نحن شعب نمتلك ذاكرة قصيرة جدا أقصر من ذاكرة السمك والتي مدتها سبع ثوان.. فالمحطات والأحداث التي تواجهنا تكشف لنا عن المناسباتية التي نعشقها كثيرا وتمثل لنا متنفسا لنطبل، نزمر، نهلل، نشجب، نستنكر نصرخ، نبكي نتألم، نسب، نشتم ونتوعد، سبعة " أيام المشمش" تمر نكتب خلالها المئات من الستاتوهات وآلاف التعليقات، فقط لنسجل حضورنا الافتراضي ونكون بذلك قد ساهمنا في بناء رأي عام فايسبوكي ! كم هي الأحداث التي عشناها وطُويت في سجل النسيان أيام قليلة بعد حدوثها، نسينا بسرعة ما قام به البيدوفيلي الاسباني "دانيال كالافان" الذي اغتصب طفولتنا بالموازاة اغتصبنا جميعا وحين أشبع لذته هُجّر بشكل حقير إلى بلده أمام أنظارنا لأسباب "إنسانية"كما قيل، وقفنا حينها مندّدين حاملين شموعنا في أيادينا بساحة الحمام وباقي ساحات المدن، صرخنا واستنكرنا ثم عُدنا من حيث أتينا..
"كالافان" خلّف ورائه في صمت إحدى عشرة ضحية ماذا نعرفهم اليوم؟ هل تذكرناهم يوما؟ هل استمعنا إليهم؟ هل ننتظر في سنوات المقبلة وقوع إحدى عشرة جريمة تختلف ظروف وسياق وقوعها، لنطرح حينها تلك الأسئلة فارغة التي لا تنفع من قبيل، ما الذي دفع بأولئك الشباب ضحايا أمس إلى ارتكاب فعلتهم تلك !! الجواب سنجده في محتوى تقارير الشرطة استعانة بالطب النفسي بعد جلسات استماع كانت يجب أن تكون قبل سنوات، لنكتشف أن بذرة الحقد والانتقام زرعها ذات يوم " دانيال كالافان" بفعلته الشنيعة، ثم نمت وكُبرت مع مرور الوقت لتحول شبابا في مقتبل العمر إلى عاهات نفسية.
نسينا بسرعة حادث انهيار عمارات بوركون بعد أن أقمنا الدنيا ولم نقعدها، وندّدنا حينئذ بما وقع وطالبنا بمحاكمة المسؤولين عن الفاجعة التي هزت البيضاء وكشفت عن خلل خطير في سوء مراقبة رخص الإصلاح و البناء بمدننا، طُوي الملف ورفعت الجلسة الافتراضية التي قمنا بإفتتاحها على حساباتنا الفايسبوكية ونصبنا أنفسنا هيأة محامين فضغطنا بعدها جميعا على زر "دكونيكطا" ونسينا، بينما هناك في الواقع من ينعمون بالحرية وتسببوا في إزهاق الأرواح البريئة.
نسينا بسرعة ضحايا حادثة تيشكا الأليمة أياما قليلة من وقوعها ومن باب "الصّواب" نتذكرهم فقط في احتفالنا الباهت باليوم الوطني للسلامة الطرقية.
سننسى أيضا البطل "علال" الرجل الذي خلق الحدث و"البوز" من خلال عمله البطولي "القادوسي" الذي يعتبر من بين المواد الإخبارية الأهم على الجرائد و المواقع وصفحات الفايسبوك حيث تتهافت الميكروفونات للفوز بتصريح حصري له يكشف لنا عن جديد لم نعرفه في تصريح آخر !! أبدعنا كثيرا في الأعمال الساخرة المعدلة بالفوطوشوب والفيديوهات للتنديد والاستنكار و تحميل المسؤولية للمعنيين بالأمر على ما سببته مياه الأمطار من خسائر في يومها الأول و ما كشفته من خلل خطير في تدبير الشأن المحلي بالمدن وسننتظر " بروموسيون" مناسبة أو حدث آخر لنبدع من جديد في الأعمال الساخرة لنضحك قليلا ونهلل، نشجب، نستنكر نصرخ، نسب، نشتم، نبكي ونتألم ثم ننسى من جديد !