أفصحت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن نتائج البحث والتقصي بخصوص أحداث العيون التي شهدها مخيم "اكديّم إيزيك" وشوارع المدينة.. وجاء الكشف عن نتائج التحقيق ضمن ندوة صحفية عقدتها الجمعية صباح يومه الجمعة بمقرها المركزي بالرباط وبحضور ثلة من ممثلي المنابر الإعلامية المغربية ونشطاء حقوقيين منتمين لمنظمات وجمعيات مهتمة بخلاصات التقرير الذي عُكف على صياغته من قبل لجنة تحقيق لامّة لأعضاء بالمكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وآخرين من لجنتها الإدارية، زيادة على محامين. وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن لجنتها للتقصي قد استندت على ميزانيتها الخاصة في تمويل التحقيق الذي دام 5 أيّام ممتدّة من ال12 نونبر إلى ال16 منه، أي بعد 4 أيّام من تفكيك مخيّم "اكديّم إيزيك" بضواحي العيون، والذي فُعّل بالاستماع إلى إفادات شهود عيان ومسؤولين حكوميين وقضائيين ونشطاء سياسيين ونقابيين وجمعويين، زيادة على زيارات خاصة لمواقع الأحداث وتغطيات صحفية تطرقت للوقائع. تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أقر بالصبغة الاحتجاجية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي اكتسى بها مخيم "اكديّم إيزيك" المقام إبان شهر أكتوبر بمنطقة "لمسيد" بضواحي العيون، إذ أورد بأنّ هذا المظهر الاحتجاجي الجماعي كان قد سُبق بثلة من الوقفات الاحتجاجية المطالبة بضمان الحقوق في المساكن وفرص التشغيل وأن وعودا بالاستجابة قد وجهت من قبل عددي كبير من المسؤولين بالمنطقة دون أن تعرف طريقها للتفعيل. كما أُردف بأن مخيم "اكديم إيزيك" كان محكم التنظيم وبشكل باعث على ثناء المتواجدين به الذين بقي تعدادهم متذبذبا ما بين 8000 و 20000 فرد.. في مردّ لتواجد استثنائي همّ أعدادا كبيرة لا تقصد الخيام إلاّ خلال نهايات الأسابيع.. حيث شُكّلت لجنة تفاوض طالبت بلقاء مسؤولين مركزيين عوض والي الجهة لكون الأخير تنصل من وعود سابقة كان قد منحها. وزيد بأنّ نتائج الحوار قد شُرع في الاستعداد لتنفيذها بإحصاء فئات بعينها لها مطالب نوعية، وهي الممثلة في المطلقات والأرامل، على أن يشرع في جرد تعداد باقي الفئات وتقييد مطالبها لاحقا.. وكان قد شُرع في عملية الإحصاء المذكورة يوم ال4 من نونبر واستمرّت حتّى أواخر الدقائق السابقة لعملية تفكيك المخيّم الاحتجاجي.. هذا قبل أن يتحوّل الموقف بشكل فجائي بإعلان السلطات عن فشل جلسات الحوار وشروعها في استنفار عناصر الأمن العمومي ومنع المواطنين من الالتحاق بالمخيم، زيادة على تورطها في حالات عنف نالت من أطفال ونساء. وأوردت لجنة تحقيق الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأنّ الشروع في تفكيك مخيم "لمسيد" قد تمّ في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا، حيث هجم الأمنيون على المخيم بشكل لم يمكن المتواجدين به من معرفة حقيقة الوضع.. خصوصا وأن المساحة الزمنية الفاصلة بين مطالبة السلطات للمواطنين بالمغادرة لم تسمح حتّى بلملمة الأغراض الشخصية.. وزادت: "تفكيك العناصر الأمنية للمخيم تمّ باستعمال القنابل المسيلة للدموع وأنابيب المياه الحارقة والرجم بالحجارة.. في الوقت الذي تحدّث شهود عن استعمال للرصاص المطاطي خلال العملية".. قبل أن تردف بأنّ أصوات طائرات الهليكوبتر قد غطت على وضوح النداءات التحذيرية المنبعثة من مكبرات الأصوات وأنّ شاحنات للسلطات الأمنية قد عملت على دهس الخيام دون تحفظ.. ما خلق الفوضى ودفع بمحتجين أقوياء إلى مواجهة الدرك والقوات المساعدة بأسلحة بيضاء و"خلائط مُولُوتُوف" وقوارير لغاز البوتان. أمّا بشأن الأحداث العنيفة التي عمّت مدينة العيون فقد عزاها تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى انتشار إشاعات متحدثة عن "مهاجمة قوات الأمن لمخيم اكديم إيزيك وإقدامها على تفكيكه وحرق الخيام بمن فيها من أسر".. وهو الأمر الذي أفرز ثلة من مسيرات الاحتجاج تحولت إلى أعمال عنيفة عمّت أحياء عدّة من بينها السْكِيكِيمَة