ستُّ رسائل حملهَا قرارُ مجلس الأمن الأخير إلى الجزائر والبُوليساريُو، وفقًا لقراءة يقدمهَا الباحث في الشؤُون الأمنيَّة والاستراتيجيَّة، عبد الرحِيم المنار السليمي، في مقال خصَّ به هسبريس، على أنَّ الرسائل تراوحتْ بين الرؤية الاستراتيجيَّة والواقعيَّة في الحل وصولًا إلى تأكيد محوريَّة مقترح الحكم الذاتِي في المفاوضات. اسليمي يرى أنَّ القرار الصادر أمس نبه البُوليساريُو إلى خطورة خرق وقف إطلاق النَّار، بعد توالي تهديدات في الشأن، خلال الآونة الأخيرة، كما كانت الصيغة التي جرى الخروج بها إنهاء، بحسب الباحث، لأسطورة توسيع صلاحيَّات بعثة المينورسُو، وإيذانًا بطلب الإحصاء الذي طالما تلافته الجزائر. فيما يلِي مقال اسليمي كما وردَ إلى هسبريس؛ يحمل القرار 2218 تحولا استراتيجيا لمستقبل ملف الصحراء لكونه يحمل رسائل متعددة للجزائر والبوليساري، ويمكن إجمالها في: الرسالة الأولى استراتيجية؛ وهي التكييف الأمني الوارد في قرار مجلس الأمن لما يربط القرار 2218 بين قضية الصحراء والمغرب العربي والأمن والاستقرار في منطقة الساحل ،فالتنبيه واضح هنا الى أن نزاع الصحراء أكبر من جبهة البوليساريو ،فمجلس الأمن بات ينظر اكثرإلى النزاع من زاوية صراع بين الجزائر والمغرب داخل محيط إقليمي مهدد بالمخاطرالقادمة من شمال مالي وليبيا والجزائر ومخيمات تندوف. الرسالة الثانية، الواقعية في الحل؛ تأييد مجلس الأمن الى التوصية التي وردت في تقرير الأمين العام الأممي لمجلس الأمن في 14 ابريل 2008 الداعية الى ضرورة "تحلي كلا الطرفين بالواقعية والرغبة في التسوية "،فالأمر يتعلق بعودة الى مستنتجات المبعوث الأممي السابق "بيترفان والسوم" الذي أبلغ أعضاء مجلس الأمن في سنة 2008 أن ما يطلبهالبوليساريوغير واقعي ومستحيل ، ويبدو أن تنصيص مجلس على هذه التوصية يحمل رسالة واضحة الى جبهة البوليساريو بضرورة الانخراط في مفاوضات حل سياسي واقعي هو مقترح الحكم الذاتي دون غيره ، الرسالة الثالثة، مقترح الحكم الذاتي وحده موضوع للمفاوضات؛ يشير قرار مجلس الأمن مرة أخرى الى مقترح الحكم الذاتي ( 11 ابريل 2007) ويدخله ضمن الجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية ،بينما يعرج على مقترح البوليساريو بطريقة يستشف منها أنه غير واقعي ،وقد كان واضحا في بيانات أعضاء مجلس الأمن الموقف الفرنسي الذي شدد على جدية ومصداقية مقترح الحكم ،وقد بات واضحا أن الدول الكبرى لديها إجماع على أن الحل الواقعي الذي يضمن ازدواجية أمن واستقرار المنطقة الى جانب تنمية الأقاليم الجنوبية هو مقترح الحكم الذاتي ، الرسالة الرابعة، خرق وقف إطلاق النار خطر على البوليساريو والجزائر؛ ذلك أن مجلس الامن ،لما يؤكد على ضرورة الاحترام التام للاتفاقيات العسكرية التي تم التوصل اليها مع البعثة الأممية بشأن وقف اطلاق النار، فهو ينبه البوليساريوالى خطورة مغامرة خرق وقف إطلاق النار ،خاصة مع توالي التهديدات من طرف قيادة "عبدالعزيز" و"لمين البوهالي"في الشهور الأخيرة ، الرسالة الخامسة، نهاية اسطورة توسيع صلاحيات المينورسو، قرار مجلس الامن يُنهي مع أسطورة توسيع صلاحيات المينورسو ،فالقرار رقم 2218 يحافظ على وظيفة القوات الأممية المحددة في الإشراف على وقف إطلاق النار، ويعترف مقابل ذلك بخطوات ومبادرات المغرب في مجال حقوق الانسان ،فالإشارة الى اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعيون والداخلة تحول كبير في موقف مجلس الأمن يُبطل به مزاعم الجزائر والاتحاد الإفريقي والبوليساريو ، الرسالة السادسة، إلحاح وأمر بالإحصاء؛ يضيف مجلس الأمن بلغة أمرة واضحة جرعة كبيرة لطلبه الرامي إلى إحصاء وتسجيل سكان مخيمات تندوف ،وهو مقتضى قانوني جوهري في القرار رقم 2218 ،فالدعوة التي أعطاها مجلس الأمن صفة الالحاح بتشديده على انه" يكرر طلبه" في موضوع إحصاء وتسجيل سكان المخيمات، فيه تنبيه وأمر للجزائر التي توجد فوق أراضيها المخيمات وللبوليساريو بفتح المخيمات لتحديد هوية من يوجد فيها ،ويبدو أن مجلس الأمن بات ينظر الى الحاجة لإحصاء السكان من زاوية الغموض الموجود في المخيمات والفضائح الأخيرة المرتبطة بالمتاجرة في المساعدات الإنسانية من طرف القيادة الجزائرية وقيادة البوليساريو. وبذلك، يحمل القرار 2218 تحولات استراتيجية وسياسية جديدة لملف الصحراء، فتقييم الدول الكبرى للنزاع يبين أنها باتت تدرك أن الأمر يتعلق بتنافس وصراع إقليمي بين الجزائر والمغرب، تستعمل فيه الجزائر قيادة تابعة لها هي قيادة البوليساريو التي تحتجز مجموعة من السكان فوق الأراضي الجزائرية، فمجلس الأمن لما يشدد ويلح على الحاجة لتسجيل وإحصاء السكان فهذا يعني انه يدرك الخطر المحيط بساكنة تندوف في السنتين المقبلتين. *خبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية [email protected]