لعل من أبرز ما يحسب للدورة التاسعة من مهرجان فاس للثقافة الصوفية، كونها فتحت مجالا فسيحا للتساؤل حول طبيعة الوظائف التي يضطلع بأدائها التصوف فكرا وممارسة. الدكتور فوزي الصقلي رئيس المهرجان وفي معرض توصيفه للمحبة باعتبارها من أسمى غايات التصوف، طرح سؤالا جوهريا يرتبط بمدى التواجد الفعلي للحب في مجتمعاتنا المعاصرة، بالشكل الذي يصفه المتصوفة في قولهم "أنا لو أشرب البحار جميعا**لم أزل من محبتي ظمآنا"، وأردف متسائلا "كيف يمكن لهاته الطاقة من المحبة المتجددة أن تسهم في بناء مستقبل مشترك ومجتمع مفعم بالأخلاق؟". تساؤلات من هذا القبيل، استوجبت تشريحا دقيقا من طرف بعض الباحثين الحاضرين في المهرجان، والذين عبر بعضهم عن الارتباط العضوي بين التصوف كتجربة أخلاقية مفضية لمحبة الله ومخلوقاته وبين انخراط المتصوف في بناء مجتمعه ومستقبل الإنسانية المشترك، حيث أكد بعض الباحثين أن شعور المتصوف بوجوب انخراطه الفعلي في بناء مستقبل الإنسانية المشترك ما هو إلا نتيجة مباشرة لاختباره لتجربة محبة الغير التي تجعل لحياته معنى ونكهة وامتدادا، حيث إن غياب تقدير الآخر وعدم الاعتراف بأهميته وإبعاده من مشهد الحب الصوفي الذي يفترض تواجد طرفين اثنين هما الأنا والغير، تعني بالضرورة ارتباكا وجوديا للمتصوف وبالتالي تبددا لأي معنى لحياته، مما يجعل سعادة المتصوف وتوازن تواجده لا يتحقق إلا عبر سعادة الغير وهنائه، ويجعل بناء المجتمع المفعم بالقيم الجمالية والأخلاقية والمستقبل المشترك للإنسانية أمرا موازيا لمدى تحقق الهناء المشترك بين الأنا والآخر. المحبة أو كما يسميها البعض "دين الحب"، لم يكن ليمر الحديث عنها دون التساؤل عن المصادر الدينية لهذه الحالة الوجودية والجمالية والأخلاقية التي يختبرها المتصوف، حيث ربط ثلة من المتدخلين في لقاءات المهرجان مصدرها الأساس بتعاليم الدين الإسلامي وأخلاق النبي محمد (ص) المتجسدة في سيرته القولية والفعلية، والتي لا تستقيم أي تجربة صوفية دون تمثلها والتماهي فيها، الأمر الذي حدا بالكثيرين إلى اعتبار المحبة المتحدث عنها ما هي إلا ثمار للتدين الإسلامي الحقيقي وفق منهج القرآن والسنة النبوية الشريفة. يذكر أن لقاءات الدورة التاسعة من مهرجان فاس للثقافة الصوفية، تعرف تنوعا لافتا وانفتاحا ملحوظا على مختلف التعبيرات الإبداعية والفكرية الصوفية، حيث يلاحظ سعي واضح من منظمي المهرجان إلى تقريب المتتبعين من مختلف الروافد المساهمة في إغناء التجربة الصوفية الإنسانية، ولا أدل على ذلك تخصيص موائد مستديرة حول مواضيع من قبيل: "رواد المحبة الروحية بين الشرق والغرب" و"دين الحب في الشعر الصوفي الفارسي و"الثقافة والشعر الصوفي الأمازيغي".