ورأس الخيمة وكُولُومينَا نْوِيبَا ومعطى الله.. وأن اندلاع الأحداث العنف قد تمّ من قبل أفراد معروفين بانحرافاتهم استعملوا خلائط حارقة ورجما حجريا باحترافية عالية قبل أن يعمدوا إلى التنقل بين الغاضبين بسلاسة ودقّة عبر استعمال سيارات رباعية الدفع. وقيل بأن الفترة الزوالية من ذات يوم تفكيك المخيم قد عرفت مواجهات بين الساكنة المتأصلة من الصحراء وفريق أمني مختلط، مشكل من الشرطة والقوات المساعدة ومدعوم بعناصر عسكرية، حيث تمّ خلالها استعمال القنابل المسيلة للدموع، ما أفضى إلى إخلاء المتظاهرين من شارعي بوكْرَاع والسمارة.. هذا قبل أن تشهد فترة ما بعد الزوال نزول شباب غير متأصل من الصحراء إلى الشوارع، مدعوما من قبل أفراد القوات المسلحة، ملتحفين بالعلم الوطني المغربي وصائحين بحياة جلالة الملك قبل أن يستهدفو بالتخريب محلات تجارية وعربات وممتلكات خاصة تعود ملكيتها لصحراويين.. في حين شهدت ذات الليلة، حوالي الساعة الحادية عشر، شروع السلطات في حملة مداهمات واعتقالات شاركت ضمنها عناصر مدنية من الشباب غير الصحراوي. وبخصوص الخروقات الحقوقية التي شهدتها المنطقة خلال الأحداث المعنية بالتحقيق قيل إن الحق في الحياة قد تم استهدافه بالاستخدام المفرط للقوة أثناء تفكيك مخيم "اكديم إيزيك" والمواجهات التي أعقبت هذا التفكيك.. وذلك بسقوط 13ضحية،11 منهم من القوى النظامية.. كما أشار التقرير لوقوع حالات اختطاف واحتجاز وتعذيب ومعاملات سيئة ولا إنسانية، إذ أن معتقلين مدنيين اعتباطيين، أثناء عملية التفكيك وضمن تداعياتها، قد خضعوا لحراسة نظرية تجاوزت المدة القانونية (وصل بعضها إلى 19 يوما) ودون أي إخطار للأسر، حيث تعرضوا للتعنيف اللفظي والبدني امتد إلى تعصيب الأعين والمنع من النوم والتبول عليهم والتهديد بالاغتصاب، مع إخضاع أحد المعتقلين للإجلاس على قارورة مشروبات غازية وحرمان عدد كبير من الموقوفين من الأحذية التي كانوا ينتعلونها. وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بناء على تقرير لجنتها للتقصي، بأن الخروقات الحقوقية لم تفرق بين الصفات ولا الجنس، موردة بأنّ سيدة قد تعرضت للإجهاض وأخرى يم اغتصابها من قبل أمنيين أثناء عملية تفكيك المخيّم، إضافة لخروقات حقوقية مست الطفولة باعتقال قاصرين لمدد طويلة وإخضاعهم للتجويع بمخافر الشرطة.. كما أورد ضمن التقرير تضييق السلطات المغربية على الحق في المعلومات بمنع عدد من الصحفيين من الاشتغال زيادة على تغييب الأمن عن مدينة العيون صبيحة ال8 من نونبر وما نتج عن ذلك من تسهيل لاستهداف الممتلكات العمومية والخاصة. وضمن توصيات التقرير طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بفتح تحقيق نزيه ومحايد للكشف عن الحقيقة تحديد المسؤوليات بشأن الأحداث التي عرفتها منطقة العيون، مع إعمال العدالة وتفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب لكل من ثبتت مسؤوليته، في إطار محاكمة عادلة، عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى تلك الأحداث وما نتج عنها من انتهاكات لحقوق الإنسان.. مع فتح تحقيق قضائي بشأن ما وقع داخل المستشفي العسكري بالعيون يوم الأحداث نظرا لتوصل اللجنة بعدد من الشهادات لم تتمكن من التأكد منها بخصوص عدد وحجم العنف والتعذيب الممارس خلال الأحداث ونتائجه وتداعياته. كما طولب بفتح تحقيق نزيه ومحايد بشأن القرار المفاجئ للسلطة بإخلاء المخيم بالقوة.. وتمكين السكان من نفس الفرص سواء تعلق الأمر بالتشغيل أو بالسكن أو بالاستفادة من كل إمكانيات وخيرات المنطقة ووضع حد نهائي لكل أشكال التمييز بينهم الذي تمارسه السلطة والنخب المهيمنة فيها على قاعدة العلاقة مع السلطة، والأعيان وذوي النفوذ والأحزاب النافدة من جهة، والانتماء أو عدم الانتماء للمنطقة من جهة أخرى.. وضرورة توقف السلطات عن تأليب جزء من السكان ضد جزء آخر والتحريض على العداوة وتشجيع النعرات القبلية والعداء والعنف في المنطقة مما قد تكون له عواقب خطيرة على الأمن بالمنطقة وعلى سلامة سكانها، إعمالا