"لا يمكن للمرء أن يكون خادما لسيدين" القديس متى مع انطلاق شعارات "العهد الجديد" في غفلة عنا انفلتت الكثير من الأحلام، واندفع الكثير منا في حماس منقطع النظير يؤثثون أمانيهم على المبادرات الإيجابية للسلطة السياسية، وبدا كما لو أن المغاربة أجمعين يتدربون على اختبار حرياتهم، ويتجرأون على قول الكلام المحتبس في الحنجرة... والذين اعتادوا زرع الشوك على طريق ورود أحلامنا لاذوا بالصمت الحكيم، لأنهم كانوا أدرى منا بأن للزمن صولات وتقلبات، وأن الربيع مجرد فصل أو أسطورة دافئة حتى، في حياة شعوب تتعلم الحبو والمشي على طريق الديمقراطية، قبلأن يعودوا ليشموا لحظة فرحنا بكوابيسهم، بالمعنى الدارج والفصيح للكلمة... وتنازعتنا سلطة العقل والقلب من جهة، وسلطة الغريزة من جهة أخرى، فدخلنا مغرب الشيء ونقيضه، مغرب المختبر المفتوح على كل الاحتمالات. وبتأمل الأحداث والوقائع التي عبرت الجسد المغربي، نقف على الحدث الإيجابي ونقيضه في آن، من إرهاب المغرب حتى مدونة الأسرة، ومن محاكمة الصحافيين إلى تشكيل لجنة الإنصاف والمصالحة، ومن بناء الميناء المتوسطي إلى جرف الفيضانات الأخيرة لبنياتنا الهشة التي كان كافيا ل24 ساعة من أمطار الرحمة، أن تجعل أكبر مدينة بالمغرب تتنفس تحت الماء، ومن لحظة اختبار المغاربة لحرياتهم إلى عودة أشكال التحكم في المشهد السياسي بطريقة فجة... ما يجعلنا أمام شبه توازن للعناصر التي ستصنع مستقبل المغرب، وبرغم مد طوفان الردة، فإن عناصر بناء المستقبل، لا تزال موجودة لكن تحتاج إلى قوة شعبية متكتلة متضامنة ذات مصلحة في التغيير بإمكانها حسم الصراع داخل مربع السلطة ووسط الامتدادات المجتمعية بين دلافين الديمقراطية وتماسيح الحفاظ على وضع الستاتيكو. إن عناصر بناء مغرب ديمقراطي حداثي تظل قائمة ونحتاج إلى القليل من توابل الجرأة والشجاعة السياسية لدخول طريق مغامرة الاختبار الديمقراطي بأحزمة سلامة لتحقيق انتقال هادئ برغم عسل الديمقراطيةالمر، التي يبدو كما لو أنها ممنوعة من الصرف مغربيا.. فهناك قاعدة اجتماعية للتغيير تتمثل في صحافة حيوية، عمل جماعي متقدم، نمو مجتمع مدني حيوي، تدرب المواطنين على اختبار حرياتهم... وحزب المستقبل يجب أن يُبني من هذا الرأسمال الحي، لذلك نحن بحاجة إلى عنصر تجميعي توحيدي وتجديدي قادر على زرع الأمل وتوطيد مكتسبات الأزمة ضداً على القوى المحافظة المرتهنة لحنين الماضي وعقليته البائدة، ألا يقتضي الأمر وعيا استراتيجيا قويا لتجاوز أعطاب مسار الاندماج الوطني وهشاشة بناء الدولة الديمقراطية؟ وهل يتجه كل الفاعلين لاستخلاص الدروس من التاريخ ويتسموا بذكاء وازن لتجاوز الاستكانة لوسادة القناعات الكسولة لربح الرهان؟