ناقشت الندوات والموائد المستديرة التي تحتضنها مدينة فاس بمناسبة احتضان رحابها للدورة التاسعة من مهرجان الثقافة الصوفية، من 18 إلى 25 ابريل، بما يسميه متصوفون ب"دين المحبة"، من خلال استحضار نماذج خالدة لهذا الصنف من الحب الصوفي، من قبيل رابعة العدوية، وابن عربي، وجلال الدين الرومي وغيرهم. ووصف الدكتور فوزي الصقلي، رئيس المهرجان، هذه المحبة بأنها تعتبر "أسمى غايات التصوف"، قبل أن يطرح إشكالا جوهريا يرتبط بمدى التواجد الفعلي للحب في مجتمعاتنا المعاصرة، ويسأل "كيف يمكن لهاته الطاقة من المحبة المتجددة أن تسهم في بناء مستقبل مشترك ومجتمع مفعم بالأخلاق". هذا السؤال تلقفه باحثون أثثوا أمسيات المهرجان، بالتحليل والتمحيص، حيث شد عدد من الباحثين الحاضرين على "الارتباط العضوي بين التصوف؛ كتجربة أخلاقية مفضية لمحبة الله ومخلوقاته، وبين انخراط المتصوف في بناء مجتمعه ومستقبل الإنسانية المشترك". وذهب الباحثون إلى أن "شعور المتصوف بوجوب انخراطه الفعلي في بناء مستقبل الإنسانية، هو نتيجة مباشرة لاختباره لتجربة محبة الغير التي تجعل لحياته معنى ونكهة وامتدادا، حيث إن غياب تقدير الآخر وعدم الاعتراف بأهميته تعني ارتباكا وجوديا للمتصوف". وتساءل باحثون، خلال لقاءات المهرجان، عن "المصادر الدينية لما يسميه البعض "دين الحب"، باعتبارها "حالة وجودية وجمالية وأخلاقية يختبرها المتصوف، رابطين مصدرها الأساس بتعاليم الدين الإسلامي وأخلاق النبي محمد المتجسدة في سيرته القولية والفعلية". وشدد هؤلاء على أنه "لا تستقيم أي تجربة صوفية دون تمثل أخلاق النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والتماهي فيها، الأمر الذي جعل الكثيرين يعتبرون هذا النوع من المحبة بأنها من ثمارا للتدين الإسلامي الحقيقي وفق منهج القرآن والسنة النبوية الشريفة". وكان متحف البطحاء قد احتضن، ندوة فكرية حول "دين الحب في الشعر الصوفي الفارسي"، حيث استحضر باحثون وأكاديميون ملامح الإرث الثقافي والفني الروحي لجلال الدين الرومي، الشاعر الفارسي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي. واعتبر الحاضرون أن "تجربة الرومي تتجاوز المساحة الجغرافية العربية والإسلامية، كما تتخطى حدود الزمان الماضي، لتعانق الإنسانية جمعاء في أي وقت وزمان، وذلك لما يحمله إرثه الإبداعي من قيم عظمى ومثل حضارية وتجدّد عابر للزمن". وتوقف باحثون عند ما خلّف الرومي من تراث من الوصايا في الحب وتداوله، باعتبار الحبّ حقيقة الكون والطبيعة والحياة والإنسان والعالم، معزين الحديث بقوة عن الرومي خلال الزمن المعاصر، إلى السياقات النفسية والاجتماعية والفكرية التي يشهدها العالم المعاصر". ولفتوا إلى "طغيان الماديات على حساب القيم الروحية، وسيادة الكراهية والعنف ونبذ الآخر، مما يجعل الإنسان المعاصر يعيش نوعا من الغربة والقلق والفراغ الروحي، حيث لا مناص من سلوك طريق المحبة والتسامح التي طالما جعلها الرومي منهاجا له ولغيره".