تخيل معي غياب كلمة ماما و بابا عن البيت دون سابق إنذار.. تخيل بيتا كانت تملأه حركات وأصوات طفل صغير.. هل جربت من قبل إحساس أم بعثت بفلذة كبدها يحمل معه حلم بطل في المستقبل متمنيا وضع علم الوطن على كثفه وهو يقوم بدورة شرفية على حلبة الملعب يحي من خلالها الجمهور، ليعود محمولا على الأكتاف في نعش.. قد نوظف كل أساليب الاستنكار والشجب والتنديد بالفواجع التي تحدث ونجعل من فضاءات المقاهي والحافلات والقطارات وفي قاعات " السّخون" بالحمامات الشعبية والأسواق بلاطوهات تحليل للحدث، قد نغير صور البروفيلات على حساباتنا الفايسبوكية ونلبس السواد، لكن نبقى في الأخير معادلة صغيرة من بين معادلات الألم والحرقة التي تعيشها الأم ويبكي لها الأب بعيدا عن أنظار من يقدمون العزاء. قد يحس أهل الفقيد بوطن يتضامن أبنائه الواقعيين والافتراضيين معهم ينددون ب "الحبر الافتراضي" ويدعون دعاء الرحمة والمغفرة، لكن هل تعرف أن مدة التضامن والبكاء في وطننا قصيرة جدا، تتراوح كأقصى تقدير ما بين أربعة أيام إلى سبعة أيام " المشمش" لننسى و ينسى الجميع الفاجعة في انتظار أخرى اشد ألما و حرقة. ننسى كل الحوادث فقط لأنها لم تأخذ عزيزا من بيننا، ويأتي أيضا أحمق يدّعي الكرامات فينسينا الفاجعة ويجعلنا نتداول حماقاته صباح مساء.. لكن هل بإمكان أم فقدت ابنها في حريق حافلة طانطان أن تنسى المشهد حين تريد إشعال نار الطهي داخل مطبخ البيت وهي تعرف جيدا أن شاحنة التي صدمت الحافلة لم تكن تحمل شحنة أسماك كما نقلوا لها عن طريق التلفاز، وتجربتها في التردد على الطبخ جعلتها تعرف جيدا أن الأسماك ليست بمادة قابلة للاشتعال ! هل سننتظر تذوق مرارة فقدان قريب عند وقوع كل حادث تم ننظم رسميا إلى لائحة أقارب ضحايا تجاوزات المسؤولين في هذا الوطن و نحس حينها أن كتابة "ستاتو" تضامن على الفايسبوك أهون بكثير من كتابة اسم قريب على شاهد قبره !