الموت على الطرقات".