لما تنص عليه المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية التي تحظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.. مع احترام الحريات العامة من طرف السلطات بالمنطقة، بما يعنيه ذلك من حريات التنظيم والتجمع والتعبير والصحافة والتظاهر السلمي بما فيها حرية الرأي والتعبير السلمي عن مختلف المواقف المتواجدة في المنطقة بشأن النزاع في الصحراء. كما نودي بوجوب فسح المجال أمام الجمعيات الحقوقية وكل الهيآت المدنية دون تمييز، للعمل في المنطقة، وفتح جسور التواصل معها والإنصات لها، وتمكين مختلف الأحزاب للمساهمة في التأطير والتكوين السياسيين دون ضغوط أو تضييق، وتوفير كل إمكانيات تصريف مختلف احتجاجات السكان بما يضمن الحق في المشاركة كشرط أساسي للديمقراطية، وفتح الحوار مع ممثليهم قبل استفحال الأوضاع .. زيادة على تمكين الإعلام الوطني والدولي بكل مكوناته، وكل المتتبعين، من الحق في الوصول إلى المعلومة وإلى كل المعطيات للبحث والتحري فيما عرفته المنطقة من أحداث وفي أسبابها وتداعياتها، للمساهمة في الإخبار وتنوير الرأي العام الوطني والدولي وفي الكشف عن الحقيقة في احترام تام لأخلاقيات مهنة الصحافة.. وكذا توفير التكوين في مجال حقوق الإنسان لموظفي الدولة المكلفين بإنفاذ القانون وضمان حقهم في الحياة الكريمة خاصة وأن شروط الفقر وامتهان كرامة المكلفين بتدبير الأمن في علاقة مباشرة مع المواطنين ينتج عنه الحقد والعداء والممارسات الانتقامية العنيفة. وأعلنت ذات التوصيات وجوب توفير شروط المحاكمة العادلة لجميع المعتقلين بمن فيهم المحالين على المحكمة العسكرية. علما أن إحالة مدنيين على محكمة عسكرية هو في حد ذاته انتهاك لمعايير المحاكمة العادلة.. وجبر الأضرار الفردية والجماعية الناتجة عن الأحداث، بدء بجبر أضرار ذوي الحقوق من أسر الضحايا المتوفون (من أفراد القوات العمومية ومن المدنيين)، وتعويض سكان المنطقة عن كل الخسائر التي تكبدوها أثناء أحداث المخيم أو العيون، سواء تعلق الأمر بما أتلف أو أحرق في المخيم أو في مدينة العيون صباح يوم الإثنين أو مختلف السلع التي ضاعت عند تعرض المتاجر للنهب عشية يوم الإثنين8 نوفمبر، أو الأثاث الذي سرق من المنازل عند مداهمتها خلال نفس الفترة، أو كل ما تعرض للحرق أو التدمير أو الإتلاف بصفة عامة خلال الأحداث. كما طولبت الدولة بتنفيذ التزاماتها بخصوص ملف الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالماضي وإجلاء الحقيقة كاملة عن ملفات المختطفين الصحراويين والتجاوب مع الضحايا وعائلاتهم، وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين الصحراويين بمن فيهم الثلاثة المتبقين من مجموعة التامك.. وضرورة احترام الدولة المغربية لالتزامها المتعلق بتطبيق مضامين اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي صدقت عليها منذ 1993، والتصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بهذه الاتفاقية لتمكين المجتمع من آلية وطنية للوقاية من التعذيب. والتصديق على الاتفاقية الدولية بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.. مع ضرورة وضع حل ديمقراطي للنزاع حول الصحراء بما يجنب المنطقة المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، ويمكن من تحقيق وحدة الشعوب المغاربية وبناء الديمقراطية وانطلاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة نظرا أن الاحتجاجات الاجتماعية وانتهاكات حقوق الإنسان التي تواكبها في العديد من الحالات واستمرار أوضاع التوتر والصدام بين المواطنين والسلطة تغذيه الشروط الناتجة عن استمرار النزاع حول الصحراء الذي طال أمده. ودعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق في أحداث العيون ألا تعيد تجارب لجن التحقيق البرلمانية السابقة التي توقفت عند أنصاف الحقائق وبقي المتورطون في الانتهاكات التي سجلتها يتمتعون بإفلات تام من العقاب، ومنها لجنة أحداث فاس 1990، ولجنة سيدي إفني، ولجن التحقيق في ملفات نهب المال العام.