تمر العشرين من كل شهر عادية رتيبة، تقتلنا فيها الرغبة بالتنفس..تنفس الحرية. ننهظ من فراشنا مُتقاعسين نحاول تذكر اليوم، فيقابل صدفة أي عشرين من أي شهر فلا يتحرك فينا أي شيئ.. هو الأمل ما يذب فجأة في عروقنا فيمنحنا طاقة على البقاء والمُكابرة، نرتدي نفس اللباس فنحس أنه يقيدنا بدل أن يمنحنا الدفئ، نأكل من نفس الطبق ونفس الوجبة فلا يتغير الطعم، نقابل الوجوه نفسَها فتبدوا أكثر ذبولا من البارحة و أشد سرعة في التجعُد، نحتسي قهوتنا الصباحية على شرفة المقهى، لا النادل غير بسمته و لا الحاضرين بدوا سُعداء. في فبراير يختلف الأمر، و عند الرقم العشرين منه يصبح اليوم عيدا، و الملابس طوقا من الحرية، و الوجوه أكثر إقبالا على الحياة، و يعدو الطبق بلوريا والطعام بلذة إحساسنا بأننا مواطنين، لا القهوة تظل بنفس طعمها و لا الوجوه تكتسيها تلك السُحنة المائلة لسواد والقهر. حين يحدثوك عن العشرين من فبراير.. قل لهم: هو عيد من كان بلاعيد وأمل من كان أمله مفقود، هو تلك القشة التي تحَمل البعير حملها فقصمت ظهر صاحب البعير، ذلك البلسم الذي سيُشفي جراح محكوري و فقراء هذا الوطن الذي إغتصبوه طيلة عقود طويلة من الزمن و تباكوا معنا على إغتصابه. قل لهم: حين أحدثكم عن العشرين من فبراير فأنا لا أكلمكم عن أي يوم عادي من أيام السنة، هو.. من جعل الشيخ يخلع ثوب الخوف من المخزن وأذنابه وجرِ خطاه في الشارع كي يسجل إسمه في لائحة الأحرار، والشاب يحمل نعشه على يديه و يخرج مطالبا بحقه في الكرامة و الحق في العيش الكريم، وتلك العجوز تكبدت مرض ركبتيها وحملت شارة النصر فوق أصابعها وهتفت بحنجرة مبحوحة "قهرتوني"، وطفلة من بعيد محمولة على كتفي أباها تحاول ضرب موعد مع حقها في حياة ليست كحياة أُمها، كل هؤلاء خرجوا و صرخوا في الشوارع و تحملوا عصا المخزن و زنازينه الباردة، لم يُغرهم بدستوره الجديد الذي خدم مصالحهم وقوض ظهر المسحوقين. وحين هدأت فورةالغضب في نفوسهم كرس المخزن نفس سياسته، و إستمر في بيع نفس أوهامه، نسي أننا لم نعد نصدقه ولا نثق في أكاديبه. بدل مكان الغير المُلتحي بالمُلتحي، لكنه لازال يركب نفس ماركة السيارة ويدفع ثمن بنزينها من جيوبنا التي أفرغوها على نزواتهم وحبهم "لشكلاطة"، لازال البرلمان قبة لتهريجهم علينا ويمثلون بأنهم يتصارعون على مصالحنا، وما إن يغادروه حتى يشربوا نخب غبائنا في أقرب ماخور " كلاس"بطبيعة الحال، تمخض الفساد فأنجب لنا مفسدين جدد يحميهم صاحب اللحية ويبارك له ذلك المخزن، حَضِن الإستبداد وجعل منه مقطع يتغنى به كلما وجد نفسه غير قادر على محاربته، المهم أن يظل فوق كرسيه الوثير. نسي أن لولا رقم العشرين لما إرتدى ربطة العنق التي كان يكرهها، ولا سكن "الفيلا" بحديقة ومسبح في حيالأمراء، وحتى السيارة بسائق يفتح له الباب كلما هم بالنزول منها.. ما كان ركب فيها. قل له: لولا العشرين ما عرف كل هذا و لا حلم يوما أن يصل إليه. تحل علينا ذكراها الثالثة، لن نبكي فيها فقيدا عزيزا رحل نزور قبره ونثلوا على رأسه ما تيسر من شوقنا له، لن نزين قبره بالورود… فالذكرى نحتفل بها لكي لا ننسى الراحلين عنا للأبد، أما العشرون من شباط فلازال حيٌ يرزق بيننا ويطوف بين ظهرانينا، مطالبه تفرض نفسها بإلحاح، تطوف كبارقة أمل فوق رؤوس كادحي وكادحات هذا الوطن المُسجَى في دمائه، سنخرج كيوم خروجنا أول مرة مرتدين أبهى حُلة صادحين بحناجرنا لأننا لا نملك سوى صوتِها، فالتاريخ يمكن أن يعيد نفسه وأن يمنحنا فرصا جديدة للقائنا مع الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية… آه ما أحلى هذا الثلاثي عندما كانت تصدح به حناجر جحافل البؤساء في الوقت نفسه، و باللحن نفسه. قل لهم: إذا نسيتم و أصاب ذاكرتكم "الزهايمر" سنذكركم بهذا من جديد. يقولون لنا، إنسوا فعشرين ماتت و تحولت عظامها إلى رميم في لحدها، يحاولون سرقة موعدنا مع التاريخ كما فعلوا في المرة السابقة، يريدون منا أن ننسى أحد عشرة شهيدا سقطوا من بيننا بسببهم وأن نخذل العشرات من الأصوات التي أخرسوها ببرودة زنازينهم وسياط جلاديهم، يريدوننا أن ننسى كل هؤلاء، وإذا نسينا…هل ننسى الحرية التي رفض من أجلها الطير القصور وحلق مُلامسا عَنان السماء؟أم ننسى الكرامة التي تغنينا بجمال لحنها في ذلك الصباح العشريني البارد من شهر فبراير؟. أننسى ونقدم أيادينا لنصافح بها من جوعنا ونهب ترواثنا، وفصل القوانين على مقاسنا وجعلها فضفاضة له، أننسى… أبداً، أما إذا نسيتم أنثم فدعوني أقول لكم: هل أتاكم حديث العشرين…؟